كانت مملكة منفصلة إلى أن وطئها “الرجل الأبيض” فمات معظم سكانها
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/14 الساعة 14:56
مدار الساعة -تشتهر جزر هاواي كإحدى الوجهات السياحية الشهيرة لمحبي الشواطئ وركوب الأمواج، حيث يزورها الملايين من السياح سنوياً؛ للاستمتاع بمناظرها الطبيعية وشواطئها.. لكن قد لا يعرف كثيرون أنّ تلك الأرض البعيدة الكائنة وسط المحيط الهادئ، كانت قبل أقل من قرن ونصف القرن تُعرف بمملكة هاواي، إذ كانت مملكة مستقلة، لها قوانينها الخاصة، وتتعامل بكل سيادة مع القوى الاستعمارية الكبرى، وذلك قبل أن يطأها "الرجل الأبيض".
"هاواي" الآن هي واحدة من الولايات الأمريكية الخمسين، وتتشكل من أرخبيل بـ 137 جزيرة، وتقع بوسط شمال المحيط الهادي، على بُعد 3718 كيلومتراً غرب "بونتا غوردا"، أقرب نقطة من الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، ويتضمن الأرخبيل 8 جزر رئيسية، من بينها "أواهو"، التي تقع بها مدينة "هونولولو"، عاصمة "هاواي".
سكان هاواي الأصليون هم البولينزيون (شعب منطقة بولونيزيا بوسط المحيط الهادئ)، الذين سكنوها منذ مئات السنين، قبل أن يكتشفها الرحالة البريطاني الشهير القبطان كوك عام 1778، ويطلق عليها اسم "جزر ساندويتش"، تكريماً للأير ساندويتش، المستكشف البريطاني الأميرال جون مونتاغو.
مؤسِّس مملكة هاواي كاميهاميها الأول
كانت جزر هاواي منفصلة إلى أن تأسست مملكة هاواي عام 1810 على يد كاميهاميها الأول، الذي وحد الجزر في مملكة واحدة، سلمياً أو عسكرياً، بعدما استفاد من الأسلحة المتطورة التي جلبها الأوروبيين، وفقاً للنسخة الفرنسية من موقع National Geographic.
وبهدف ضمان استمرار "مملكة هواي" موحدة بعد وفاته، اتخذ كاميهاميها الأول، العديد من القرارات، فقام بتوحيد القوانين المسيرة للمجتمع في كل الجزر، و سنّ نظام الضرائب الجمركية لإنعاش التجارة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أقر قانوناً يمنع بموجبه السكان غير الأصليين لهاواي من امتلاك الأراضي. وقد حاول بتلك القوانين أيضاً ضمان استقلال هاواي، في وقت رضخت فيه الكثير من جزر المحيط الهادئ للقوى الاستعمارية الكبرى.
استمرت مملكة هاواي موحدة لسنوات بعد وفاته في مايو/آيار 1819، إذ خلفه على العرش ابنه الأكبر، كاميهاميها الثاني الذي حكم لمدة 5 سنوات فقط، قبل أن يموت خلال رحلة إلى العاصمة البريطانية لندن، ثم خلفه ابنه الأصغر كاميهاميها الثالث، الذي استمر ملكاً لمدة 30 عاماً.
واستمرت عائلة كاميهاميها في الحكم لسنوات، فجاء كاميهاميها الرابع ، ثم كاميهاميها الخامس الذي توفي عام 1872، دون أن يترك أي ولي للعهد بعده، وهنا قرر نبلاء المملكة انتخاب ملك جديد، وأصبح لوليانو أول ملك منتخب بهاواي عام 1883، لكنه توفي في العام التالي عن عمر 39 عاماً بعد إصابته بمرض السل.
وعلى غرار سلفه، لم يترك لوليانو أحداً ليخلفه في العرش، فلجأ كبار القوم مرة أخرى، لانتخاب ملك جديد، وهو دافيد كالاكاوا، الذي أمر بتعيين شقيقته ليليوكالاني، لتكون وليةً للعهد حتى يتفادى دخول مملكة هاواي في أزمة جديدة لاختيار حاكمها.
وخلال الفترة التي تلت وفاة كاميهاميها الأول حتى جلوس دافيد كالاكاو على العرش، عرفت هاواي تحولاً ديمغرافياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً، ساهم تدريجياً في سقوط المملكة والتمهيد لإلحاقها بالولايات المتحدة الأمريكية.
فبحسب الموقع المتخصص في التاريخ والجغرافيا، فإنّ الأمراض التي جلبها الأوروبيون إلى جزر هاواي، أدت إلى تناقص عدد سكان البلاد بنسبة 84% عما كان عليه قبل قدوم الرجل الأبيض.
قصب السكر استهوى الرجل الأبيض
بدأ قدوم الأوروبيون في عشرينيات القرن التاسع عشر، بعد زيارة قام بها المبشرون المسيحيون، والذين أبلغوا عن وجود ظروف مواتية بهاواي لزراعة قصب السكر، ما شجع رجال الأعمال والمستثمرين على شراء أراضٍ واسعة في البلاد.
ومع مرور الوقت ازداد عدد الأوروبيين والأمريكيين الذين يعيشون في جزر هاواي، وازداد حصولهم على الأراضي التي جعلوها مزارع كبيرة لقصب السكر، الأمر الذي كان يتطلب يداً عاملة كبيرة، فبدأ مُلاك المزارع في جلب عمال بعقود منخفضة الأجر من جميع أنحاء العالم، وخاصة من شرق آسيا.
تبعية مملكة هاواي الاقتصادية للولايات المتحدة
بحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، زادت المعاهدات من ربط التجارة في هاواي بالاقتصاد الأمريكي، وأهمها معاهدة 1875، التي تنص على حرية التجارة بين البلدين، أي دون رسوم ضريبية على السلع المستوردة والمصدرة بينهما، وذلك مقابل تنازل مملكة هاواي عن جزء من أراضيها لصالح الولايات المتحدة، على غرار "بير هربر" بجزيرة "أواهو".
كما عمل مُلاك المزارع الكبار الأثرياء بنشاط لتقويض سيادة حكم السكان الأصليين، إذ أجبروا الملك دافيد كالاكاوا على توقيع دستور تحت تهديد السلاح عام 1887، عُرف هذا الدستور باسم "دستور الحربة" ، وقد أفرغ النظام الملكي من السلطة الفعلية ومنح حق التصويت للسكان الأجانب، ولكن بشرط أن يكون مالك مزرعة، وأن يكون أجره مرتفعاً، لكن نسي هذا القانون حقوق السكان الأصليين والآسيويين، مثلما منح حقوقاً لأصحاب البشرة البيضاء، أي الإنجليز والأمريكيين الذين كانوا يقطنون البلاد.
انقلاب على الملكة ورفع العلم الأمريكي
عندما توفي الملك دافيد كالاكاوا في عام 1891 ، اعتلت شقيقته ليليوكالاني العرش في خضم أزمة اقتصادية ناجمة عن ضغط ضرائب الاستيراد والتصدير التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة، بعد إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين لعام 1875.
وقصد التخفيف من الأزمة الاقتصادية، واتخاذ قرارات جديدة، حاولت استبدال "دستور الحربة"، ووضع دستور جديد، تُعزز من خلاله سلطة الملك وتلغي حق التصويت للمستوطنين الأجانب.
ورداً على محاولتها في تغيير الدستور، اجتمع المحامي الأمريكي لوران ثورستون، (المولود بهونولولو)، مع مجموعة من الرجال المسلحين البيض ورعايا من هاواي ، أمام قصر الملكة ليليوكالاني للمطالبة بتنازلها عن العرش، مدعومين في عمليتهم من المبعوث الأمريكي إلى هاواي، جون ستيفنز، الذي قام دون إذن من حكومة بلده بوضع سفينة حربية أمريكية قبالة سواحل جزر هاواي، مهدِّداً بالغزو إذا قاومت الملكة، والتي ما كان لها سوى إعطاء الأوامر لحرسها الملكي بالاستسلام تفادياً لإراقة الدماء.
بعد هذا اليوم؛ 17 يناير/كانون الثاني عام 1893، أعلن قادة الإنقلاب إلغاء الملكية، وأقاموا الأحكام العرفية في البلاد ورفعوا العلم الأمريكي فوق القصر، وشكلوا حكومة مؤقتة برئاسة المحامي الأمريكي، سانفورد بالار دول، المولود عام 1844 بهونولولو.
وعلى الرغم من إدانة الرئيس جروفر كليفلاند للإنقلاب ودعمه الشفوي للملكة، فإن الحكومة المؤقتة رفضت الاستقالة، وأنشأت "جمهورية هاواي" في شهر يوليو/تموز عام 1894 برئاسة سانفورد بالار دول.
جدل سياسي في واشنطن حول وضع جزر هاواي
بعد الإطاحة بالنظام الملكي، سعى الحكام الجدد لهاواي لضم البلاد للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ذلك لم يتم دون إثارة جدل سياسي بواشنطن استمر عدة سنوات.
فبحسب ما أوضحه موقع History الأمريكي، فقد كان المؤيدون لفكرة ضم الجزر يرون أنّ هاواي هي بوابة إلى الأسواق الآسيوية ومحطة توقف استراتيجية في منتصف المحيط الهادئ للسفن العسكرية والتجارية، فيما اعتبر بعض المعارضين أنّ ضم الجزر سيكون أمراً مُكلفاً مادياً وغير دستوري أو أخلاقي،كما عبر جزء آخر من المعارضين عن خشيتهم من فتح المجال لكسب حق المواطنة الأمريكية لسكان الجزر البولينيزيين والصينيين واليابانيين، في وقت كانت فيه قوانين الهجرة الأمريكية في ذلك الوقت تستبعد الآسيويين من قائمة المرشحين لكسب حق المواطنة في الولايات المتحدة، ثم في يوم 7 يوليو/تموز عام 1898، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) لصالح قرار ضم هاواي كأرض أمريكية.
بعد عامين نالت الجزر استقلالها الذاتي، لكن دون اعتبارها ولاية أمريكية، وبعد نحو 20 عاماً، وتحديداً في 11 فبراير/شباط 1919، جرى تقديم أول مشروع قانون في مجلس النواب بالولايات المتحدة لإنشاء "ولاية هاواي"، لكنه بقي حبيس الأدراج، إذ احتفظت الجزر بوضعها القانوني الهش، مع وجود مندوب واحد فقط غير مصوت في الكونغرس.
الجزيرة ظلت تابعة وغير تابعة للولايات المتحدة، إذ كانت تتلقى القليل من التمويل الفيدرالي للاحتياجات الضرورية مثل البنية التحتية وتحسين النقل والصحة والتعليم، كما لم يكن بإمكان سكان البلاد التصويت لاختيار حاكمهم أو رئيسهم، لكن في الوقت نفسه كان بإمكان الكونغرس إلغاء الهيئة التشريعية الإقليمية وتنحية الحاكم المحلي، ووضع الجزر تحت سلطة مفوض مقيم أو لجنة بحرية.
ثم في العام 1940، أظهر استفتاء أنّ ثلثي سكان هاواي وقتها يدعمون تحويل بلادهم إلى ولاية أمريكية، لكن دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية في ديسمبر/كانون الأول 1941، أدى إلى تجميد عملية تغيير الوضع القانوني لهاواي، والتي استؤنفت سريعاً ودون توقف عام 1947، إذ عرضت عدة مشاريع في هذا الشأن على مجلسي النواب والشيوخ، في سنوات 1947 و1950 و1951 و1953، لكن دون المصادقة عليها من طرف الهيئتين التشريعيتين.
وأخيراً وفي مارس/آذار 1959 صوت مجلس الشيوخ بالأغلبية (76 بنعم، مقابل 15 بلا) على مشروع ولاية هاواي، التي أصبحت بذلك الولاية الخمسين للولايات المتحدة الأمريكية، ثم عُرض الأمر للاستفتاء على سكان الجزر يوم 27 يونيو/حزيران من نفس العام، فصوت 94,3% بـ"نعم".
بعد قرن .. اعتذرت الولايات المتحدة عن الإطاحة بمملكة هاواي
في العام 1993 ، أي بعد 100 سنة من الانقلاب، اعتذرت الحكومة الأمريكية رسمياً لسكان هاواي الأصليين عن الإطاحة بمملكتهم وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير.
ولكن وثيقة الاعتذار تضمنت بنداً يشير إلى "ضرورة عدم مطالبة الولايات المتحدة بتعويضات عن الضرر الذي لحق بالسكان الأصليين إثر ذلك الانقلاب"، بحيث جاء في ختام نصها: "ولم يكن في هذا القرار المشترك أي شيء يقصد منه أن يكون بمثابة تسوية لأية مطالبة ضد الولايات المتحدة ". تجدر الإشارة إلى أنّ ليليوكالاني، آخر ملوك هاواي، وبعد الإطاحة بها، قامت بمحاولة فاشلة لاستعادة عرشها في سنة 1895، فتم وضعها تحت الإقامة الجبرية لمدة عام حتى أطلق الرئيس الأمريكي سراحها، لكنها وقبل وفاتها في نوفمبر/تشرين الثاني 1917، تركت كتاباً مهماً حول سيرتها الذاتية، يتناول تاريخ هاواي في تلك الحقبة المهمة من تاريخ بلادها، سمته Hawaii's Story by Hawaii's Queen.
"هاواي" الآن هي واحدة من الولايات الأمريكية الخمسين، وتتشكل من أرخبيل بـ 137 جزيرة، وتقع بوسط شمال المحيط الهادي، على بُعد 3718 كيلومتراً غرب "بونتا غوردا"، أقرب نقطة من الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، ويتضمن الأرخبيل 8 جزر رئيسية، من بينها "أواهو"، التي تقع بها مدينة "هونولولو"، عاصمة "هاواي".
سكان هاواي الأصليون هم البولينزيون (شعب منطقة بولونيزيا بوسط المحيط الهادئ)، الذين سكنوها منذ مئات السنين، قبل أن يكتشفها الرحالة البريطاني الشهير القبطان كوك عام 1778، ويطلق عليها اسم "جزر ساندويتش"، تكريماً للأير ساندويتش، المستكشف البريطاني الأميرال جون مونتاغو.
مؤسِّس مملكة هاواي كاميهاميها الأول
كانت جزر هاواي منفصلة إلى أن تأسست مملكة هاواي عام 1810 على يد كاميهاميها الأول، الذي وحد الجزر في مملكة واحدة، سلمياً أو عسكرياً، بعدما استفاد من الأسلحة المتطورة التي جلبها الأوروبيين، وفقاً للنسخة الفرنسية من موقع National Geographic.
وبهدف ضمان استمرار "مملكة هواي" موحدة بعد وفاته، اتخذ كاميهاميها الأول، العديد من القرارات، فقام بتوحيد القوانين المسيرة للمجتمع في كل الجزر، و سنّ نظام الضرائب الجمركية لإنعاش التجارة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أقر قانوناً يمنع بموجبه السكان غير الأصليين لهاواي من امتلاك الأراضي. وقد حاول بتلك القوانين أيضاً ضمان استقلال هاواي، في وقت رضخت فيه الكثير من جزر المحيط الهادئ للقوى الاستعمارية الكبرى.
استمرت مملكة هاواي موحدة لسنوات بعد وفاته في مايو/آيار 1819، إذ خلفه على العرش ابنه الأكبر، كاميهاميها الثاني الذي حكم لمدة 5 سنوات فقط، قبل أن يموت خلال رحلة إلى العاصمة البريطانية لندن، ثم خلفه ابنه الأصغر كاميهاميها الثالث، الذي استمر ملكاً لمدة 30 عاماً.
واستمرت عائلة كاميهاميها في الحكم لسنوات، فجاء كاميهاميها الرابع ، ثم كاميهاميها الخامس الذي توفي عام 1872، دون أن يترك أي ولي للعهد بعده، وهنا قرر نبلاء المملكة انتخاب ملك جديد، وأصبح لوليانو أول ملك منتخب بهاواي عام 1883، لكنه توفي في العام التالي عن عمر 39 عاماً بعد إصابته بمرض السل.
وعلى غرار سلفه، لم يترك لوليانو أحداً ليخلفه في العرش، فلجأ كبار القوم مرة أخرى، لانتخاب ملك جديد، وهو دافيد كالاكاوا، الذي أمر بتعيين شقيقته ليليوكالاني، لتكون وليةً للعهد حتى يتفادى دخول مملكة هاواي في أزمة جديدة لاختيار حاكمها.
وخلال الفترة التي تلت وفاة كاميهاميها الأول حتى جلوس دافيد كالاكاو على العرش، عرفت هاواي تحولاً ديمغرافياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً، ساهم تدريجياً في سقوط المملكة والتمهيد لإلحاقها بالولايات المتحدة الأمريكية.
فبحسب الموقع المتخصص في التاريخ والجغرافيا، فإنّ الأمراض التي جلبها الأوروبيون إلى جزر هاواي، أدت إلى تناقص عدد سكان البلاد بنسبة 84% عما كان عليه قبل قدوم الرجل الأبيض.
قصب السكر استهوى الرجل الأبيض
بدأ قدوم الأوروبيون في عشرينيات القرن التاسع عشر، بعد زيارة قام بها المبشرون المسيحيون، والذين أبلغوا عن وجود ظروف مواتية بهاواي لزراعة قصب السكر، ما شجع رجال الأعمال والمستثمرين على شراء أراضٍ واسعة في البلاد.
ومع مرور الوقت ازداد عدد الأوروبيين والأمريكيين الذين يعيشون في جزر هاواي، وازداد حصولهم على الأراضي التي جعلوها مزارع كبيرة لقصب السكر، الأمر الذي كان يتطلب يداً عاملة كبيرة، فبدأ مُلاك المزارع في جلب عمال بعقود منخفضة الأجر من جميع أنحاء العالم، وخاصة من شرق آسيا.
تبعية مملكة هاواي الاقتصادية للولايات المتحدة
بحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، زادت المعاهدات من ربط التجارة في هاواي بالاقتصاد الأمريكي، وأهمها معاهدة 1875، التي تنص على حرية التجارة بين البلدين، أي دون رسوم ضريبية على السلع المستوردة والمصدرة بينهما، وذلك مقابل تنازل مملكة هاواي عن جزء من أراضيها لصالح الولايات المتحدة، على غرار "بير هربر" بجزيرة "أواهو".
كما عمل مُلاك المزارع الكبار الأثرياء بنشاط لتقويض سيادة حكم السكان الأصليين، إذ أجبروا الملك دافيد كالاكاوا على توقيع دستور تحت تهديد السلاح عام 1887، عُرف هذا الدستور باسم "دستور الحربة" ، وقد أفرغ النظام الملكي من السلطة الفعلية ومنح حق التصويت للسكان الأجانب، ولكن بشرط أن يكون مالك مزرعة، وأن يكون أجره مرتفعاً، لكن نسي هذا القانون حقوق السكان الأصليين والآسيويين، مثلما منح حقوقاً لأصحاب البشرة البيضاء، أي الإنجليز والأمريكيين الذين كانوا يقطنون البلاد.
انقلاب على الملكة ورفع العلم الأمريكي
عندما توفي الملك دافيد كالاكاوا في عام 1891 ، اعتلت شقيقته ليليوكالاني العرش في خضم أزمة اقتصادية ناجمة عن ضغط ضرائب الاستيراد والتصدير التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة، بعد إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين لعام 1875.
وقصد التخفيف من الأزمة الاقتصادية، واتخاذ قرارات جديدة، حاولت استبدال "دستور الحربة"، ووضع دستور جديد، تُعزز من خلاله سلطة الملك وتلغي حق التصويت للمستوطنين الأجانب.
ورداً على محاولتها في تغيير الدستور، اجتمع المحامي الأمريكي لوران ثورستون، (المولود بهونولولو)، مع مجموعة من الرجال المسلحين البيض ورعايا من هاواي ، أمام قصر الملكة ليليوكالاني للمطالبة بتنازلها عن العرش، مدعومين في عمليتهم من المبعوث الأمريكي إلى هاواي، جون ستيفنز، الذي قام دون إذن من حكومة بلده بوضع سفينة حربية أمريكية قبالة سواحل جزر هاواي، مهدِّداً بالغزو إذا قاومت الملكة، والتي ما كان لها سوى إعطاء الأوامر لحرسها الملكي بالاستسلام تفادياً لإراقة الدماء.
بعد هذا اليوم؛ 17 يناير/كانون الثاني عام 1893، أعلن قادة الإنقلاب إلغاء الملكية، وأقاموا الأحكام العرفية في البلاد ورفعوا العلم الأمريكي فوق القصر، وشكلوا حكومة مؤقتة برئاسة المحامي الأمريكي، سانفورد بالار دول، المولود عام 1844 بهونولولو.
وعلى الرغم من إدانة الرئيس جروفر كليفلاند للإنقلاب ودعمه الشفوي للملكة، فإن الحكومة المؤقتة رفضت الاستقالة، وأنشأت "جمهورية هاواي" في شهر يوليو/تموز عام 1894 برئاسة سانفورد بالار دول.
جدل سياسي في واشنطن حول وضع جزر هاواي
بعد الإطاحة بالنظام الملكي، سعى الحكام الجدد لهاواي لضم البلاد للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ذلك لم يتم دون إثارة جدل سياسي بواشنطن استمر عدة سنوات.
فبحسب ما أوضحه موقع History الأمريكي، فقد كان المؤيدون لفكرة ضم الجزر يرون أنّ هاواي هي بوابة إلى الأسواق الآسيوية ومحطة توقف استراتيجية في منتصف المحيط الهادئ للسفن العسكرية والتجارية، فيما اعتبر بعض المعارضين أنّ ضم الجزر سيكون أمراً مُكلفاً مادياً وغير دستوري أو أخلاقي،كما عبر جزء آخر من المعارضين عن خشيتهم من فتح المجال لكسب حق المواطنة الأمريكية لسكان الجزر البولينيزيين والصينيين واليابانيين، في وقت كانت فيه قوانين الهجرة الأمريكية في ذلك الوقت تستبعد الآسيويين من قائمة المرشحين لكسب حق المواطنة في الولايات المتحدة، ثم في يوم 7 يوليو/تموز عام 1898، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) لصالح قرار ضم هاواي كأرض أمريكية.
بعد عامين نالت الجزر استقلالها الذاتي، لكن دون اعتبارها ولاية أمريكية، وبعد نحو 20 عاماً، وتحديداً في 11 فبراير/شباط 1919، جرى تقديم أول مشروع قانون في مجلس النواب بالولايات المتحدة لإنشاء "ولاية هاواي"، لكنه بقي حبيس الأدراج، إذ احتفظت الجزر بوضعها القانوني الهش، مع وجود مندوب واحد فقط غير مصوت في الكونغرس.
الجزيرة ظلت تابعة وغير تابعة للولايات المتحدة، إذ كانت تتلقى القليل من التمويل الفيدرالي للاحتياجات الضرورية مثل البنية التحتية وتحسين النقل والصحة والتعليم، كما لم يكن بإمكان سكان البلاد التصويت لاختيار حاكمهم أو رئيسهم، لكن في الوقت نفسه كان بإمكان الكونغرس إلغاء الهيئة التشريعية الإقليمية وتنحية الحاكم المحلي، ووضع الجزر تحت سلطة مفوض مقيم أو لجنة بحرية.
ثم في العام 1940، أظهر استفتاء أنّ ثلثي سكان هاواي وقتها يدعمون تحويل بلادهم إلى ولاية أمريكية، لكن دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية في ديسمبر/كانون الأول 1941، أدى إلى تجميد عملية تغيير الوضع القانوني لهاواي، والتي استؤنفت سريعاً ودون توقف عام 1947، إذ عرضت عدة مشاريع في هذا الشأن على مجلسي النواب والشيوخ، في سنوات 1947 و1950 و1951 و1953، لكن دون المصادقة عليها من طرف الهيئتين التشريعيتين.
وأخيراً وفي مارس/آذار 1959 صوت مجلس الشيوخ بالأغلبية (76 بنعم، مقابل 15 بلا) على مشروع ولاية هاواي، التي أصبحت بذلك الولاية الخمسين للولايات المتحدة الأمريكية، ثم عُرض الأمر للاستفتاء على سكان الجزر يوم 27 يونيو/حزيران من نفس العام، فصوت 94,3% بـ"نعم".
بعد قرن .. اعتذرت الولايات المتحدة عن الإطاحة بمملكة هاواي
في العام 1993 ، أي بعد 100 سنة من الانقلاب، اعتذرت الحكومة الأمريكية رسمياً لسكان هاواي الأصليين عن الإطاحة بمملكتهم وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير.
ولكن وثيقة الاعتذار تضمنت بنداً يشير إلى "ضرورة عدم مطالبة الولايات المتحدة بتعويضات عن الضرر الذي لحق بالسكان الأصليين إثر ذلك الانقلاب"، بحيث جاء في ختام نصها: "ولم يكن في هذا القرار المشترك أي شيء يقصد منه أن يكون بمثابة تسوية لأية مطالبة ضد الولايات المتحدة ". تجدر الإشارة إلى أنّ ليليوكالاني، آخر ملوك هاواي، وبعد الإطاحة بها، قامت بمحاولة فاشلة لاستعادة عرشها في سنة 1895، فتم وضعها تحت الإقامة الجبرية لمدة عام حتى أطلق الرئيس الأمريكي سراحها، لكنها وقبل وفاتها في نوفمبر/تشرين الثاني 1917، تركت كتاباً مهماً حول سيرتها الذاتية، يتناول تاريخ هاواي في تلك الحقبة المهمة من تاريخ بلادها، سمته Hawaii's Story by Hawaii's Queen.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/14 الساعة 14:56