تطوير التعليم ضرورة للبقاء
مع بداية تأسيس الدولة الارنية تم ترسيم ملامح التعليم العالي من أجل بناء بيروقراطية إدارية تقدم الخدمات الحكومية وتسير أحوال البلاد والعباد، هذا التوجه المقرون بالضرورة وقتها جعل من (الوظيفة الحكومية) هدفًا (يختزل مجموعة كبيرة من الامتيازات الاجتماعية والوظيفية) مما جعل الحصول على الشهادة الجامعية خطوة ضرورية للحصول على هذه الوظيفة، كما حول الحكومة لأكبر مشغل في السوق الأردنية.
مع دخول الدولة الاردنية لمئويتها الثانية تحول تحدي اعادة بناء جهاز الإدارة العامة الى تخليص هذا الجهاز من مسببات الترهل وعوامل طرد الكفاءات على مستويات الإدارة العليا والمتوسطة، لكن سياسيات التعليم بقيت على حالها ولم تتم إعادة هندستها لتتناسب مع المتطلبات الجديدة، لذلك تراجعت جودة مخرجاتها ولم يعد يمتلك خريجوها الأدوات المطلوبة للانخراط بالأسواق المحلية أو الإقليمية والعالمية.
تحدد سياسات التعليم المدرسي والعالي، شكل قوى العمل المتوفرة في السوق، لذلك يجب أن تتماشى هذه السياسات مع التوجهات العامة للدولة (اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا) فليس من الممكن العمل بشكل جدي على تنمية القطاعات الزراعية وجامعاتنا ومدارسنا لا تخرج عمالة تمتلك المعارف والخبرات الضرورية في ملفات الري واستصلاح الأراضي والهندسة الزراعية وغيرها، وكذلك الحال في قطاعات المعلومات والثروة التكنولوجية والصناعات الخفيفة والاعمال الحرفية التي تدر على العاملين فيها دخول أعلى من متوسط دخل الموظف الحكومي.
تخرج جامعاتنا الاف الأطباء والمهندسين مقابل عدد ضئيل من الحرفيين وعدد أقل من ذوي التخصصات الزراعية، فيما يقع معظم الخريجيين في فخ البطالة ويلقون اللوم على الحكومة، وهم محقون في ذلك، إذا اعتبرت أن رحلتهم التعليمية قد برمجت لتنتهي بالحصول على وظيفة حكومية، وهم قد أدوا ما عليهم من هذه الصفقة بنجاح لكنهم عاطلون عن العمل وأخاف أن أضيف عن الامل أيضا.
إعادة الاعتبار (اجتماعياً ومؤسسياً) للتخصصات الحرفية والفنية والزراعية في المراحل الدراسية المدرسية وعلى صعيد الكليات ضرورة لبناء اقتصاد متين يعتمد على الإنتاج الحقيقي، كذلك حاجتنا لإعادة هيكلة وتطوير العملية التعليمة بما يتناسب مع التوجهات الاقتصادية العابرة للحكومية ضرورة لا غنى عنها، هذا التطوير يشمل إعادة هندسة التعليم المدرسي (الابتدائي والاعدادي والثانوي) بما يضمن إعادة النظر بالمدد الزمنية ونوعية المعارف التي توفرها كل مرحلة.
يمثل التعليم المناسب لمتطلبات العصر والسوق الركيزة الأولى لنهوض الأمم والارتقاء المجتمعي والإداري والثقافي، فمن غير شعب متعلم للمهارات ومعارف عصره، لن تتمكن من امتلاك أدوات الابتكار والتطوير الضرورية للمنافسة في أسواق السلع والخدمات، اللازمة لبناء اقتصاد منتج وحقيقي، يكون هو بدوره الرافعة الضرورية للتنمية والتقدم.