ماذا يريد بايدن والعرب من القمة في جدة
العالم يسابق الزمن بانتظار عقد القمة الأمريكية -العربية (دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى كل من الأردن ومصر والعراق) في منتصف شهر تموز, تأتي تداعيات عقدها في ظل استمرار الحرب – الروسية الأوكرانية, والزيادة في أسعار النفط العالمية وارتفاع نسبة التضخم العالمي وما سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الإقتصاد العالمي, وإنقطاع لبعض سلاسل الإمداد الغذائية الأساسية, والتهديدات الإقليمية التي يتعرض لها العرب, وجميع هذه العوامل دفعت بالإدارة الأميركية للإجتماع بحلفائها الإستراتيجيين في الشرق الأوسط والخليج العربي لوضع الحلول المناسبة لذلك.
من خلال هذا الاجتماع يريد الرئيس الأمريكي بنظرنا تحقيق أربعة أهداف رئيسية استراتيجية:
1) ردع إيران من أي محاولات للاعتداء المباشر أو غير المباشر (من خلال أذرعها في المنطقة) واستهدافهم لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة, لإرسال رسالة واضحة لطهران, ومحاولة الضغط على إيران لتقديم التنازلات المطلوبة في اتفاقها النووي واتفاق الصواريخ الباليستية من خلال مفاوضات فيينا.
2) إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بضخ مزيد من النفط للسيطرة على أسعاره المرتفعة, على أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتعويض هذا النقص بعد الحضر الجزئي على النفط الروسي, ويذكر أن مجموعة OPEC والتي تضم 13 دولة وشركائهم OPEC PLUS والتي تضم 10 دول يشكلون ما مجموعه 23 دولة مصدرة للنفط ينتجون قرابة 41 مليون برميل يومياً, حيث تنتج السعودية منها قرابة 10 ملايين برميل نفط يومياً والذي يشكل 15% من الإنتاج العالمي والبالغ قرابة 66 مليون برميل يومياً لعام 2022, وتشكل السعودية مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ما مجموعه 21 مليون برميل بنسبة 32% من الإنتاج العالمي, أي أن ثلث إنتاج العالم مع الدول العربية التي ستجلس مع بايدن على طاولة الإجتماعات.
3) تمتين العلاقة مع شركائها العرب الإستراتيجيين وخصوصاً بعد آخر اجتماع لوزراء BRICS (روسيا, الصين, الهند, البرازيل وجنوب أفريقيا) ومحاولة لضمهم دول عربية, وما سيقوم به تحالف BRICS في المستقبل القريب من التعامل بالعملات المحلية لهذه البلدان في التداولات النفطية ومحاولة إيجاد طريقة دفع جديدة خاصة بهم بدلاً عن SWIFT, ويذكر أن الخمس دول الحالية التي تشكل BRICS لديها 50% من إحتياطي النقد العالمي ويشكلون 25% من الناتج الإجمالي العالمي والذي بلغ 94 ترليون دولار عام 2021.
4) محاولة جادة لإيجاد مصدر للغاز لتزويد أوروبا ودول أخرى لسد النقص العالمي نتيجة الحرب الروسية – الأكرانية وخاصة مع اقتراب فصل الشتاء لتأمين أوروبا بكمية غاز تُضخ من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي, فبدأت مصر ببناء محطات على موانئها لإسالة الغاز من سواحل شرق البحر المتوسط وتصديره إلى أوروبا بحجم يقارب 20 مليار متر مكعب من أصل 152 مليار متر مكعب تستوردها أوروبا من روسيا.
وعلى الجانب الآخر ماذا نتوقع من قادة العرب الطلب من بايدن:
1) القضية الفلسطينية, حيث حان الأوان وأصبحت الفرصة مواتية لوضع ملفها على طاولة الإجتماع واعتبارها محورا أساسيا بإطلاق جهد دولي جدي وفاعل بضمانات أميركية وأوروبية توازي وتقابل ما ستطلبه الولايات المتحدة من الدول العربية في الإجتماع, لإيجاد أفق سياسي حقيقي لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين, الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967, وعاصمتها القدس الشرقية, وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية, لأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يشكل خياراً استراتيجياً عربياً, وضرورة لتحقيق الأمن والإستقرار الإقليميين والدوليين.
2) ضمان أمن الخليج العربي والأردن من أي خطر يتهددهم في المنطقة بعد مناقشة الملف الإيراني والملف اليمني والملف السوري.
3) المساعدة الإقتصادية لكل من الأردن ومصر لمواجهة التداعيات الأخيرة وخصوصاً الفاتورة النفطية والتي أثرت سلباً على اقتصادهما, وما يترتب على حفظ أمن الأردن من الخطر الذي يهدده على حدوده الشمالية, وأعباء استضافة الأردن للاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بمليون وثلاثمئة ألف لاجئ، خصوصاً أن فاتورة استضافتهم قد زادت على الأردن, إضافة إلى ضمان تأمين السلع الغذائية الإستراتيجية كالقمح وغيره.
4) الوقوف العادل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا إلى جانب مصر في حقها الحصول على حصتها من مياه النيل من دول الجوار.
في الخاتمة سيكون اجتماعاً متكافئا لأن المطالب الأميركية لا تقل أهمية عن المطالب العربية، ومن الممكن تحقيقها جميعاً إذا خرج العرب بموقف موحد, فالإجتماعات التحضيرية التي سبقت هذه القمة من اجتماع شرم الشيخ بين مصر والأردن والبحرين والذي كان محوره القضية الفلسطينية وتأكيد ثوابتها والزيارة لسمو ولي العهد السعودي لدول المنطقة ومن بينها الأردن, كلها ستعطي زخماً إيجابياً للخروج بموقف عربي موحد, إضافة إلى الحنكة السياسية التي يتمتع بها جلالة الملك عبدالله الثاني ستؤدي إلى نجاح هذه القمة مع إخوته العرب, لأن هناك احتمالية عقد قمة اخرى روسية في المنطقة سيمهد لها وزير خارجية روسيا من خلال زيارته للسعودية والبحرين نهاية تموز, فيجب حسم الأمور مبكراً, لأن الوقت قد حان لحل قضايا الأمة العربية المستعصية والتي تم تجاهلها عقوداً طويلة بعد الحاجة الماسة لمواقف موحدة من هذه الدول العربية والتي من شأنها قلب موازين السياسة والإقتصاد العالمي.
mhaddadin@jobkins.com