من التحذير إلى التعويد أيها السادة
بين يدي خبر قرأته وغيري ألف مرة خلال الاعوام الاخيرة، ويتكرر دائما، وربما يتوجب تدريسه في كليات الصحافة، كونه الخبر الأكثر تكراراً، من حيث الصياغة اللغوية والدلالة السياسية.
والقصة هنا، ليس الاعتراض على نشر الخبر، بل لأن نشر الخبر بشكل يومي، يعني ان لا شيء يتغير، او يتوقف، او يتراجع، ويعني ايضا ان الخبر يتورط من حيث لا يحتسب في جعل مضمونه اعتياديا، وعملا يوميا، يلغي اي رد فعل من المتلقي، او القارئ، او المسؤول، وما بينهم من جماهير.
يقول الخبر العتيد المنشور، أيضاً، اليوم الأحد، وكل يوم : “قالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، في بيان، إن عشرات المستوطنين المتطرفين اقتحموا الأقصى على شكل مجموعات متتالية، من جهة باب المغاربة وذلك بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي الخاصة المدججة بالسلاح، وأدوا طقوسا تلمودية عنصرية استفزازية ونفذوا جولات مشبوهة في باحاته، خصوصا في المنطقة الشرقية منه، واستمعوا لشروحات مزورة حول هيكلهم”.
القصة هنا تحولت من التحذير الى التعويد، دون ان يتعمد اصحاب الخبر ذلك، فهم يريدون ان يقولوا للناس، ان عمليات الاقتحام يومية، ومتواصلة وبنفس السيناريو دون اي تغيير.
لكن نشر الخبر يعني من ناحية سياسية، شيئا آخراً، ونشره بشكل يومي، يعني ان اسرائيل تواصل اقتحامات المسجد الاقصى، مرتين يوميا، وقد سبق ذلك اعلان الجهات المختصة في القدس، ان عدد المقتحمين وصل العام الماضي، الى اكثر من ثلاثين الف شخص،خلال عام واحد، ومن المتوقع ان تتزايد موجات الاقتحام، بشكل يؤكد ان التقاسم الزمني قد تم فعليا، حتى لا يواصل من يحذر من التقسيم الزمني، ذات صياغاته، وهو يرى بأم عينيه ان التقاسم الزمني بات واقعا يجري بشكل يومي، دون اي اعتراضات، وبحماية سلطات الاحتلال الاسرائيلي.
القصة ايضا، لا تعني الاهتمام بالمقدس، واهمال الديموغرافيا، او مدينة القدس ذاتها، فنحن امام مخطط كبير لطمس هوية المدينة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، واعادة انتاجها، وعلى هذا فان اهم رمز في المدينة هو الحرم القدسي، واستهدافه لايأتي من باب اثارة مشاعر المسلمين، بل في سياق مخطط، يرتبط بتكريس التقاسم الزمني، توطئة للتقاسم المكاني.
اذا بقيت ردود الفعل بهذه الطريقة، فإن الاسرائيليين سيصلون الى هدفهم النهائي، دون ان يتلفتوا الى رد فعل احد، وقد اثبتوا دوما، انهم يمضون حتى النهاية في مخططاتهم.
السيناريو المقبل، الذي لا يصدقه البعض، يرتبط بالسطو على جزء من الحرم القدسي الممتد على 144 دونما، واقامة هيكل سليمان عليه، وهنا اعني المساحات الفارغة من الحرم، وبحيث يتم تقاسم الحرم الى جزئين، او السيناريو المعروف الذي يتعلق بهدم مسجد قبة الصخرة، تحديدا، او المسجد القبلي، ولو عبر حادثة مصطنعة، او حتى مباشرة، بحيث يتم اقامة الهيكل عليه.
واذا كان بعض العرب يقولون ان اسرائيل لن تجرؤ على اي من السيناريوهين لاعتبارات كثيرة، فإن الرد على اصحاب هذا الرأي سهل، بالقول ان دخول ثلاثين الف شخص الى الحرم القدسي خلال عام، كان مستحيلا في خيالنا ذات يوم، لكنه يحدث اليوم، وكل يوم امام عيوننا.
حين تصبح الشعوب مرهقة، وتفقد صلتها بقضاياها، وتصير تائهة في هذه الدنيا، ستصل الى الدرك الاسفل في كل المجالات، بما فيها ارتباطها بما هو مقدس، وبحيث يصير تبرير العجز، اسهل بكثير من وقفه، او خفضه، او مقاومته، وهذا حال عام في امة المليار ونصف مليار ايها السادة.
اما الخبر، فسوف ينشر غدا، وبعد غد، وحتى نهايات اعمارنا، حتى يشاء الله امرا كان مفعولا.