هبلة ومسكوها طبلة
لا نلوم الصغار والجيل الجديد فيما يقومون به من نزعة متطرفة وتفجير براميل الغضب بسبب أو من غير سبب، وتهافت على ما أنعم عباقرة التكنولوجيا من وسائل التواصل وتراسل المعطيات حين يستخدمونها لرفع منصات القذائف الصاروخية في كل شاردة وواردة تصدر هنا أو هناك، لا نلومهم لأنهم نتاج لتربية شبه منحرفة عن المعايير الأخلاقية في حسن التعامل مع ما يردهم من «الكبار» الذين يتأبطون بين فكيهم ألسنة حدادا غلاظا ليكيلوا التهم دون علم أو تحقيق والتعليقات الساذجة رغم أنهم يجلسون في مقاعد الكبار أو كما يراها البعض لكبار المناصب، ورغم تجاوز الكبار مرحلة الحلم، فهم لا زالوا في سن الرعاية.
عندما تضج منصات الكلام الإلكتروني بالشتائم والترهيب والنقد خارج الأدب ولغة الحط من قدرّ شخص أو جهة يمكن أن يقع فيها أي شخص صغيرا كان أو كبيرا، فهذا مرده للتربية المنفلتة من عقالها، فأسهل ما عند المستخدمين تحقير وتسفيه الآخر ولعنة ولعن أهله وأولاده، ولعن البيئة التي ولد فيها، وفي المقابل ينسون أنهم يطأون بألسنتهم وأصابعهم في ذات الوحل الذي انزلق اليه المُستهدف، ثم ويلّ وويّل لمن يناقش القضية بطريقة محترمة أو يسلط الضوء على جانب جميل لمن ثارت عليه ثائرة شعب فيسبوك وعشائر تويتر وجامعات تيك توك.
المثل المفيد بالوصف «هبلّة ومسكّوها طبلة»، هم نحن الذين نتجاوز أحياناً أدبيات وأخلاقيات كانت في مضى من زمن جميل حينما كان مئة رجل يجلسون ويستمعون الى رجل واحد حليم كريم فهيم، أما اليوم فنحن ضمن ألف رجل أو امرأة نتشابك خطوط الهذر والنقاشات وتبرم الشفاه مستهزئين فيما يستمع رجل واحد أو امرأة، والمرأة هنا لغايات تفادي لعنة الجندر التي علقت مشانقها لمن يقول أن الرجال قوامون على نسائهم، ولهذا رأينا كيف تضيع الحقيقة وسط عاصفة تقدح شرراً كلما وقعت علينا واقعة، فنترك الفاعل الصغير ونطلق النار على أعلى الشجرة.
تلك ليست حرية، فالحرية مقيدة بحدود الأدب والعلم بحقائق الأمور، والأدهى أن الحرية التي يعطيها بعض الناس لأنفسهم تتوقف عندما يكون النقد باتجاههم، ولذلك بات على الجميع اليوم الإنتباه الى أن قانون الجرائم الإلكترونية، مع التحفظ على بعض بنوده فيما يخص الإعلام تحديدا وآراء البعض ممن يصدقون القول ويخافون على مستقبل الوطن وأهله، فاليوم يسمح القانون لمن إدعى أنه تعرض للشتم أو الوصف بأوصاف قادحة ولاذعة وحط من قدر الضحية أن يقيم الحجة على المستخدم ويحاكمه وكثير منهم سُجن ودفع غرامات مالية كبيرة.
حتى هنا أتحدث عن العامة، وأنا قد أكون منهم يوما ما، ولكن ماذا عن الخاصة الذين تولوا أمرنا بقدرة قادر ثم ظهرت عليهم أعراض المرض النفسي الذي نعاني منه جرّاء عدم فهمنا لما يجري، وكيف يظهر علينا مسؤولون تكلسوا في وظائفهم ثم عند استحقاقهم للتقاعد يظهرون كالوحوش الكاسرة وتظهر البطولات بأثر رجعي، وتبدأ حفلات الردح ضد الحكومة أو ضد أشخاص بعينهم، ويخرجون من ذكرياتهم غير المحققة اتهامات وادعاءات غير مثبتة، وكل ما يقولونه بالنسبة لنا مجرد هرّاء لا قيمة له، لأن الشريف يقوم من مقعده في ذات اللحظة التي يرى فيها كسرا للقانون أو ضغوطا خارجية أو أفعالاً تمس المواطن أو المؤسسة، لا أن ينتظر حتى «يدفشه الرفاس على السحسيلة».
هناك العديد من المؤسسات التي يسند لها الفعل الرقابي، ولكنها لا تتعامل مع العفاريت لتعلم ما يجري في كواليس المؤسسات، ولعل أخطر عنصر في أي مؤسسة أو وزارة هم صغار الموظفين، فهؤلاء بمجرد غضبة أحدهم يخرج عن الطاعة، ويهمل في عمله وقد يتسبب بكارثة كما رأينا أخيرا في العقبة، ومثلهم الدرجات الأعلى تراتبية ممن صمتوا طويلا وانفجروا بأثر رجعي، ثم يخرج الجمهور يطالب بمحاسبة جهات لا دخل لها فعلياً، ولهذا رأينا كيف انتقلت القصة من ميناء الحاويات الى سلطة العقبة، وكيف تم وصف رئيسها بما لا يليق بنائب خارج الخدمة مؤقتا.
أعلم أن هناك العديد ممن لا يعجبهم مقالتي اليوم، ولكن هناك مسؤولية علينا لإعادة الإحترام للمنطوق والأفعال، تماما كما نغضب على من يشتمنا أو ينتقص منا أو يكذب علينا بالعموم دون أدلة.. إرموا الطبلة لو سمحتم.
Royal430@hotmail.com