الأردن لن يتخلى عن القدس
إن إغلاق المسجد الأقصى منذ الجمعة حتى اليوم الأحد مبدئيا، هي سابقة خطيرة وهو دليل قاطع على أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وفريقه المتطرف غير مؤتمنين على بيت عربي واحد فكيف يؤتمنوا على المدينة المقدسة والتاريخية، وهي التي تغض الطرف وتساعد المؤسسات الصهيونية على سرقّة الأراضي العربية والأوقاف الدينية المسيحية، فهل يعلم العالم أن أرض الكنيست «رمز الديمقراطية المزعومة» مبني على أراض لوقف الروم الأرثوذكس، وأن منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الإسرائيلي أقيما على أراض للكنيسة العربية في حي الطالبية، فكيف يكذبون على العالم بتسويقهم دور الضحية كلما حدث إشتباك بين ثائرين عرب وقوات الإحتلال التي تغلق مداخل المسجد الأقصى ؟!
العملية التي نفذها آل جبارين من عرب 48 ضد قوات الإحتلال، لا يمكن فصلها عن السياق التاريخي الذي يروي قصة الإمبراطور اليهودي الجديد بنيامين نتنياهو، الذي يزداد يوما بعد يوم تطرفا ونزقا وتكبرا على العالم كله وليس على الفلسطينيين فقط، وهو لم يعد يتعامل كرئيس حكومة الليكود التي تنتظر نتائج صناديق الإقتراع، بل إنه تحول الى رمز للدكتاتورية المدنية التي تحكم إسرائيل بالخبث والمكرّ عن طريق صنع واقع أمنيّ مخيف للمدنيين الإسرائيليين، مقابل سلوك سادّي وإجرامي في التعامل ضد العرب الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وبمباركة كبار المتدينين المتطرفين الذين يتحكمون بمنصة الشارع الإسرائيلي، فجعل الأراضي الفلسطينية براميل بارود وجرّار دماء.
مدينة القدس إسلامية مسيحية منذ فجر التاريخ ولا يمكن غلق أبوابها، ومع متغيرات الواقع بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الخلافة العثمانية، أصبحت عاصمة دينية شاميّة للحكم الهاشمي بعد مكة المكرمة الحجازية، ومنذ حرب 1948 وحده الجيش الأردني الذي حافظ عليها ضد الغزو اليهودي، وأسس للروح المعنوية عند سكان القدس مسلميهم ومسيحييهم واليهود العرب، وبعد أن أصبحت المدينة تحت الحكم الأردني «رسميا وشرعيا» عام 1950، تحول التاريخ الى العهدة الأردنية كحقيقة واقعة، وهذا ما جعل القادة اليهود يصابون بلوثة جنون، وشاركهم بعض القيادات العربية الغابرة التي لم ترد للأردن أن يظهر حقيقة كدولة تستطيع صنع المستقبل بعد سقوط الخلافة وظهور الدول العربية القطرية، ولهذا ستبقى الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس شوكة في عيون «الليكوديين» في كل مكان.
إن الإنتقاد والولولة التي ثارت في تل أبيب عقب تصريح الناطق الرسمي الأردني والذي طالب بإعادة فتح المسجد الأقصى للمصلين وعدم إغلاقه، ما هو إلا دليل على الصلف الذي تمارسه الإدارة الإسرائيلية، وكما ذكرت في مقال سابق، فإن المسؤولين الإسرائيليين أصابهم إلتهاب حاد في عمق العقل الداخلي للمؤسسة السياسية جرّاء الجهود الأردنية الحثيثة في المحافل الدولية لكبح جماح الأطماع الإسرائيلية التي ليس لها حدود، ولهذا ساعد الأردن في إفشال الخطط الإسرائيلية التي كادت أن تضمن عدم التصويت في مؤسسات الأمم المتحدة لصالح مدينة القدس والخليل مؤخرا، وهذا من شأنه إنكشاف الصورة الحقيقية لبشاعة العقلية والأليات الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين الذين لا يجدون من يساعدهم غير الأردن، وكذلك مع حلفاء إسرائيل أينما كانوا.
الأردن بقيادة جلالة الملك قام بإعادة رسم خارطة المصالح الأمنية الإقليمية لحماية الأردن شمالا وغربا، وكللها في جمع القطبين الرئيسيين الولايات المتحدة وروسيا والأردن ثالثهما حيث خرج «إتفاق عمان» لوقف التدهورالأمني الخطير في جنوب سوريا، إبتداء من شمال غرب القنيطرة حتى بادية السويداء شرقا، وبناء عليه تم التخلص من المنظمات المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة أو جيش خالد بن الوليد التي تساعدها إسرائيل، وأعطت مبررا لبقية الفصائل بما فيها حزب الله والمليشيات الإيرانية في السابق لإشعال المعارك الفارغة في المثلث الجنوبي لسوريا، وهذا أثار حفيظة إسرائيل التي تريد أن تكون شرطي المنطقة، والمتحكمة بمحيطها كله، وتريد جيرانها أضعف دائما، وهذا مبرر للهجوم السياسي على الأردن.
لهذا يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تفهم بأن الحرم القدسي دائرة لهيب حمراء ستحرق أسلحتها، وعليها أن تفكر جيدا بمستقبل وجودها إذا بقيت العقلية العسكرية تقود الواقع، فكل أسلحة العالم لن تستطيع حماية جنودها من القتل والعمليات الفدائية، وستبقى الدماء تسيل على أرض فلسطين المحتلة ما دامت سياسة الفصل العنصري والخرافة التاريخية مسكونة في رؤوس قادتها، وعليها الرضوخ ومنح مخرج للدولة الفلسطينية ورفع يدها عن المسجد الأقصى الذي لن يتخلى عنه الأردن أبدا ولا الفلسطينيون.
الرأي