يا خسارة..!
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/05 الساعة 01:11
فيما دفع الأردنيون 13 روحا من أرواح أبنائهم وأصدقائهم بحادثة رصيف ميناء العقبة، وذلك ثمنا لإهمال مسؤولين لم يقوموا بواجبهم، دفعت الحكومة، بعد التحقيق الذي أجرته مع نفسها، بحزمة إجراءات إدارية، أطاحت بموجبها بمسؤولين من الطبقة الثانية والثالثة، بعضهم تنتهي عقودهم الشهر القادم، أما المسؤول الأول الذي يترأس إدارة مجلس الشركة المعنية، فقد اختفى تماما من مشهد الفاجعة، لم نسمع صوته، ولم نسمع أنه تحمل المسؤولية الأخلاقية فاستقال، ولم تحمّله لجنة التحقيق أي مسؤولية.
هذه مفارقة، بالطبع، ضمن سياق مفارقات (فضائح إن شئت)، بعضها تجاهله تقرير اللجنة، وبعضها أشار إليه، كلها تصب في سؤال واحد (لغز: أدق)، وهو: أين المسؤول الأول؟ ولماذا لم يتحمّل مسؤولياته لتصحيح هذه الأخطاء؟
خذ مثلا (أنقل من التقرير حرفيا)، القيادات العليا والوسطى بالشركة مجرد موظفين وليس لديهم ممارسات قيادية (من عينهم ؟)، خذ ثانيا، نحو713 شخصا تم تعيينهم بالشركة منذ عام 2016، بدون أي سبب أو حاجة (من عينهم أيضا؟)، خذ ثالثا، تم التحقيق مع رئيس مجلس مفوضية السلطة بصفته رئيسا لإدارة الشركة المعنية، لم تثبت مسؤوليته عن شيء (ألم يسحب صلاحيات التعيينات والتنقلات من مدير عام الشركة؟).
خذ رابعا، كل التوصيات التي وردت بالتقرير أشارت لتطوير الشركة، وتقييم أداء موظفيها، وضمان السلامة العامة فيها (ماذا كان يفعل المسؤولون بالسلطة قبل الفاجعة، خاصة الإدارة العليا، لاسيما وأن مؤسسة الضمان الاجتماعي زودت إدارة السلطة، آذار الماضي، بتقرير يحذرها من أن وضع السلامة العامة والصحة حرج، وقبل ذلك تقرير لجنة شكلت بعد حادثة ميناء بيروت آب 2020).
يبدو واضحا أن ما ورد بالتقرير يدين الحكومات وسلطة العقبة، فالشركة التي يتحدث عنها التحقيق شركة حكومية، والمسؤولون الذين أهملوا القيام بواجباتهم موظفون عينتهم الحكومة، وإدارة السلطة بقيادتها ومفوضيها (اثنان كانا أعضاء بلجنة التحقيق: تصور!) يتقاسمون مسؤولية ما حدث، أخلاقيا على الأقل، وبالتالي فإن إجراءات إنهاء خدمات بعضهم، وابقاء الآخرين على رأس عملهم، لا تكفي، وربما تكون مشوبة بعوار قانوني أيضا.
مع الاحترام والتقدير لجهود لجنة التحقيق، برئاسة وزير الداخلية، فإن التوصيات والإجراءات التي أعلنتها كانت متواضعة جدا، وأقل مما انتظره الأردنيون، ومن حجم الفاجعة وأسبابها، التقرير مثلا لم يشر لمسؤولية مصنع الكلورين، ومشروعية نقل مادة خطرة على الطريق، دون علم سائقي الشاحنات (لا تسأل لماذا)، كما لم يشر إلى الأطراف التي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والمدنية، وهي الحكومة (وزير النقل مثلا) ورئاسة السلطة.
ما حدث في العقبة، واكتشفناه بعد أن دفعنا ثمنا باهظا، هو جزء مما حدث ويحدث بالعديد من مؤسساتنا العامة، والتشخيص الذي أشار إليه تقرير اللجنة، حول الموظفين الذين لا علاقة لهم بالقيادة، ينطبق تماما على مئات المسؤولين الذين نزلوا على مواقعهم بالواسطة والمحسوبية، لو لم تكن أحوال مؤسساتنا كذلك، لما شاهدنا هكذا أزمات وتراجعات وفواجع، ولما غرق مجتمعنا باليأس والإحباط والسوداوية.
بصراحة، للمرة الأولى منذ بدأت الكتابة قبل 40 عاما، أجد نفسي عاجزا عن التعليق على ما حدث، ليس لنقص بالمعلومات، ولا لقلة الكلام، وإنما لتجربة طويلة، وإحساس عميق بعدم جدوى كل ما نكتبه، المسؤولون عندنا لا يسمعون إلا صوتهم، والنتيجة بعد كل أزمة صدمة جديدة، والمحاسبة تتحور مثل “كورونا”، وتنتهي بذر الرماد بالعيون،لا ضمائر تصحو ولا عدالة تنتصب، الخاسرون دوما هم الأردنيون، الذين مازالوا يعضون على قلوبهم بالصبر، لحماية بلدهم من العاديات. يا خسارة
هذه مفارقة، بالطبع، ضمن سياق مفارقات (فضائح إن شئت)، بعضها تجاهله تقرير اللجنة، وبعضها أشار إليه، كلها تصب في سؤال واحد (لغز: أدق)، وهو: أين المسؤول الأول؟ ولماذا لم يتحمّل مسؤولياته لتصحيح هذه الأخطاء؟
خذ مثلا (أنقل من التقرير حرفيا)، القيادات العليا والوسطى بالشركة مجرد موظفين وليس لديهم ممارسات قيادية (من عينهم ؟)، خذ ثانيا، نحو713 شخصا تم تعيينهم بالشركة منذ عام 2016، بدون أي سبب أو حاجة (من عينهم أيضا؟)، خذ ثالثا، تم التحقيق مع رئيس مجلس مفوضية السلطة بصفته رئيسا لإدارة الشركة المعنية، لم تثبت مسؤوليته عن شيء (ألم يسحب صلاحيات التعيينات والتنقلات من مدير عام الشركة؟).
خذ رابعا، كل التوصيات التي وردت بالتقرير أشارت لتطوير الشركة، وتقييم أداء موظفيها، وضمان السلامة العامة فيها (ماذا كان يفعل المسؤولون بالسلطة قبل الفاجعة، خاصة الإدارة العليا، لاسيما وأن مؤسسة الضمان الاجتماعي زودت إدارة السلطة، آذار الماضي، بتقرير يحذرها من أن وضع السلامة العامة والصحة حرج، وقبل ذلك تقرير لجنة شكلت بعد حادثة ميناء بيروت آب 2020).
يبدو واضحا أن ما ورد بالتقرير يدين الحكومات وسلطة العقبة، فالشركة التي يتحدث عنها التحقيق شركة حكومية، والمسؤولون الذين أهملوا القيام بواجباتهم موظفون عينتهم الحكومة، وإدارة السلطة بقيادتها ومفوضيها (اثنان كانا أعضاء بلجنة التحقيق: تصور!) يتقاسمون مسؤولية ما حدث، أخلاقيا على الأقل، وبالتالي فإن إجراءات إنهاء خدمات بعضهم، وابقاء الآخرين على رأس عملهم، لا تكفي، وربما تكون مشوبة بعوار قانوني أيضا.
مع الاحترام والتقدير لجهود لجنة التحقيق، برئاسة وزير الداخلية، فإن التوصيات والإجراءات التي أعلنتها كانت متواضعة جدا، وأقل مما انتظره الأردنيون، ومن حجم الفاجعة وأسبابها، التقرير مثلا لم يشر لمسؤولية مصنع الكلورين، ومشروعية نقل مادة خطرة على الطريق، دون علم سائقي الشاحنات (لا تسأل لماذا)، كما لم يشر إلى الأطراف التي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والمدنية، وهي الحكومة (وزير النقل مثلا) ورئاسة السلطة.
ما حدث في العقبة، واكتشفناه بعد أن دفعنا ثمنا باهظا، هو جزء مما حدث ويحدث بالعديد من مؤسساتنا العامة، والتشخيص الذي أشار إليه تقرير اللجنة، حول الموظفين الذين لا علاقة لهم بالقيادة، ينطبق تماما على مئات المسؤولين الذين نزلوا على مواقعهم بالواسطة والمحسوبية، لو لم تكن أحوال مؤسساتنا كذلك، لما شاهدنا هكذا أزمات وتراجعات وفواجع، ولما غرق مجتمعنا باليأس والإحباط والسوداوية.
بصراحة، للمرة الأولى منذ بدأت الكتابة قبل 40 عاما، أجد نفسي عاجزا عن التعليق على ما حدث، ليس لنقص بالمعلومات، ولا لقلة الكلام، وإنما لتجربة طويلة، وإحساس عميق بعدم جدوى كل ما نكتبه، المسؤولون عندنا لا يسمعون إلا صوتهم، والنتيجة بعد كل أزمة صدمة جديدة، والمحاسبة تتحور مثل “كورونا”، وتنتهي بذر الرماد بالعيون،لا ضمائر تصحو ولا عدالة تنتصب، الخاسرون دوما هم الأردنيون، الذين مازالوا يعضون على قلوبهم بالصبر، لحماية بلدهم من العاديات. يا خسارة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/05 الساعة 01:11