هل سيتوقف العالم عن التقدم التكنولوجي؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/05 الساعة 17:00
إن العالم يتجه نحو إيقاف التقدم التكنولوجي الذي كان له الأثر الإيجابي على حياتنا اليومية من تسهيل في سبل العيش لجميع مناحي الحياة وتعزيز الرفاهية التي حلمنا بها, واتضح ذلك جلياً منذ جائحة كورونا ونشوب الأزمات والتوترات العالمية بين الدول وآخرها الحرب الروسية–الأوكرانية.
لقد بدأت الدول الكبرى وبكل أسف إيقاف التعاون المشترك بينها لصالح تقدم وإزدهار ورفعة البشرية ومحاولة تعطيل ما يقوم به الآخرون من إنتاج لهذه التكنولوجيا, فلن نرى في المستقبل إطلاق مركبات فضائية إضافية تساعد على تأمين شتى أنواع الإتصالات لتغطي الكرة الأرضية, وتصنيع للهواتف المحمولة, والأبحاث التي تساعد على حل مشاكل التلوث وارتفاع حرارة الأرض واستكشاف مصادر ثروات الأرض من مياه ونفط معادن ومواد خام أخرى, وتطوير الزراعة باستخدام معدات وأجهزة التكنولوجيا الحديثة, إضافة إلى الإرتفاع الباهظ في تكاليف وسائل التنقل و?لشحن العالمي من سفر بالطائرات والسفن والقطارات والسيارات, ولن نرى التقدم العلمي باستخدام الروبوتات في حل المشاكل الصحية والخدماتية والأمنية والتعليمية, ولن نرى المدن الذكية التي تحل مشاكل الإختناقات المرورية وتوفير الحياة الكريمة للشعوب وسنرى مزيداً من الجرائم والإحتيال والفساد بسبب الإفتقار لأجهزة الحماية والكاميرات وأجهزة الكشف عن النصب والإحتيال, ولن تتمكن البنوك من السير قدما باستخدام التكنولوجيا التي تسهل الإجراءات على العملاء, إضافة إلى توقف إنتاج المصانع للأجهزة والمعدات التكنولوجية والسلع والخدمات ?لتي تعتمد على الآلات الحديثة والكمبيوتر.
إن السبب وراء كل ذلك يعود إلى إيقاف أو النقص الحاد في تصنيع قطعة صغير جداً, عادة ما تصنّع من السليكون تعمل على تضخيم الإشارة الإلكترونية وتشغيل أو إيقاف الجهاز والتحكم الكامل به وإعطائه الأوامر لأداء وظيفة الجهاز بالشكل المطلوب بواسطة دارة إلكترونية متكاملة وتكون متناهية الصغر بمقياس النانو(1سم يساوي 10000000نانو), فبعض منها تقوم بمقام العقل المدبر للجهاز بالعمل مع رقائف أخرى محددة, هذه القطعة تدعى بالرقاقة الإلكترونية «Microchip»، فغياب قطعة واحدة منها أثناء التصنيع يؤدي إلى إيقاف خط إنتاج بالكامل في صناع? الطائرات أو الهواتف المحمولة أو السيارات أو الكاميرات, إن القطعة أو الرقاقة تشغل وتوقف وتتحكم ببعض أجزاء من الطائرة أو الهاتف أو السيارة أو الكاميرا.
لقد تأثرت المصانع الكبرى بنقص تصنيع الرقائق وعدم توفرها مما انعكس سلباً على إنتاج هذه المصانع, حيث انخفض إنتاج مصنع السيارات لشركةTOYOTA إلى 40% هذا العام, وسيقل إنتاج معظم شركات تصنيع السيارات العالمية مثل BMW, GM, Ford، NISSAN, Rhino, Volkswagen, Mercedes وكذلك تأثرت منتجات شركة APPLE الأمريكية حيث سيكون هناك نقص بتصنيع هاتف خلوي IPhone13 يقدر ب10 ملايين جهاز مع نهاية هذا العام.
إن أصل المشكلة بدأ بازدياد الطلب على الرقائق مع ظهور الجيل الخامس وتطبيقاته, وتفاقم الوضع حين منع الرئيس الأمريكي السابق ترامب بيع الرقائق المصنعة في تايوان إلى الصين حيث بلغت مشتريات الصين من الرقائق قبل عقوبات ترامب 350 مليار دولار سنوياً، ولما جاءت جائحة كورونا زادت الضغوط على طلب الرقائق الإلكترونية لجميع الصناعات السابقة الذكر بسبب تعطل سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الشحن وقلة الإنتاج بسبب الحضر الوبائي, وعمل العمال من منازلهم وتوقف أحد المعامل الكبرى عن الإنتاج في ولاية تكساس الأميركية ومصنع آخر في الي?بان بسبب حريق، فطلبت الولايات المتحدة نقل مصنع تايوان TSMC للرقائق الإلكترونية إلى ولاية أريزونا خوفاً من اجتياح الصين لتايوان لأن هذا المصنع ينتج الرقائق بعد أن يتم تصميمها في الولايات المتحدة، وتم اختياره سابقاً في تايوان بسبب السياسة الضريبية الأمريكية ورخص الأيدي العاملة, وقد سيطرت TSMCعلى إنتاج العالم من الرقائق لأن تقنية النانو لديه والبالغة 5 نانو تقوق تقنية النانو الصينية والبلغة 28 نانو (المنتج التايواني لشركة TSMC أصغر بخمسة أضعاف من الرقاقة الصينية).
ثم تعمقت المشكلة مع الحرب الروسية–الأوكرانية حيث أن المواد الخام التي تدخل بصناعة الرقائق موجودة في روسيا وأوكرانيا والتي أوقفت روسيا تصديرها للدول التي تقف ضدها في الحرب ومن هذه المواد الخام الغازات الخاملة وهي نادرة الوجود في العالم منها غاز ال Xenon،Neon،Helium, Oregon،Radon, Krypton ومعظمها موجود في روسيا وأوكرانيا كأكبر دولتان مصدرتان لهذه الغازات في العالم لأنهما دولتين غير مصنعتين للرقائق, أما بالنسبة إلى الصين والولايات المتحدة فينتجان هذه الغازات بكميات أقل ولا يصدرانها بل تستهلك جميعاً في مصانعهم?ويستوردون أيضاً من روسيا وأوكرانيا, وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوروبا فهي تستورد هذه الغازات بالكامل من روسيا وأوكرانيا.
إن غاز ال Neon المضيء الذي يستخدم للحفر على رقائق السيليكون بعد المعالجات الكيميائية له لإلصاق الدوائر الإلكترونية على الرقاقة, فإن روسيا تصدر من هذا الغاز ما مجموعه 20% من الإنتاج العالمي بينما تصدر أوكرانيا 70% منه, مما يعني 90% من إنتاج العالم بقبضة روسيا ويتبقى فقط 10% للسوق العالمي, وكذلك غاز ال Krypton والذي تصدر منه روسيا 30% من الإنتاج العالمي وتصدر أوكرانيا 40% مما يعني أيضاً أن 70% من الإنتاج العالمي بحوزة روسيا, وأيضاً غاز الHelium والذي تنتجه الولايات المتحدة لكن لا تصدره ليغطي السوق المحلي عند?ا وتقوم روسيا بإنتاج هذا الغاز وتصديره للخارج، وكذلك غاز Xenon الموجود بروسيا التي تصدر 30% من الإنتاج العالمي ويدخل بصناعات الرقائق الإلكترونية إضافة إلى مصابيح السيارات الأمامية وإضاءات الشوارع والإعلانات والمحطات النووية والشاشات التلفزيونية والأجهزة الراديوية وقد أدت الحرب الروسية–الأوكرانية إلى إلغاء تصنيع 10 ملايين سيارة حول العالم.
وحيث أن الشركات الثلاث التالية من أكبر المصنعين للرقائق الإلكترونية في العالم وهي: INTEL,SAMSUNG, TSMC, فحصة شركة TSMC الموجودة في تايوان من الإنتاج العالمي لهذه الرقائق 64%، ثم تأتي شركة SAMSUNG الموجودة في كوريا الجنوبية 18% وتأتي بعدها الصين 5% أما بقية العالم فينتج 12% ومن ضمنه الولايات المتحدة من خلال شركة INTEL، وتستهلك كل من شركة TSMC وشركة SAMSUNG ما مجموعه 75% من الغازات التي تأتي من روسيا وأوكرانيا, لذلك سيتعرض سوق الرقاقات الإلكترونية للخطر في العالم والذي يزيد عن 600 مليار دولار حيث سيؤدي النقص?الحاد إلى رفع أسعار هذه الرقاقات إلى عشرات الأضعاف وسيؤدي أيضاً إلى انهيار في مصانع السيارات والطائرات والكاميرات والأجهزة الطبية وألعاب الأطفال والتسلية الإلكترونية وأجهزة الحواسيب وغيرها في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض الشركات في الولايات المتحدة التي تعتمد على إنتاج شركة TSMC التايوانية نظراً للتحالفات السياسية الجديدة التي نشأت أثناء الحرب الروسية–الأوكرانية.
ما هو الإجراء العالمي السريع لحل مشكلة الرقائق في المستقبل القريب وانقاذ العالم من تبعاته والتي قد توقف التقدم التكنولوجي حيث التوقع بأن تستمر هذه المشكلة لسنوات مع إطالة أمد الحرب الروسية – الأوكرنية:
1) محاولة الولايات المتحدة نقل مصنع TSMC للرقائق من تايون إلى ولاية أريزونا خشية احتلال الصين لتايوان في أي لحظة، وقد قام الكونغرس الأمريكي مؤخراً بتخصيص مبلغ 170 مليار دولار مع حوافز ضريبية لدعم صناعات التكنولوجيا منها 52 مليار دولار لدعم صناعة الرقائق الإلكترونية.
2) قامت الصين بتخصيص 150 مليار دولار لدعم صناعة الرقائق لمنافسة الولايات المتحدة وعدم الإعتماد عليها بذلك, فالصين تعاني من نقص في الخبراء والمعدات والآلات في صناعة هذه الرقائق.
3) اختيار احدى الدول التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الدول الكبرى وتمتاز باستقرار سياسي وأمني على المدى الطويل لإقامة مصنع عالمي بخطوط إنتاج متنوعة لتلبية احتياجات السوق العالمي ب25% من هذه الرقائق, على أن تكون هذه الدولة لديها أعداد من الكوادر الفنية المهرة يمكن الإعتماد عليهم في تصنيع وإدارة هذا المصنع بعد عملية نقل التكنولوجيا والخبرات والتدريب اللازم وشحن المعدات والآلات, فالدولة الوحيدة المرشحة لذلك هي الأردن لإنها تحقق جميع تلك المتطلبات, فعلى المسؤولين في الأردن التحرك السريع بهذا الملف وعرضه من قبل جلال? الملك في قمة جدة المقبلة وعلى الدول الكبرى الأخرى وخصوصاً الأوروبية كونها الأكثر تأثراً، على أن يتم تحضير الدراسة الأولية الجاذبة لجعلهم يستثمروا في الأردن في هذا المجال, ليقوموا بعدها بعمل التدريب المناسب للكوادر الأردنية وتوريد التكنولوجيا والمعدات والآلات اللازمة لإقامة مصنع الرقائق الإلكترونية والذي يبدأ إنشاؤه بكلفة تقديرية تبلغ من 10-20 مليار دولار ومن الممكن أيضاً استقطاب الصناديق الإستثمارية والسيادية العربي والخليجية للمشاركة بهذا الإستثمار, ويتم توسعة هذا المشروع حسب احتياجات السوق العالمي.
إن إقامة مثل هذا المصنع الضخم في الأردن كفيل أن يدفع بعجلة الإقتصاد ويحقق النمو المطلوب ليصل إلى 5% ويعمل على سداد المديونية في مدة لا تتجاوز 8 أعوام من بدء التشغيل الفعلي له، إضافة إلى توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل من كوادر مهنية فنية وإدارية للعمل في خطوط الإنتاج, إضافة للخدمات اللوجستية البرية والبحرية والجوية التي تخدم هذا المشروع والخدمات الأخرى المتنوعة.
في النهاية إن الصراع القادم هو صراع التكنولوجيا وبالأخص صناعة الرقاقات الذي يعتبر أهم من صراع النفط وغيره، فالدولة التي تتقدم وتتطور تكنولوجياً بهذه الصناعة ستتمكن من السيطرة على الفضاء وصناعات الأسلحة المتطورة والموجة ذات التحكم الدقيق والتطبيقات الذكية واستخدام الروبوتات واستخدام الجيل الخامس والسادس للإتصالات بنجاح, فعلى الأردن الإستثمار في عنصره البشري المؤهل لذلك لتحقيق مصالحه.
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأميركية
مستشار مجموعة DDL الأميركية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com
لقد بدأت الدول الكبرى وبكل أسف إيقاف التعاون المشترك بينها لصالح تقدم وإزدهار ورفعة البشرية ومحاولة تعطيل ما يقوم به الآخرون من إنتاج لهذه التكنولوجيا, فلن نرى في المستقبل إطلاق مركبات فضائية إضافية تساعد على تأمين شتى أنواع الإتصالات لتغطي الكرة الأرضية, وتصنيع للهواتف المحمولة, والأبحاث التي تساعد على حل مشاكل التلوث وارتفاع حرارة الأرض واستكشاف مصادر ثروات الأرض من مياه ونفط معادن ومواد خام أخرى, وتطوير الزراعة باستخدام معدات وأجهزة التكنولوجيا الحديثة, إضافة إلى الإرتفاع الباهظ في تكاليف وسائل التنقل و?لشحن العالمي من سفر بالطائرات والسفن والقطارات والسيارات, ولن نرى التقدم العلمي باستخدام الروبوتات في حل المشاكل الصحية والخدماتية والأمنية والتعليمية, ولن نرى المدن الذكية التي تحل مشاكل الإختناقات المرورية وتوفير الحياة الكريمة للشعوب وسنرى مزيداً من الجرائم والإحتيال والفساد بسبب الإفتقار لأجهزة الحماية والكاميرات وأجهزة الكشف عن النصب والإحتيال, ولن تتمكن البنوك من السير قدما باستخدام التكنولوجيا التي تسهل الإجراءات على العملاء, إضافة إلى توقف إنتاج المصانع للأجهزة والمعدات التكنولوجية والسلع والخدمات ?لتي تعتمد على الآلات الحديثة والكمبيوتر.
إن السبب وراء كل ذلك يعود إلى إيقاف أو النقص الحاد في تصنيع قطعة صغير جداً, عادة ما تصنّع من السليكون تعمل على تضخيم الإشارة الإلكترونية وتشغيل أو إيقاف الجهاز والتحكم الكامل به وإعطائه الأوامر لأداء وظيفة الجهاز بالشكل المطلوب بواسطة دارة إلكترونية متكاملة وتكون متناهية الصغر بمقياس النانو(1سم يساوي 10000000نانو), فبعض منها تقوم بمقام العقل المدبر للجهاز بالعمل مع رقائف أخرى محددة, هذه القطعة تدعى بالرقاقة الإلكترونية «Microchip»، فغياب قطعة واحدة منها أثناء التصنيع يؤدي إلى إيقاف خط إنتاج بالكامل في صناع? الطائرات أو الهواتف المحمولة أو السيارات أو الكاميرات, إن القطعة أو الرقاقة تشغل وتوقف وتتحكم ببعض أجزاء من الطائرة أو الهاتف أو السيارة أو الكاميرا.
لقد تأثرت المصانع الكبرى بنقص تصنيع الرقائق وعدم توفرها مما انعكس سلباً على إنتاج هذه المصانع, حيث انخفض إنتاج مصنع السيارات لشركةTOYOTA إلى 40% هذا العام, وسيقل إنتاج معظم شركات تصنيع السيارات العالمية مثل BMW, GM, Ford، NISSAN, Rhino, Volkswagen, Mercedes وكذلك تأثرت منتجات شركة APPLE الأمريكية حيث سيكون هناك نقص بتصنيع هاتف خلوي IPhone13 يقدر ب10 ملايين جهاز مع نهاية هذا العام.
إن أصل المشكلة بدأ بازدياد الطلب على الرقائق مع ظهور الجيل الخامس وتطبيقاته, وتفاقم الوضع حين منع الرئيس الأمريكي السابق ترامب بيع الرقائق المصنعة في تايوان إلى الصين حيث بلغت مشتريات الصين من الرقائق قبل عقوبات ترامب 350 مليار دولار سنوياً، ولما جاءت جائحة كورونا زادت الضغوط على طلب الرقائق الإلكترونية لجميع الصناعات السابقة الذكر بسبب تعطل سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الشحن وقلة الإنتاج بسبب الحضر الوبائي, وعمل العمال من منازلهم وتوقف أحد المعامل الكبرى عن الإنتاج في ولاية تكساس الأميركية ومصنع آخر في الي?بان بسبب حريق، فطلبت الولايات المتحدة نقل مصنع تايوان TSMC للرقائق الإلكترونية إلى ولاية أريزونا خوفاً من اجتياح الصين لتايوان لأن هذا المصنع ينتج الرقائق بعد أن يتم تصميمها في الولايات المتحدة، وتم اختياره سابقاً في تايوان بسبب السياسة الضريبية الأمريكية ورخص الأيدي العاملة, وقد سيطرت TSMCعلى إنتاج العالم من الرقائق لأن تقنية النانو لديه والبالغة 5 نانو تقوق تقنية النانو الصينية والبلغة 28 نانو (المنتج التايواني لشركة TSMC أصغر بخمسة أضعاف من الرقاقة الصينية).
ثم تعمقت المشكلة مع الحرب الروسية–الأوكرانية حيث أن المواد الخام التي تدخل بصناعة الرقائق موجودة في روسيا وأوكرانيا والتي أوقفت روسيا تصديرها للدول التي تقف ضدها في الحرب ومن هذه المواد الخام الغازات الخاملة وهي نادرة الوجود في العالم منها غاز ال Xenon،Neon،Helium, Oregon،Radon, Krypton ومعظمها موجود في روسيا وأوكرانيا كأكبر دولتان مصدرتان لهذه الغازات في العالم لأنهما دولتين غير مصنعتين للرقائق, أما بالنسبة إلى الصين والولايات المتحدة فينتجان هذه الغازات بكميات أقل ولا يصدرانها بل تستهلك جميعاً في مصانعهم?ويستوردون أيضاً من روسيا وأوكرانيا, وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوروبا فهي تستورد هذه الغازات بالكامل من روسيا وأوكرانيا.
إن غاز ال Neon المضيء الذي يستخدم للحفر على رقائق السيليكون بعد المعالجات الكيميائية له لإلصاق الدوائر الإلكترونية على الرقاقة, فإن روسيا تصدر من هذا الغاز ما مجموعه 20% من الإنتاج العالمي بينما تصدر أوكرانيا 70% منه, مما يعني 90% من إنتاج العالم بقبضة روسيا ويتبقى فقط 10% للسوق العالمي, وكذلك غاز ال Krypton والذي تصدر منه روسيا 30% من الإنتاج العالمي وتصدر أوكرانيا 40% مما يعني أيضاً أن 70% من الإنتاج العالمي بحوزة روسيا, وأيضاً غاز الHelium والذي تنتجه الولايات المتحدة لكن لا تصدره ليغطي السوق المحلي عند?ا وتقوم روسيا بإنتاج هذا الغاز وتصديره للخارج، وكذلك غاز Xenon الموجود بروسيا التي تصدر 30% من الإنتاج العالمي ويدخل بصناعات الرقائق الإلكترونية إضافة إلى مصابيح السيارات الأمامية وإضاءات الشوارع والإعلانات والمحطات النووية والشاشات التلفزيونية والأجهزة الراديوية وقد أدت الحرب الروسية–الأوكرانية إلى إلغاء تصنيع 10 ملايين سيارة حول العالم.
وحيث أن الشركات الثلاث التالية من أكبر المصنعين للرقائق الإلكترونية في العالم وهي: INTEL,SAMSUNG, TSMC, فحصة شركة TSMC الموجودة في تايوان من الإنتاج العالمي لهذه الرقائق 64%، ثم تأتي شركة SAMSUNG الموجودة في كوريا الجنوبية 18% وتأتي بعدها الصين 5% أما بقية العالم فينتج 12% ومن ضمنه الولايات المتحدة من خلال شركة INTEL، وتستهلك كل من شركة TSMC وشركة SAMSUNG ما مجموعه 75% من الغازات التي تأتي من روسيا وأوكرانيا, لذلك سيتعرض سوق الرقاقات الإلكترونية للخطر في العالم والذي يزيد عن 600 مليار دولار حيث سيؤدي النقص?الحاد إلى رفع أسعار هذه الرقاقات إلى عشرات الأضعاف وسيؤدي أيضاً إلى انهيار في مصانع السيارات والطائرات والكاميرات والأجهزة الطبية وألعاب الأطفال والتسلية الإلكترونية وأجهزة الحواسيب وغيرها في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض الشركات في الولايات المتحدة التي تعتمد على إنتاج شركة TSMC التايوانية نظراً للتحالفات السياسية الجديدة التي نشأت أثناء الحرب الروسية–الأوكرانية.
ما هو الإجراء العالمي السريع لحل مشكلة الرقائق في المستقبل القريب وانقاذ العالم من تبعاته والتي قد توقف التقدم التكنولوجي حيث التوقع بأن تستمر هذه المشكلة لسنوات مع إطالة أمد الحرب الروسية – الأوكرنية:
1) محاولة الولايات المتحدة نقل مصنع TSMC للرقائق من تايون إلى ولاية أريزونا خشية احتلال الصين لتايوان في أي لحظة، وقد قام الكونغرس الأمريكي مؤخراً بتخصيص مبلغ 170 مليار دولار مع حوافز ضريبية لدعم صناعات التكنولوجيا منها 52 مليار دولار لدعم صناعة الرقائق الإلكترونية.
2) قامت الصين بتخصيص 150 مليار دولار لدعم صناعة الرقائق لمنافسة الولايات المتحدة وعدم الإعتماد عليها بذلك, فالصين تعاني من نقص في الخبراء والمعدات والآلات في صناعة هذه الرقائق.
3) اختيار احدى الدول التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الدول الكبرى وتمتاز باستقرار سياسي وأمني على المدى الطويل لإقامة مصنع عالمي بخطوط إنتاج متنوعة لتلبية احتياجات السوق العالمي ب25% من هذه الرقائق, على أن تكون هذه الدولة لديها أعداد من الكوادر الفنية المهرة يمكن الإعتماد عليهم في تصنيع وإدارة هذا المصنع بعد عملية نقل التكنولوجيا والخبرات والتدريب اللازم وشحن المعدات والآلات, فالدولة الوحيدة المرشحة لذلك هي الأردن لإنها تحقق جميع تلك المتطلبات, فعلى المسؤولين في الأردن التحرك السريع بهذا الملف وعرضه من قبل جلال? الملك في قمة جدة المقبلة وعلى الدول الكبرى الأخرى وخصوصاً الأوروبية كونها الأكثر تأثراً، على أن يتم تحضير الدراسة الأولية الجاذبة لجعلهم يستثمروا في الأردن في هذا المجال, ليقوموا بعدها بعمل التدريب المناسب للكوادر الأردنية وتوريد التكنولوجيا والمعدات والآلات اللازمة لإقامة مصنع الرقائق الإلكترونية والذي يبدأ إنشاؤه بكلفة تقديرية تبلغ من 10-20 مليار دولار ومن الممكن أيضاً استقطاب الصناديق الإستثمارية والسيادية العربي والخليجية للمشاركة بهذا الإستثمار, ويتم توسعة هذا المشروع حسب احتياجات السوق العالمي.
إن إقامة مثل هذا المصنع الضخم في الأردن كفيل أن يدفع بعجلة الإقتصاد ويحقق النمو المطلوب ليصل إلى 5% ويعمل على سداد المديونية في مدة لا تتجاوز 8 أعوام من بدء التشغيل الفعلي له، إضافة إلى توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل من كوادر مهنية فنية وإدارية للعمل في خطوط الإنتاج, إضافة للخدمات اللوجستية البرية والبحرية والجوية التي تخدم هذا المشروع والخدمات الأخرى المتنوعة.
في النهاية إن الصراع القادم هو صراع التكنولوجيا وبالأخص صناعة الرقاقات الذي يعتبر أهم من صراع النفط وغيره، فالدولة التي تتقدم وتتطور تكنولوجياً بهذه الصناعة ستتمكن من السيطرة على الفضاء وصناعات الأسلحة المتطورة والموجة ذات التحكم الدقيق والتطبيقات الذكية واستخدام الروبوتات واستخدام الجيل الخامس والسادس للإتصالات بنجاح, فعلى الأردن الإستثمار في عنصره البشري المؤهل لذلك لتحقيق مصالحه.
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأميركية
مستشار مجموعة DDL الأميركية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/05 الساعة 17:00