لصقات التدخين ونموذج مكافحة غلاء المعيشة

عمر كلاب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/24 الساعة 00:43

يحلم المدخن باليوم الذي يأتي وقد اقلع فيه عن التدخين, فهو يمارس تنظيره اليومي عن مخاطر التدخين واثاره السلبية على الصحة, وثمة مدخن يسعى للاقلاع عن التدخين على قاعدة الترك التدريجي, فيسعى الى مراكز وزارة الصحة التي تمنحه الحلول, تارة بلصقات تساعد، وتارة ببعض الحبوب والعلكة, وفي كل مرة يستخدم فيها احدى هذه الوسائل يزداد اقباله على السيجارة, بل ان كثيرا منهم يزدادون شراهة على التدخين, فقرار الاقلاع يحتاج الى ارادة وعزيمة, ولا يحتاج الى عوامل مساعدة, كما هو الثابت من تجارب الناجحين في الاقلاع عنه, وثمة تجارب قليلة اكدت ان هذه العوامل المساعدة خففت من اقباله على السيجارة.

لصقات التدخين, باتت شكلا من اشكال التفكير الاقتصادي الرسمي, الذي يسعى الى مواجهة ارتفاع كلف المعيشة, على نظام لصقات التدخين, التي تمنح المدخن شعورا بكره السيجارة, او تمنحه بعض النيكوتين, لكن الواقع يقول ان السيجارة امامه وانه لا يستطيع الاستغناء عنها, فالارادة لم تتوفر بعد لمواجهة السبب, بدل التفكير بتقليل اضرار النتائج, وكل قرارات الحكومات المتعاقبة كانت تبحث عن تخفيف الاثار السلبية للنتائج, ولم تفتح صفحة الاسئلة التي اوصلتنا الى هذه النتيجة, فالجميع ربط بين البطالة والفقر كمتلازمة, والجميع اغفل التعليم والتدريب المهني والتقني, والجميع لم يفكر لحظة في كسر حلقة الرأسمال المالي المسيطر على مفاصل الاقتصاد, ويمنع اي محاولة اختراق.

في كل موجة غلاء وارتفاع اسعار, نذهب الى قرارات لتخفيف الاعراض, فسرعان ما نفكر بتخفيضات على بعض الضرائب والرسوم, او تحييدها مؤقتا, ونصحو على ضرورة جذب الاستثمارات ومواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل, فيعلو سقف التصريحات وثمة من يرفع سقفه اكثر ويعلن عن فرص عمل, لكن الشباب لا يقبلون عليها, دون مراعاة بيئة العمل وظروفها, فكلنا يدرك ان العمل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة طارد للعامل, فلا اوقات عمل محددة ولا تأمينات اجتماعية وصحية معقولة, والاهم ان راتب تلك المؤسسات على شدة رقّته غير مقبول في المؤسسات المالية والمصرفية.

لذلك تذهب معظم هذه الفرص الى العمالة الوافدة المنظمة او غير المنظمة, التي بات تعدادها يقارب المليون شخص,–وزارة العمل تقول ان العدد 800 الف – ولكم ان تتخيلوا فاجعة هذا الرقم, في حين ان خزان طالبي العمل في الاردن يبلغ 460 الف اردني حسب ديوان الخدمة المدنية,–جزء كبير منهم يمتلك رقم ضمان اجتماعي – اي انهم يعملون ولكنهم ينتظرون وظيفة الحكومة, لاسباب باتت واضحة, امان وظيفي دون جهد كبير, وقبول مميز من مؤسسات المال والاقراض لرواتبهم.

هذه العوامل مضافا اليها ثقافة الوظيفة على حساب ثقافة الشغل, وغياب التعليم المهني والتقني المتخصص, افرز حالة من التشوه العام, وافرز هشاشة في مواجهة اي حالة ارتفاع في الاسعار, واذا وضعنا كل هذه المدخلات في مختبر الفضاء العام السلبي, نصل الى جواب عن حالة السواد العام الذي تغذيه محافل صنع الاعتقاد وازلامها, ولا يوجد اجراء جذري وحقيقي لمواجهة كل هذه الازمات, فكل ما نتحدث عنه أفكار, صحيح انها جاذبة, لكنها غير مترابطة وغير مربوطة بمنهج استراتيجي, يكفل كسر حلقات الاحتكار وتحديدا في الرأسمال المالي, وضرورة اخضاعه للبيئة الاردنية, وكسر حلقة ان المهارة هي المطلوبة في سوق العمل وليس الشهادة.

لصقات مكافحة التدخين قد تدفع المدخن الى التخفيف المؤقت, لكنها لا تكافح التدخين جذريا, والابقاء على ثقافتها في الادارة الاقتصادية سيجعل من عودتنا الى الاستهلاك اكثر شراهة, وهنا الكارثة, اذا لم نفتح اليوم ملف البطالة من اوسع الابواب, لاننا اذا صدقنا العمل لمحاربة هذه الآفة سنصل الى نتائج بعد ثلاث سنوات كحد ادنى, وعلينا ان نبدأ اليوم بمنهاج اقتصادي جذري.

omarkallab@yahoo.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/24 الساعة 00:43