بايدن في جدة: قمة تعريف المصالح
اختتم الرئيس الأميركي جو بايدن زيارته الأولى للمنطقة كرئيس بحضور قمة جدة للأمن والتنمية؛ الزيارة التي افتتحها بزيارة الحليف الأساسي دولة الاحتلال الإسرائيلي وتوجت بإعلان القدس الذي يكرس مرة أخرى الدعم المطلق لها ويعيد التأكيد على الموقف الأميركي الذي وأن اختلف في الإخراج والشكل ما بين الديمقراطيين والجمهوريين الا أنه يتطابق في المضمون.
الزيارة اشتملت على لقاء بروتوكولي مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في بيت لحم أعيد فيه تكرار موقف الإدارات الديمقراطية المتتالية من الإيمان بحل الدولتين الذي لم تنضج ظروفه بعد مع تبرعات أخذت بعداً إنسانياً في مجال دعم المستشفيات.
ربما يكون من المبكر قراءة نتائج الزيارة التي يراهن عليها الرئيس بايدن داخليا وهو على أبواب انتخابات المنتصف في الخريف المقبل وتؤسس لمرحلة الاستحقاق الرئاسي بعد عامين ولكن يبدو أنه أراد أن يبدأ في تحركاته من منطقتنا لعل التحول المنشود يحدث مستقبلا بإعادة الحضور الأميركي الفاعل.
من الواضح أن كل التصريحات الأميركية قبيل زيارة الرئيس بايدن واثناءها وبعدها لم يغادر النظرة الأميركية للمنطقة وأن مبررات ودواعي الزيارة هي أن الولايات المتحدة الأميركية تستشعر خطورة مغادرة هذه المنطقة الغنية وصاحبة الموقع الاستراتيجي وتركها ساحة للنفوذ الصيني المنافس الاقتصادي والخطر الروسي الذي يحاول كسر الأحادية القطبية؛ مسقطا من حساباته أن لهذه المنطقة أهلها وحساباتها ومصالحها، التي وأن كانت صالحة وملائمة اثناء تفرد الولايات المتحدة في العقود الثلاثة الأخيرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واحادية القطب فليس بالضرورة أن تكون ملائمة الآن.
الدول التي حضرت القمة وهي بالمعنى التاريخي حليفة ولديها شركات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية؛ ولكنها تملك تعريفا واضحا ودقيقا لمصالحها وعلاقاتها الدولية والتي لن تكون محكومة بالضرورة بهواجس القلق الأميركية من النفوذين الصيني والروسي فهذه اولاً واخيراً مشكلة أميركية.
وقد تقبل دول المنطقة الفاعلة والمؤثرة أن يستمر التنسيق السياسي والأمني مع واشنطن في مواجهة مخاطر تستهدف امنها القومي من القوى الإقليمية التي تحاول أن تفرض شروطها سواء بامتلاك النووي كإيران أو بمحاولة التمدد الجغرافي والانخراط في سورية والعراق كتركيا ولكن هذا لا يمكن أن يعزز أي تعاون استراتيجي في ظل استمرار كارثة الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الأميركي وهي جوهر مشاكل وتعقيدات المنطقة وليس من السهولة لواشنطن أن تجد حلفاء في المنطقة على حساب مصالحهم الاستراتيجية.
لو ذهبنا للغة المصالح الاقتصادية التي كانت حاضرة بالزيارة وأن تم نفيها أميركياً؛ بلغة الأرقام نجد أن التبادل التجاري بين الصين مثلا ودول الخليج مجتمعة وصلت في نهاية العام 2020 الى ما يقارب 161 مليار دولار ولصالح دول الخليج العربي؛ إذ توزعت بين صادرات بما يقارب 91 مليار دولار وواردات بواقع 70 مليار دولار وهي لصالح دول الخليج، وبالمقارنة مع التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية التي حلت في المركز الرابع كاهم شريك تجاري؛ إذ بلغ التبادل التجاري في نفس العام 2020، 75 مليار دولار، 24 مليارا صادرات و51 مليارا وارادت ولصالح الولايات المتحدة الأميركية؛ وهذا يعني بالضرورة أن مغادرة الصين المنطقة كشريك تجاري مثلا لا يمكن أن يخدم دول الخليج العربي ولن يعوضه زيادة النفوذ الأميركي.
في القمة كان هناك لغة واضحة تعرف المصالح العربي وعناوين الاستهداف للأمن القومي وبنفس الوقت التأكيد على أن الشراكات الاستراتيجية إذا لم تكن متبادلة وعلى قاعدة التوازن ستفشل وأنه لم يعد هناك مواقف مجانية وشيك على بياض، وإذا كانت الإدارة الأميركية حريصة على البقاء في المنطقة كصديق مهم ومميز لتعم التنمية والازدهار ويسود بدلاً من الفوضى والحرب والإرهاب، فإن المبتدأ والخبر انجاز تسوية للقضية الفلسطينية وهو الكلام الصريح المباشر الذي عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني وتطرق له القادة في القمة واجمعوا عليها كأولوية.