ماذا يحدث في ولاية النيل الأزرق السودانية؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/18 الساعة 15:43
مدار الساعة -تشهد ولاية النيل الأزرق جنوب السودان مواجهات دامية أوقعت عشرات القتلى ومئات المصابين، وبينما حمل متظاهرون المسؤولية للقيادة العسكرية بزعامة عبد الفتاح البرهان بسبب الانقلاب، لا يبدو أن الاشتباكات قد تنتهي قريبا، فما القصة؟
الاشتباكات اندلعت الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم السبت 9 يوليو/تموز في اليوم الأول لعيد الأضحى، وظلت مستمرة حتى مساء الأحد 17 يوليو/تموز، عندما فرضت السلطات المحلية في النيل الأزرق حظراً للتجول في بلدتين تابعتين للولاية، فمن أطراف الاشتباكات؟ ولماذا اندلعت؟ وهل انتهت المواجهات بفرض حظر التجول أم لا؟
حظر التجول في بعض مناطق النيل الأزرق
كانت السلطات السودانية قد أعلنت، السبت 15 يوليو/تموز، حظر التجول ليلاً في بلدتين بولاية النيل الأزرق جنوب شرق البلاد بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، وقال بيان صادر عن حكومة الولاية إن اشتباكات قبلية امتدت إلى عدة بلدات من يوم الأربعاء بعد مقتل مزارع قبل أن تقوم قوات الأمن باعتقالات والسيطرة على الوضع.
وأضاف البيان أن عدد المصابين بلغ 39 في حين تم تدمير 16 متجراً وإعلان حظر تجول ليلي في مدينتي الدمازين والروصيرص. لكن ثلاثة من السكان أبلغوا رويترز بأن الاشتباكات ظلت مستمرة السبت في عدة مواقع دون أن يتم نشر قوات الأمن في الولاية.
ومساء السبت، أعلنت السلطات الصحية بالسودان ارتفاع حصيلة الاشتباكات القبلية في النيل الأزرق إلى 33 قتيلاً و108 مصابين. وذكر بيان نشرته وزارة الصحة عبر حسابها في فيسبوك، أن التقارير الواردة من ولاية النيل الأزرق تفيد بأن إجمالي الوفيات بلغ 33 حالة و108 إصابات بينها 5 تم تحويلها إلى خارج الولاية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول. لكن تقريراً لموقع قناة الحرة الأمريكية وضع عدد القتلى عند أكثر من 60 شخصاً.
وفي وقت سابق السبت، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية وصول مصابين إلى مستشفيات ولاية النيل الأزرق جراء تجدد الاشتباكات القبلية في الولاية. وأضافت اللجنة الطبية غير الحكومية في بيان اطلعت عليه الأناضول: "استقبلت مستشفيات الدمازين والروصيرص السبت عدداً من المصابين (غير محدد) وسط انعدام في المعينات الأساسية والأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ".
ما أطراف الاشتباكات في النيل الأزرق؟
بدأ التوتر في مناطق قيسان والرصيرص وود الماحي بين قبيلة الهوسا ومجموعة من القبائل بعد مقتل مزارع في منطقة اداسي التابعة لمحلية قيسان، في اليوم الأول لعيد الأضحى، بحسب تقرير موقع الحرة.
ثم انتقل النزاع القبلي من أداسي إلى قنيص، التي قُتل فيها 13 تاجراً وأحرقت متاجر في السوق، كما انتقلت الاشتباكات إلى مناطق بكوري وأم درفا بولاية النيل الأزرق.
وبحسب ما قاله مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، لموقع "الحرة" تجري الاشتباكات بين طرفين، قبيلتي البرتا والفونج كطرف وقبيلتي الهوسا والفلاتة كطرف آخر.
وعلى الرغم من أن الاشتباكات بين المزارعين والرعاة في فترات الخريف وموسم الأمطار تكون مدفوعة بالأساس بقضايا الزراعة والرعي، إلا أن الرشيد إبراهيم يرى أن الوضع السياسي العام في السودان له دور جوهري في اتساع نطاق الاشتباكات واستمرارها وسقوط هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا.
ويلقي إبراهيم باللوم على "حالة الانقسام في المشهد السياسي السوداني، والتي أدت إلى ضعف قبضة الحكومة على مفاصل الدولة، وأصبحت تتسم بقدر كبير من الهشاشة والسيولة، وهذا يغري بعض الجماعات المتفلتة باستغلال الوضع وتنفيذ ما ترى أنه القانون، بيدها".
آثار الاشتباكات في ولاية النيل الأزرق
وفي السياق نفسه، كانت قوات الأمن قد أطلقت الغاز المسيل للدموع على مسيرة لمحتجين سودانيين في العاصمة الخرطوم، الأحد، ضد القيادة العسكرية للبلاد والتي حملوها مسؤولية اندلاع أعمال العنف في ولاية النيل الأزرق.
وقال مسؤولون سودانيون وأمميون لرويترز إن الاشتباكات القبلية بين قبيلتي الهوسا والفونج في الولاية الجنوبية الشرقية الواقعة بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، أوقعت نحو 30 قتيلاً و100 مصاب. والأحد قالت السلطات المركزية في الخرطوم إنها ستعزز الوجود الأمني في الولاية وستحقق في الاشتباكات.
ماذا تقول الأطراف المتصارعة؟
ربما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن ما يحدث في النيل الأزرق يشبه الوضع في إقليم دارفور، لكن الحال مختلف؛ لأن الاشتباكات التي تتجدد من حين لآخر في دارفور تقع بين قبائل عربية وأخرى إفريقية، "لكن كل القبائل التي تسكن ولاية النيل الأزرق أصلها إفريقي"، بحسب ما قاله إبراهيم لموقع الحرة.
ويوضح إبراهيم أنه "في الفترة الانتقالية ظهرت فرص سياسية جديدة وأصبحت القبيلة كحاضنة اجتماعية ووحدة مهمة جداً في إطار التنافس حول المواقع السياسية، مثل الإدارة الأهلية، وتعيين بعض الأمراء القبليين من قبيلتي الهوسا والفلاتة في منطقة هي تاريخياً محسوبة على قبائل البرتا، مما يثير حفيظة القبائل".
وقال قيادي من قبائل الهوسا للحرة "طالبنا بأن تكون لنا إدارة أهلية، ورفضت (قبائل) البرتا ذلك وتحرشوا بنا". في المقابل، رد قيادي من البرتا أن "الإدارة الأهلية تعطى لصاحب الأرض وهذه أرضنا (..) كيف إذن نعطي الإدارة للهوسا".
تعتبر قبائل البرتا نفسها سكاناً أصليين بينما يعتبرون الفلاتة والهوسا قبائل وافدة، حيث نزحت هاتان القبيلتان من نيجيريا وغرب إفريقيا وسكنتا المنطقة منذ نحو مئتين إلى 300 عام، بحسب إبراهيم، الذي يضيف أنه "في الأعوام الأخيرة، أصبحت الفرص السياسية واحدة من محفزات الصراع".
والإدارة الأهلية نظام قبلي معترف به بقانون الإدارة الأهلية، وبموجبه تتولى هذه الإدارة التي تتضمن العمدة والناظر والشيوخ، شؤون القبيلة، "وعندما يتم تشكيل إدارة أهلية خاصة بقبيلة الهوسا، يعطيها ذلك مزيداً من النفوذ داخل الولاية مستقبلا، ولذلك ترفض قبيلة البرتا تشكيل الهوسا إدارة أهلية خاصة بها".
ومنذ توقيع اتفاق جوبا للسلام عام 2020، خرجت أطراف رافضة له مطالبة بإلغائه أو إدخال تعديلات عليه، وحدث ذلك في شرق السودان عندما أغلق المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة أنابيب النفط والمرافق الحيوية الأخرى في شرق البلاد أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك قبل انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 بأقل من شهر.
ويرى الرشيد إبراهيم أن "هناك فراغاً واضحاً جداً؛ لأنه لو كانت هناك قوات وحضور أمني وتدخل مباشر، لم نكن سنرى كل هذه الخسائر ولا عدد القتلى الذي بلغ أكثر من 60 شخصاً حتى الآن، وهو رقم مرشح للزيادة، في ظل عدم استقرار الوضع نهائياً حتى الآن، وربما يتجدد في أي لحظة".
واعتبر إبراهيم أن الفصيل الذي تولى السيطرة على المنطقة، بقيادة مالك عقار، "ليس بعيداً عن التقصير باعتبار أن الحركة الشعبية قطاع الشمال هي مسؤولة عن المنطقة حالياً".
وأوضح أن مالك عقار عضو في المجلس السيادي، وهو أحد أطراف اتفاق السلام الذي تم توقيعه في جوبا في 2020، وأعطي بموجبه حكم ذاتي لولاية النيل الأزرق موقع الصراع الحالي، "وبالتالي هو جزء من الأزمة، لأنه لم يقم بواجبه كما ينبغي، لأن الوالي الحالي ينتمي للحركة الشعبية قطاع الشمال، لكن يبدو أن هناك ضعفاً في الحركة".
"بعد أن كانت الحركة ترفع قضايا التهميش والمظالم لولاية النيل الأزرق وقادت التمرد ضد الحكومة طيلة السنوات السابقة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، فإنها عندما تولت زمام الأمور، لم تفعل ما يخفف هذه النزاعات وما يؤدي إلى إمكانية التعايش السلمي".
علاقة الوضع السياسي في السودان بالاشتباكات
كانت أعمال عنف متفرقة قد اندلعت في عدة أنحاء من السودان، بما في ذلك المناطق الساحلية الشرقية وغرب دارفور، على الرغم من اتفاق السلام على مستوى البلاد الذي وقعته بعض الجماعات المتمردة في جوبا.
ويتهم التيار المدني، والذي يشن حملة احتجاجات مستمرة منذ الانقلاب في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الجيش بإذكاء الصراع الداخلي وعدم حماية المدنيين. وقال محمد إدريس (43 عاماً)، وهو أحد المحتجين في الخرطوم، لرويترز إن استمرار الانقلاب يعني المزيد من القتلى كما حدث في النيل الأزرق ودارفور وأماكن أخرى.
بينما يقول القادة العسكريون إن سيطرتهم على السلطة كان ضرورياً للحفاظ على استقرار السودان وسط التناحر السياسي، وإنهم يعملون على البناء على اتفاق السلام في دارفور ومناطق أخرى.
وكان النزاع الأهلي تجدد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في 2011، وتضرر بسببه نحو مليون شخص بعد تاريخ طويل من القتال بين 1983 و2005.
ويشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية، ويخرج للتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة، ومدن أخرى، للمطالبة بعودة الحكم المدني. ووضع المتظاهرون، الأحد، في مقدمّة شعاراتهم ولاية النيل الأزرق.
وفي كسلا شرق البلاد، أغلق عشرات من قبيلة الهوسا المدخل الغربي للمدينة وقاموا بوضع الحجارة وحرق إطارات السيارات القديمة تضامناً مع مواطنيهم في النيل الأزرق.
ومساء الأحد، أصدرت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق، عبد الفتاح البرهان، بيانا بشأن الأحداث بإقليم النيل الأزرق، التي وصفتها بـ"المؤسفة" والتي "راح ضحيتها نفر كريم من المواطنين وتضررت جراءها بعض الممتلكات الخاصة والعامة".
وقررت اللجنة التأمين على الإجراءات التي اتخذتها لجنة أمن الإقليم لمنع تفاقم الصراع بين مكونات المنطقة، وتوجيه النائب العام بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق تمهيداً للمحاسبة، مطالبة السلطات المحلية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مثيري الفتنة، والمحرضين على أعمال العنف، وتعزيز القوات الأمنية الموجودة بالمنطقة، والاستمرار في التعامل الحازم والفوري مع كل حالات التفلت والاعتداءات على الأفراد والممتلكات الخاصة والعامة".
لكن مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، يرى أن مجلس الأمن والدفاع "يسير في اتجاه وقف الاشتباكات الحالية"، متوقعاً أن تفصل التدابير الأمنية بين القبائل المتخاصمة، لكنها لا تمنع تجددها في المستقبل. ويصف إبراهيم هذه الخطوات بأنها "أولية"، مضيفاً أن الإجراءات العسكرية والأمنية لن تحل الأزمة.
الاشتباكات اندلعت الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم السبت 9 يوليو/تموز في اليوم الأول لعيد الأضحى، وظلت مستمرة حتى مساء الأحد 17 يوليو/تموز، عندما فرضت السلطات المحلية في النيل الأزرق حظراً للتجول في بلدتين تابعتين للولاية، فمن أطراف الاشتباكات؟ ولماذا اندلعت؟ وهل انتهت المواجهات بفرض حظر التجول أم لا؟
حظر التجول في بعض مناطق النيل الأزرق
كانت السلطات السودانية قد أعلنت، السبت 15 يوليو/تموز، حظر التجول ليلاً في بلدتين بولاية النيل الأزرق جنوب شرق البلاد بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، وقال بيان صادر عن حكومة الولاية إن اشتباكات قبلية امتدت إلى عدة بلدات من يوم الأربعاء بعد مقتل مزارع قبل أن تقوم قوات الأمن باعتقالات والسيطرة على الوضع.
وأضاف البيان أن عدد المصابين بلغ 39 في حين تم تدمير 16 متجراً وإعلان حظر تجول ليلي في مدينتي الدمازين والروصيرص. لكن ثلاثة من السكان أبلغوا رويترز بأن الاشتباكات ظلت مستمرة السبت في عدة مواقع دون أن يتم نشر قوات الأمن في الولاية.
ومساء السبت، أعلنت السلطات الصحية بالسودان ارتفاع حصيلة الاشتباكات القبلية في النيل الأزرق إلى 33 قتيلاً و108 مصابين. وذكر بيان نشرته وزارة الصحة عبر حسابها في فيسبوك، أن التقارير الواردة من ولاية النيل الأزرق تفيد بأن إجمالي الوفيات بلغ 33 حالة و108 إصابات بينها 5 تم تحويلها إلى خارج الولاية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول. لكن تقريراً لموقع قناة الحرة الأمريكية وضع عدد القتلى عند أكثر من 60 شخصاً.
وفي وقت سابق السبت، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية وصول مصابين إلى مستشفيات ولاية النيل الأزرق جراء تجدد الاشتباكات القبلية في الولاية. وأضافت اللجنة الطبية غير الحكومية في بيان اطلعت عليه الأناضول: "استقبلت مستشفيات الدمازين والروصيرص السبت عدداً من المصابين (غير محدد) وسط انعدام في المعينات الأساسية والأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ".
ما أطراف الاشتباكات في النيل الأزرق؟
بدأ التوتر في مناطق قيسان والرصيرص وود الماحي بين قبيلة الهوسا ومجموعة من القبائل بعد مقتل مزارع في منطقة اداسي التابعة لمحلية قيسان، في اليوم الأول لعيد الأضحى، بحسب تقرير موقع الحرة.
ثم انتقل النزاع القبلي من أداسي إلى قنيص، التي قُتل فيها 13 تاجراً وأحرقت متاجر في السوق، كما انتقلت الاشتباكات إلى مناطق بكوري وأم درفا بولاية النيل الأزرق.
وبحسب ما قاله مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، لموقع "الحرة" تجري الاشتباكات بين طرفين، قبيلتي البرتا والفونج كطرف وقبيلتي الهوسا والفلاتة كطرف آخر.
وعلى الرغم من أن الاشتباكات بين المزارعين والرعاة في فترات الخريف وموسم الأمطار تكون مدفوعة بالأساس بقضايا الزراعة والرعي، إلا أن الرشيد إبراهيم يرى أن الوضع السياسي العام في السودان له دور جوهري في اتساع نطاق الاشتباكات واستمرارها وسقوط هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا.
ويلقي إبراهيم باللوم على "حالة الانقسام في المشهد السياسي السوداني، والتي أدت إلى ضعف قبضة الحكومة على مفاصل الدولة، وأصبحت تتسم بقدر كبير من الهشاشة والسيولة، وهذا يغري بعض الجماعات المتفلتة باستغلال الوضع وتنفيذ ما ترى أنه القانون، بيدها".
آثار الاشتباكات في ولاية النيل الأزرق
وفي السياق نفسه، كانت قوات الأمن قد أطلقت الغاز المسيل للدموع على مسيرة لمحتجين سودانيين في العاصمة الخرطوم، الأحد، ضد القيادة العسكرية للبلاد والتي حملوها مسؤولية اندلاع أعمال العنف في ولاية النيل الأزرق.
وقال مسؤولون سودانيون وأمميون لرويترز إن الاشتباكات القبلية بين قبيلتي الهوسا والفونج في الولاية الجنوبية الشرقية الواقعة بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، أوقعت نحو 30 قتيلاً و100 مصاب. والأحد قالت السلطات المركزية في الخرطوم إنها ستعزز الوجود الأمني في الولاية وستحقق في الاشتباكات.
ماذا تقول الأطراف المتصارعة؟
ربما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن ما يحدث في النيل الأزرق يشبه الوضع في إقليم دارفور، لكن الحال مختلف؛ لأن الاشتباكات التي تتجدد من حين لآخر في دارفور تقع بين قبائل عربية وأخرى إفريقية، "لكن كل القبائل التي تسكن ولاية النيل الأزرق أصلها إفريقي"، بحسب ما قاله إبراهيم لموقع الحرة.
ويوضح إبراهيم أنه "في الفترة الانتقالية ظهرت فرص سياسية جديدة وأصبحت القبيلة كحاضنة اجتماعية ووحدة مهمة جداً في إطار التنافس حول المواقع السياسية، مثل الإدارة الأهلية، وتعيين بعض الأمراء القبليين من قبيلتي الهوسا والفلاتة في منطقة هي تاريخياً محسوبة على قبائل البرتا، مما يثير حفيظة القبائل".
وقال قيادي من قبائل الهوسا للحرة "طالبنا بأن تكون لنا إدارة أهلية، ورفضت (قبائل) البرتا ذلك وتحرشوا بنا". في المقابل، رد قيادي من البرتا أن "الإدارة الأهلية تعطى لصاحب الأرض وهذه أرضنا (..) كيف إذن نعطي الإدارة للهوسا".
تعتبر قبائل البرتا نفسها سكاناً أصليين بينما يعتبرون الفلاتة والهوسا قبائل وافدة، حيث نزحت هاتان القبيلتان من نيجيريا وغرب إفريقيا وسكنتا المنطقة منذ نحو مئتين إلى 300 عام، بحسب إبراهيم، الذي يضيف أنه "في الأعوام الأخيرة، أصبحت الفرص السياسية واحدة من محفزات الصراع".
والإدارة الأهلية نظام قبلي معترف به بقانون الإدارة الأهلية، وبموجبه تتولى هذه الإدارة التي تتضمن العمدة والناظر والشيوخ، شؤون القبيلة، "وعندما يتم تشكيل إدارة أهلية خاصة بقبيلة الهوسا، يعطيها ذلك مزيداً من النفوذ داخل الولاية مستقبلا، ولذلك ترفض قبيلة البرتا تشكيل الهوسا إدارة أهلية خاصة بها".
ومنذ توقيع اتفاق جوبا للسلام عام 2020، خرجت أطراف رافضة له مطالبة بإلغائه أو إدخال تعديلات عليه، وحدث ذلك في شرق السودان عندما أغلق المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة أنابيب النفط والمرافق الحيوية الأخرى في شرق البلاد أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك قبل انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 بأقل من شهر.
ويرى الرشيد إبراهيم أن "هناك فراغاً واضحاً جداً؛ لأنه لو كانت هناك قوات وحضور أمني وتدخل مباشر، لم نكن سنرى كل هذه الخسائر ولا عدد القتلى الذي بلغ أكثر من 60 شخصاً حتى الآن، وهو رقم مرشح للزيادة، في ظل عدم استقرار الوضع نهائياً حتى الآن، وربما يتجدد في أي لحظة".
واعتبر إبراهيم أن الفصيل الذي تولى السيطرة على المنطقة، بقيادة مالك عقار، "ليس بعيداً عن التقصير باعتبار أن الحركة الشعبية قطاع الشمال هي مسؤولة عن المنطقة حالياً".
وأوضح أن مالك عقار عضو في المجلس السيادي، وهو أحد أطراف اتفاق السلام الذي تم توقيعه في جوبا في 2020، وأعطي بموجبه حكم ذاتي لولاية النيل الأزرق موقع الصراع الحالي، "وبالتالي هو جزء من الأزمة، لأنه لم يقم بواجبه كما ينبغي، لأن الوالي الحالي ينتمي للحركة الشعبية قطاع الشمال، لكن يبدو أن هناك ضعفاً في الحركة".
"بعد أن كانت الحركة ترفع قضايا التهميش والمظالم لولاية النيل الأزرق وقادت التمرد ضد الحكومة طيلة السنوات السابقة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، فإنها عندما تولت زمام الأمور، لم تفعل ما يخفف هذه النزاعات وما يؤدي إلى إمكانية التعايش السلمي".
علاقة الوضع السياسي في السودان بالاشتباكات
كانت أعمال عنف متفرقة قد اندلعت في عدة أنحاء من السودان، بما في ذلك المناطق الساحلية الشرقية وغرب دارفور، على الرغم من اتفاق السلام على مستوى البلاد الذي وقعته بعض الجماعات المتمردة في جوبا.
ويتهم التيار المدني، والذي يشن حملة احتجاجات مستمرة منذ الانقلاب في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الجيش بإذكاء الصراع الداخلي وعدم حماية المدنيين. وقال محمد إدريس (43 عاماً)، وهو أحد المحتجين في الخرطوم، لرويترز إن استمرار الانقلاب يعني المزيد من القتلى كما حدث في النيل الأزرق ودارفور وأماكن أخرى.
بينما يقول القادة العسكريون إن سيطرتهم على السلطة كان ضرورياً للحفاظ على استقرار السودان وسط التناحر السياسي، وإنهم يعملون على البناء على اتفاق السلام في دارفور ومناطق أخرى.
وكان النزاع الأهلي تجدد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في 2011، وتضرر بسببه نحو مليون شخص بعد تاريخ طويل من القتال بين 1983 و2005.
ويشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية، ويخرج للتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة، ومدن أخرى، للمطالبة بعودة الحكم المدني. ووضع المتظاهرون، الأحد، في مقدمّة شعاراتهم ولاية النيل الأزرق.
وفي كسلا شرق البلاد، أغلق عشرات من قبيلة الهوسا المدخل الغربي للمدينة وقاموا بوضع الحجارة وحرق إطارات السيارات القديمة تضامناً مع مواطنيهم في النيل الأزرق.
ومساء الأحد، أصدرت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق، عبد الفتاح البرهان، بيانا بشأن الأحداث بإقليم النيل الأزرق، التي وصفتها بـ"المؤسفة" والتي "راح ضحيتها نفر كريم من المواطنين وتضررت جراءها بعض الممتلكات الخاصة والعامة".
وقررت اللجنة التأمين على الإجراءات التي اتخذتها لجنة أمن الإقليم لمنع تفاقم الصراع بين مكونات المنطقة، وتوجيه النائب العام بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق تمهيداً للمحاسبة، مطالبة السلطات المحلية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مثيري الفتنة، والمحرضين على أعمال العنف، وتعزيز القوات الأمنية الموجودة بالمنطقة، والاستمرار في التعامل الحازم والفوري مع كل حالات التفلت والاعتداءات على الأفراد والممتلكات الخاصة والعامة".
لكن مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، يرى أن مجلس الأمن والدفاع "يسير في اتجاه وقف الاشتباكات الحالية"، متوقعاً أن تفصل التدابير الأمنية بين القبائل المتخاصمة، لكنها لا تمنع تجددها في المستقبل. ويصف إبراهيم هذه الخطوات بأنها "أولية"، مضيفاً أن الإجراءات العسكرية والأمنية لن تحل الأزمة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/18 الساعة 15:43