هل تُفلح الأحزاب السياسية الجديدة في استقطاب الشباب؟
وإن كانت قضايا الشباب كثيرة، وأهمها البطالة، إلا أن مسألة مشاركتهم السياسية أصبحت موضوع الساعة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، سواء في مجال البحث العلمي أو ميدان السياسات الموجهة للشباب، لأن مشاركتهم تتعلق بإطار أشمل، وهو مشروع الحداثة والبناء الديمقراطي في المجتمعات المعاصرة، إضافة إلى انها مدخل حقيقي لتعبئة طاقات الأجيال الصاعدة وتجديد الدماء في شرايين النظام السياسي والاجتماعي للوطن والمساهمة في حركة التنمية.
فهل قضية تحزيب الشباب التي تطرح نفسها بكل ثقلها في هذه المرحلة تحديداً، تأخذ بعين الاعتبار ما كشفه التقريرالاخير لـ"الباروميتر العربي" وهو شبكة بحثية مستقلة(يوليو/ تموز،٢٠٢٢) أن الأردن الأول عربياً من حيث الرغبة في الهجرة، مقارنةً بالدول العربية الأخرى التي تعاني ظروفا أصعب كلبنان مثلاً.
وإن ٩٣ ٪ من الأردنيين بحسب التقرير، والذي يشكل الشباب النسبة العالية في مجتمعه، تكون الهجرة اولويته الأولى، للهروب من الواقع الاقتصادي الذي يتضخم يوما بعد يوم، فأين هي الاولوية السياسية والحزبية من هذه الأرقام؟
دعونا نطرح هنا تساؤلات، بالضرورة الاقتراب من أجوبتها، يسهم بشكل او بآخر بتحديد واقع حال الشباب في المسألة السياسية والحزبية، لأحزاب تزدحم في المدة الاخيرة لاستقطابهم كرافعة للمضي قدما بما يتناسب مع السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحيط بالتحولات المحلية والدولية.
فهل تستطيع المشاريع الجديدة للأحزاب السياسية، ان تَلمح من قريب أو بعيد هموم الشباب الوجودي وقلقه، والتحولات والتغيرات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، والذي يزيد ايضا من صعوبة التعامل مع قضايا الشباب،أن وجودهم افقي في مجتمعهم ويتغلغلون داخل كل القطاعات؟
وهل ينظر إلى هذه الكتلة البشرية" الشباب" التي تشكل نصف الحاضر وكل المستقبل كعبء، ام هي الحل لكل مشاكل المجتمع؟
وهل هناك اهتمام سياسي لدى الشباب في متابعة القضايا السياسية العامة المحلية والدولية؟ داخل أسرته او مع أصدقائه او مجتمعه ومحيطه التعليمي المدرسي منه والجامعي؟
وهل هناك معرفة عامة لدى الشباب بالشخصيات التاريخية ذات الدور السياسي على المستوى المحلي والدولي التي تعمل الإحاطة بها على تعميق النضج المعرفي والسياسي الحزبي ؟
وهذا يحيلنا إلى تساؤل آخر مرتبط بأهمية الإحاطة أيضا بتاريخ و نشأة الأحزاب وفاعليتها في العالم وانعكاسها على حياة الشعوب في الدول المتقدمة وقناعاتها في التحزب ؟
هل هناك مشاركة عقلانية حقيقية للشباب، غير تلك المشاركة التي نلمسها في حشدهم واستغلالهم في الحملات الانتخابية البرلمانية والبلدية التي تعزز الروابط العشائرية والمناطقية لا المشاركة الحزبية السياسية الوطنية الواعية ؟
هل هناك تنشئة سياسية وتهيئة للمناخ الجمعي العام للمشاركة السياسية ، التي تهدف بالضرورة إلى تنمية هوية الشاب المستقلة وتطوير قدراته والمشاركة في اتخاذ القرار، وبالتالي ترسيخ الية نقل الثقافة السياسية الطموحة من جيل إلى آخر؟
هل تساهم الدولة ومؤسساته وقوانينها بتبني عملية التنشئة السياسية كعملية اجتماعية تربوية مستمرة ومتواصل يخضع لها الشاب في مراحل حياته المبكرة من الأسرة إلى المدرسة، للجامعة فالعمل في مؤسسات المجتمع المدني لتطوير مفهوم المشاركة السياسية؟
الأسئلة تطول وتطول في سياق مشاركة الشباب الحزبية السياسية، ولكن من المهم ان ننظر بإيجابية إلى هذه الفئة العمرية، فما يميز مرحلة الشباب كما نعلم، أنها مرحلة التطلع إلى المستقبل، وتُمثل بدرجة عميقة الحماس والتفاؤل والنشاط، وتَمثّل القيم العليا في الحياة، قبل أن تأخذهم ظروف الحياة وصعابها في مراحل متقدمة لتقديم تنازلات عن الكثير من امالهم وطموحاتهم.
لذلك بالرغم من عدم الرضا الجمعي لواقع حال الشباب في مجتمعاتهم، الا ان مرحلة الشباب يجب أن تستغلها الدولة ومؤسساتها، وأن يكون هناك ارادة حقيقية لمنهجة مشاركة الشباب السياسية والحزبية ودفعها لتساند التنمية باشكالها كافة ، فهم الجيش الحقيقي المؤثر و القادر على دفع المجتمع إلى الأمام.