استخدموا الجثث “علامات” إرشادية للطريق!
مدار الساعة -يحمل جبل إيفرست لقبه الشهير "أطول جبل في العالم"، لكن له عنوان آخر أقل شهرة وأكثر سوداوية وهو "أكبر مقبرة في الهواء الطلق في العالم".
بحسب بعض الإحصائيات، أودى جبل إيفرست بحياة أكثر من 300 متسلق، أغلبهم في المنطقة المسماة "منطقة الموت"، والتي يزيد ارتفاعها على 7 آلاف متر، حيث يُعد تنفس الأوكسجين النقي من العبوات ضروريًا للجميع.
لأن مستويات الأوكسجين هناك تكون متدنية جداً، ويؤدي اختلاف الضغط الجوي إلى الشعور بالوزن أثقل بكثير، والجمع بين الاثنين يجعل المتسلقين يشعرون بالخمول والارتباك والإرهاق، لهذا السبب، لا يبقى المتسلقون عادةً أكثر من 48 ساعة في هذه المنطقة؛ لأن من يبقى هناك يمكن أن يبقى للابد.
فالأشخاص الذين لم يحالفهم الحظ يُتركون في مكانهم حيث يسقطون، والبروتوكول المتبع هو ترك الموتى حيث ماتوا، وهكذا تظل تلك الجثث تقضي الأبدية على قمة الجبل، وهي بمثابة تحذير للمتسلقين من خطورة هذا الجبل، وكعلامات مروعة على الطريق.
"الجزمة الخضراء" أشهر جثث جبل إيفرست
أصبحت الجثة المسماة "الجزمة الخضراء" علامة معروفة بين المتسلقين لقياس المسافة إلى القمة
المتسلقون الذين يسلكون الطريق إلى قمة إيفرست، ينتهي بهم الأمر حتمًا بالمرور بأكثر معالم الجبل شهرة، "الجزمة الخضراء".
بينما كانت هويته مجهولة لفترة طويلة، يُعتقد مؤخراً على نطاق واسع أنه متسلق هندي، كان جزءاً من رحلة استكشافية إلى قمة إيفرست عام 1996، والتي لم ينج منها غير شخص واحد فقط، فبعد الوصول إلى القمة، واجه الفريق عاصفة ثلجية مروعة في رحلة العودة للأسفل. مع انعدام الرؤية بسبب الرياح والثلوج ، فقد أعضاء الفريق في الجبل.
وعلى مدى العقدين الماضيين، استخدم المتسلقون "الجزمة الخضراء"، كعلامة طريق مروعة لقياس المسافة في سباقهم الخاص إلى القمة، في عام 2014، تم نقل "الجزمة الخضراء" أخيرًا إلى موقع آخر على جانب الجبل، حيث انضم إلى جثث متسلقين آخرين، والذين تم إبعادهم عن الطريق الرئيسي.
جثة تحل لغز اختفاء متسلق قبل 75 عاماً
كان جورج مالوري أحد أشهر المتسلقين الخبراء في أوائل القرن العشرين، وكان جزءًا من الرحلات الاستكشافية البريطانية الثلاث الأولى إلى قمة إيفرست، وأصبح لديه لقب آخر اليوم وهو "أقدم جثة معروفة على جبل إيفرست".
خلال محاولته الثالثة في عام 1924، قام مالوري وزميلته ساندي إيرفين بالتسلق نحو القمة، ولكن لم تتم مشاهدتهما مرةً أخرى، لم يكن سبب وفاتهم لغزًا فحسب، ولكن لأكثر من نصف قرن، لم يكن أحد متأكدًا مما إذا كان مالوري قد وصل بالفعل إلى القمة أم لا.
في عام 1999، عثر فريق بعثة استكشافية على بقايا جثة مالوري المحنطة داخل الثلج على الجانب الشمالي للجبل، وعلى رأسه آثار إصابة بالغة وتهشم الجمجمة، يُعتقد أنها بسبب سقوطه في الوادي، وجدوا أيضاً حول خصره حبل مقطوع، يُعتقد أنه كان مربوطاً بزميلته "إيرفين" وعندما سقط أحدهم جذب الآخر معه.
"ديفيد شارب" تُرِك يموت وحيداً بسبب الأنانية
كان ديفيد شارب يحاول الوصول إلى قمة إيفرست بمفرده، وهو عمل يحذر منه حتى المتسلقون الأكثر خبرة، توقف شارب للراحة في كهف قرب جثة "الجزمة الخضراء"، وعلى مدار عدة ساعات، تجمد حتى الموت، ولايزال جسده عالق في وضع الجلوس وهو يضع رأسه بين ركبتيه، على بعد أمتار فقط من أحد أشهر جثث جبل إيفرست.
وعلى عكس "الجزمة الخضراء"، الذي من المحتمل أنه لم يلاحظه أحد أثناء وفاته، مر ما لا يقل عن 40 شخصاً بالقرب من شارب وهو يحتضر في ذلك اليوم، لم يتوقف أي منهم للمساعدة.
ما عدا فرقة من المرشدين المحليين الذين يساعدون المتسلقين، حاولوا مساعدة شارب ولكن كان قد فات الآوان.
أثار موت شارب جدلاً أخلاقياً حول ثقافة متسلقي جبل إيفرست، على الرغم من أن شارب مر به بالعديد من الأشخاص بينما كان يُحتضر، وتزعم روايات شهود العيان أنه كان على قيد الحياة بشكل واضح وفي محنة، لم يقم أحد بمساعدته.
انتقد السير إدموند هيلاري، أول رجل وصل إلى الجبل على الإطلاق، المتسلقين الذين مروا بشارب ولم يساعدوه، وعزا ذلك إلى الرغبة المحمومة للوصول إلى القمة.
وقال: "أعتقد أن الموقف برمته تجاه تسلق جبل إيفرست أصبح مرعباً إلى حد ما". "الناس يريدون فقط الوصول إلى القمة، إنهم لا يأبهون لأي شخص آخر قد يكون في محنة، ولا يثير إعجابي على الإطلاق أنهم تركوا شخصًا يرقد تحت صخرة ليموت ".
لماذا لا يتم إزالة الجثث من جبل إيفرست أو دفنها؟
الجواب ببساطة أنه صعب للغاية، حتى متسلق الجبال الأكثر لياقة والأكثر خبرة مع الدعم الأكبر وأفضل المعدات، لا يضمن وصول القمة وحده أو حتى العودة سالماً إذا فشل، فما بالك بالتسلق نزولاً مع جسد ميت؟!
عدا أن الأمر يتطلب التنسيق من فريق من المتسلقين المحترفين، وفي ظل ظروف جوية جيدة جدًا، وهو أمر نادر الحدوث في تلك المنطقة من إيفرست، أضف إلى ذلك تكلفة تلك العملية التي قد تتراوح ما بين 40 إلى 80 ألف دولار.
وفي بعض الأحيان بسبب مكان الجثة، قد يكون من المستحيل تقريباً استعادتها أو قد يستغرق وقتاً طويلاً لإخراجها من تحت الجليد والثلج المضغوط.
وبعض الجثث قد سقطت من فوق الحواف أو في وديان صخرية أو ضفاف ثلجية وتوجد في مناطق لم يتم الوصول إليها أو السير عليها من قبل، لذا من الصعب الوصول إليها.
ورغم بعض المحاولات لاستعادة الجثث من إيفرست، حيث قام أقارب المتوفى أو الحكومات بتمويل العمل، يقدر أن أكثر من ثلثي من مات على جبل إيفرست لا يزالون هناك.
لذا بدلاً من إعادة الجثث إلى أسفل، من الشائع إما تحريكها بعيداً عن الأنظار أو دفعها على جانب الجبل، كما أن بعض المتسلقين تحديداً أرادوا ترك جثثهم على الجبل إذا ماتوا، ومنعت عائلات بعض المتسلقين بعض محاولات انتشال الجثث من إيفرست لنفس السبب.
وهناك عدد غير قليل من الجثث في أماكن مختلفة على طول إيفرست، كان البعض هناك منذ سنوات، والبعض الآخر يظهر فقط بعد تغير الطقس وتحركات الرواسب الثلجية.
في السنوات القليلة الماضية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، بدأت تظهر العديد من الجثث القديمة التي فقدت لسنوات، بشكل رئيسي في منطقة منحدر خومبو الجليدي.
ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للرعب هو الجثث المنتشرة حول المنطقة المسماة "المعسكر 4" وما فوقها بقليل، حيث سيستريح معظم المتسلقين المحتملين قبل انطلاقهم إلى القمة.