قمة طهران 'الثلاثية': هل 'تكّبح' غزوة اردوغان 'الخامِسة' للشمال السوري؟
تكتسب القمة الثلاثية «الوجاهية» التي تُعقد غداً في العاصمة الإيرانية/ طهران بمشاركة الرئيسين الروسي/بوتين والتركي/اردوغان أهمية إضافية. ليس فقط على مستوى علاقاتهم البينِية التي يصعب على أحد منهم إخفاء التباينات في القراءات والمواقف والتحالفات, مع عدم استبعاد التصادم, وإنما أيضاً في أن صيغة استانا التي تم التوافق عليها لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تبدو قد وصلت إلى نهايتها أو تكاد, بعد أن لم يلتزم الرئيس التركي بما كان تعهّد تنفيذه وبخاصّة في آذار/2020 حول إدلب, وإبعاد المجموعات الإرهابية الحليفة لتركيا و?خاصة هيئة تحرير الشام/النصرة سابقاً عن طريق إم/4, كذلك تنصّل اردوغان من مواصلة الدوريات المشتركة الروسية/التركية ما أسهم في تقوية شوكة المجموعات الإرهابية وبخاصّة تشكيل ما يُسمّى «الجيش الوطني» من بقايا التنظيمات السورية المُعارِضة, التي راهن عليها اردوغان في غزواته الأربع السابقة، فيما يستعد لغزوته الخامسة التي تستهدف بلدتي عفرين ومنبح لإقامة ما يصفه «المنطقة الأمنية» على طول الحدود السورية/التركية وبعمق 30/كم.
طهران كما موسكو تُعارضان بشدة غزوة كهذه, وتبذلان كل على حدة جهوداً سياسية/ودبلوماسية حثيثة, محمولة على تحركات عسكرية/ميدانية, إضافة الى ضغوط روسية على قوات سوريا الديمقراطية/قسد لفتح مناطقها أمام الجيش السوري لمواجهة الغزو التركي المُحتمل, وهو ما تم جزئياً, إلاّ أن قيادات قسد ما تزال تُراوغ وتُراهن على موقف أميركي يبدو أنه لن يكون في صالحها (كالعادة) بعد أن تم «ترطيب» العلاقات التركية/الأميركية على هامش قمة الناتو الأخيرة في العاصمة الإسبانية والإجتماع الذي عُقد بين أردوغان/وبايدن وإعلان الأخير «دعمه» صفقة?F16 التي طالبت بها أنقرة (تحتاج لموافقة الكونغرس).
يصعب القول أن حِلفاً «ثلاثياً» قد ينشأ عن هذه القمّة, نظراً للخلافات والإختلافات الجوهرية في سياسات وتوجّهات البلدان الثلاثة, وإن كانت علاقات موسكو بطهران آخذة في التطوّر وهي مُرشحة للإرتقاء إلى مستويات أعلى اقتصادياً/وتجارياً/وعسكرياً (بعيداً عمّا تُشيعه الإدارة الأميركية عن قرب تزويد طهران موسكو «مئات» من الطائرات المُسيّرة), ناهيك عن مشروعات استثمارية مُتعدّدة ومنها طرق بريّة «عبر إيران» باتجاه دول الخليج, وأنابيب غاز وشراكات نفطية, فضلاً عن تقارب وجهات نظرهما حيال المُخططات الأميركية ضد كل منهما.
تركيا/الأطلسية التي علاقاتها مع طهران مُتذبذبة حدود التعارُض والصِدام وإن بحذر, بخاصّة في شأن ما يجري في الشمال السوري, ناهيك عن «مُخلّفات» الحرب الأذرية/الأرمينية التي لعبت فيها تركيا دوراً حاسماً, وبروز مؤشرات على محاولات تركية لتحريض الإيرانيين الأذريين في محافظة أذربيجان الغربية/الإيرانية، إضافة لتنافسهما الواضح على الساحة الأفغانية تحت حكم حركة طالبان.
لا تبدو - تركيا - إزاء هذه الملفات قريبة من إمكانية الإنخراط في حلف أو أي شكل من أشكال التنسيق العميق/والجاد. رغم أن إيران باتت رسمياً عضواً من منظمة شنغهاي, وثمَّة شائعات عن قرب انضمام تركيا إلى هذه المنظمة, بديلاً عن سعيها للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي الذي يُغلق الباب أمامها منذ أزيد عن ثلاثة عقود. زد على ذلك ما شاب علاقات أنقرة بطهران مؤخّراً من توتر, جرّاء ما قيل عن قبض الأجهزة التركية على خلايا إيرانية خطّطت لإغتيال «إسرائيليين» على الأراضي التركية.
لافتة ومثيرة الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد مشاركة الرئيس بوتين في قمّة طهران, تارة لأنها تشكل «فرصة» للرئيس الروسي الذي يعاني «العُزلةS, باعتبار أنه «فَرَضَ» نفسه على هذه القمة, التي خُطِّط أن تكون «ثنائية» بين الرئيس الإيراني/رئيسي ونظيره التركي، وهو بذلك - بوتين - سيكون قد خرج من بلاده للمرة «الثانية» منذ اندلاع الحرب وفرض العقوبات الغربية, بعدما زار طاجيكستان نهاية حزيران/الماضي, ومنها إلى تركمانستان لحضور قمة الدول المُشاطئة لبحر قزوين.
في الخلاصة.. من السابق لأوانه التكهن بنجاح قمة كهذه رغم أن موضوعها الرئيسي سيكون الملف السوري, في ظل تبجّح تركيّ عن أن أنقرة «لا تحتاج إذناً من أحد... لا من روسيا ولا من طهران» للمضي قُدماً في مخططها غزو الشمال السوري, وإقامة منطقة أمنِيّة بعمق30 كيلو متراً, الأمر الذي قد يُفضي إلى مواجهة إيرانية - تركية وأخرى روسية - تركية, رغم كل مخاطر وأكلاف مواجهات كهذه, تعتقد موسكو وطهران أن اردوغان المتراجعة شعبيته والمأزومة بلاده إقتصادياً ومالياً/نقدياً ومديونية عالية, يريد استغلال الأزمة الأوكرانية لتحقيق مكاسب جي?سياسية وفرض أمر واقع جديد, عبر إعادة «مليون» لاجئ سوري إلى المنطقة التي يريد إحتلالها وليس إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم الأصلية.
kharroub@jpf.com.jo