ليس مهما من يَقعد معك بل من يقف معك
رغم انها حكمة او نصيحة من سيدة طاعنة في السن, لم تذهب الى مدرسة او حتى كُتاب من كتاتيب القرى, الا انها تختصر المسافة, لقراءة لحظة مليئة بالسواد, مارستها مجموعة من المتعلمين والنشطاء الافتراضيين, ممن اعتاشوا وما زالوا على راتب وظيفة رسمية او شبه رسمية او راتب تقاعدي نتيجة خدمة مضروبة في عدد سنوات الوظيفة, فهم بلا خبرة ابدا, فليس لهم اية قيمة مضافة لولا التشوه الذي حصل في المنظومة الوظيفية خلال عقود سابقة, فمعظمهم لو كانوا في غير الاردن, لامضوا حياتهم على هامش الحياة العامة, او في غرفة ارشيف لمؤسسة ثانوية في?الاطراف, لكن التشوه الوظيفي والحسابات المناصبية المقلوبة, اوصلت كثير منهم الى مواقع المسؤولية في الحياة العامة والمواقع التواصلية.
حادث انقلاب صهريج خدمات «نضح", يحدث في اي منطقة في الدنيا, يفتح باب السخرية من هذه الطغمة, على وطن بكامله, يعيش لحظة فارقة اقليميا وداخليا, فهناك مشاريع قادمة على المنطقة تستهدف جذرها الاساس, ومعنية بتصفية الثيمة الاولى لهذا الوطن, القضية الفلسطينية وتسويتها بالتراب, فالتسوية بمعناها البسيط هي تمهيد الارض وتسوية سطحها, وهذا ما سيحدث فالتسوية ستبدأ بتجريف القمة وهي الموقف الراسخ والثابت من القضية الفلسطينية, عبر تجريفها وتوزيع تراب القمة على الاقليم المحيط, وطبعا الاردن الاقرب والاكثر عرضة لتلقي مخرجات التس?ية, بعد ان تراجعت القضية الفلسطينية عربيا الى تراتيب متأخره.
داخليا تعصف بنا ازمات اقتصادية خانقة, ليس اولها الوباء وارتداداته, ولا اخرها التأثر بالازمة العالمية للحرب الروسية الاوكرانية, وكل هذه الازمات لم تداهمنا ونحن في ظرف يقترب من الراحة, بل بعد ربيع اسود اقتلع اربع دول من المنظومة العربية وادخلها في دائرة الفشل, وشوارع عربية هائمة على وجهها لم تجد بعد التعابير السياسية والاجتماعية القادرة على تقديم نفسها كبديل للاوضاع القائمة, وبدل ان نبحث عن حلول للازمات عبر تحالفات جديدة او تصدير للازمة خارجنا, نستمتع بخلق ازمات من لا شيء, فكل جولة بايدن الى المنطقة, محاولة ?تصدير ازمة واشنطن منذ ترامب الى اليوم, ومحاولة لتصدير ازمة الكيان الصهيوني الذي يذهب الى خامس انتخابات عامة, بعد ان باتت ظروفه الداخلية عصية على الحلول.
في المنهج السياسي, السياسة الخارجية هي تعبير عن سياسة داخلية او استجابة لها, فكل حركة اقليمية هي محاولة لحلحلة ازمة داخلية او تقريب نصر داخلي, سواء اقتصادي او عسكري, فسياسة واشنطن الخارجية في امريكا الجنوبية طوال خمسة عقود كانت لحسابات واشنطن الداخلية, وكذلك الجولة المرتقبة للرئيس الامريكي بايدن الى منطقتنا, وهذا يتطلب توحيد القوى والجهود وليس التنابز, الذي حصل من متعلمين واصحاب مناصب مؤخرا, هذا على افتراض ان ما حدث جزء من غباء سياسي حسب تعبير الرئيس المصري الاسبق محمد السادات, وليس انزلاقا ومشاركة في مؤا?رة تستهدف تضبيب الرؤية والانشغال بصغائر الامور.
ما يجري اليوم من احداث واستثمارات سياسية, لا يدخل في خانة البراءة ولا في خانة الغباء السياسي, بل في خانة واضحة, وتحتاج الى ردود حاسمة وقاصمة, فاذا كنا فعلا مقبلين على مرحلة جديدة من الاصلاح الثلاثي الابعاد, فنحن بحاجة الى مخالب تحمي الاصلاح, مخالب قانونية تمايز بين حرية الرأي والتعبير, والانفلات والتعهير الحاصلين الآن.
هذا الانفلات لم يعد مقبولا ولا محمودا, وهذا الخلط بين حرية الرأي والتعبير, وبين الهبد والتعهير, اكثر ضررا من ما يحمله بايدن وما تحمله رسائل نتنياهو, فالنخر الداخلي اخطر من العدوان الخارجي, فالآن نحتاج الى من يقف معنا وليس الى من يقعد معنا.
omarkallab@yahoo.com