خبر حزين لعشاق القهوة
مدار الساعة -يواجه العالم ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الغذائية الرئيسية كالقمح، لكن تغير المناخ يهدد باختفاء محاصيل زراعية كالفلفل الحار والقهوة والتفاح والشوكولاتة أيضاً. فما مدى خطورة الوضع؟
والمقصود بمصطلح التغير المناخي أو تغير المناخ هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مُسببةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار: نقص الغذاء.
وتناول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية بعنوان "من الفلفل الحار حتى القهوة.. كيف تتسبب أزمة المناخ في نقص الغذاء؟"، التداعيات السلبية لما يعانيه كوكب الأرض بصفة عامة من ارتفاع متسارع في درجة حرارته، ورصد بعضاً من الآثار المدمرة لتلك الظواهر المناخية، التي تستهدف بالأساس المحاصيل الزراعية التي لا غنى عنها.
انخفاض إنتاج الفلفل الحار بمقدار النصف
عانت شركة Huy Fong Foods، التي تتخذ من جنوب كاليفورنيا مقراً لها وتنتج سنوياً 20 مليون زجاجة سريراتشا، من انخفاض مخزون فلفل الهالابينو الحار خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تفاقم بسبب تلف المحصول في فصل الربيع. ويكمن السبب وراء هذا في سوء الأحوال الجوية وظروف الجفاف في المكسيك.
والسريراتشا هي الصلصة الحارة ذات الأصل الآسيوي، التي يعشقها مئات الملايين حول العالم، ويضعون وشوماً تصور الصلصة الحارة على أجسادهم، ويرتدون أزياءً مثل عبوة الصلصة الحمراء البلاستيكية في احتفالات الهالوين.
لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن النقص غير المسبوق في كمية هذه التوابل المحببة سوف تجعل عشاقها يهرعون لتجنب قضاء صيف بلا توابل حارة.
لكن الأمر لا يقتصر على الفلفل الحار، وإلا لكانت الأزمة مقتصرة على محبيه وحسب، لكن منتجي المسطردة في فرنسا وكندا قالوا إن الظروف المناخية القاسية تسببت في خفض الإنتاج بنسبة 50% في العام الماضي، ما أدى إلى شح هذه التوابل في أرفف الأسواق والبقالات، بحسب تقرير الغارديان.
إذ إن القيظ، والعواصف الأشد، والجفاف، والفيضانات، والحرائق، والتغيرات في أنماط الأمطار تؤثر جميعها كذلك على تكاليف المواد الغذائية الأساسية وتوفرها، بما في ذلك القمح والذرة والقهوة والتفاح والشوكولاتة. وتزيد الأزمة المناخية من شدة الظواهر المناخية القاسية ووتيرة تكرارها، ما يعرض إنتاج الغذاء للخطر.
كان بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، قد وصف قمة الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP26)، التي عقدت أواخر العام الماضي في غلاسجو، بأنها تمثل "نقطة تحوُّل للبشرية". كما وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، العام الماضي 2021، بأنه يمثل "جرس إنذار" للبشرية قبل أن يفوت أوان إنقاذ الكوكب من تداعيات التغير المناخي.
لكن مع مطلع العام ارتفع الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، من نفط وغاز طبيعي، مع تراجع حدة وباء كورونا، ثم جاءت الحرب الأوكرانية ومشاكل الغاز الروسي لتعيد دولاً أوروبية، مثل ألمانيا، إلى استخدام الفحم لتوليد الكهرباء، وهو ما يعني زيادة نسبة التلوث نتيجة للانبعاثات الكربونية، أي باختصار ازدياد حدة أزمة المناخ بدرجة مرعبة.
أزمة المناخ تعصف بالزراعة
كارولين ديميتري، أستاذة التغذية والغذاء في جامعة نيويورك، قالت للغارديان: "تقريباً كل شيء نزرعه ونعتني به في الولايات المتحدة يواجه إجهاداً مناخياً من نوع ما".
وفي هذا السياق، يعد القمح ومحاصيل الحبوب الأخرى سريعة التأثر. ففي السهول العظمى، حيث تُحصد غالبية القمح الأمريكي، تسبب الجفاف في إضعاف محصول الشتاء. فضلاً عن أن مستويات التخلي عن إنتاج قمح الشتاء في الولايات المتحدة، وبصورة أساسية في تكساس وأوكلاهوما، تعد الأعلى منذ عام 2002. وفي غضون ذلك، تهدد الفيضانات في ولاية مونتانا محاصيل الحبوب.
قالت كارولين: "يغدو هذا مهماً لأن الولايات المتحدة ليس لديها فائض كبير ولا تستطيع أن تسهم في هذه اللحظة تحديداً لسد فجوة إمدادات القمح العالمية بسبب الأزمة الأوكرانية".
iStock/ التفاح
يمتد تأثير أزمة المناخ على الحبوب إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة؛ ففي الهند، دمرت موجة حر شديدة محصول القمح بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في الربيع والصيف. ومع وصول درجات الحرارة في دلهي إلى 48 درجة مئوية في شهر مايو/أيار، حظرت الحكومة تصدير القمح، ما تسبب في رفع الأسعار أعلى من الارتفاعات التي أعقبت الهجوم الذي شنته روسيا ضد أوكرانيا.
ويمكن أن يحمل التغير المناخي تأثيرات شديدة على الإنتاج العالمي للقمح والذرة بحلول عام 2030، وذلك وفقاً لما توصلت إليه دراسة لوكالة ناسا في عام 2021، التي وجدت أن غلة محاصيل الذرة يقدر لها أن تنخفض بنسبة 24%.
يواجه التفاح هو الآخر خطراً بسبب المناخ؛ ففي العام الماضي، تعرض محصول التفاح في ولايتي ويسكونسن وميشيغان للخطر بسبب الصقيع الشديد في فصل الربيع. بحسب وزارة الزراعة الأمريكية، يمكن أن تؤدي التغيرات المناخية، مثل الاحترار، إلى قلة غلة المحاصيل، وانخفاض نمو المزروعات، وتغيرات في جودة الثمار.
قال ريكي روبرتسون، الباحث الكبير لدى المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) للصحيفة البريطانية: "البشر مخلوقات صغيرة متقلبة، ولذلك ما زلنا نزرع الغذاء والمحاصيل تنمو وتزيد، لكن مع ارتفاعات درجات الحرارة، يصبح التحدي أعظم".
كارثة القهوة تعصف بمنتجيها وعشاقها
تؤثر الظروف المناخية القاسية أيضاً على تكلفة القهوة. بين شهري أبريل/نيسان 2020 وديسمبر/كانون الأول 2021، ارتفعت أسعار القهوة بنسبة 70% بعد أن دمر الجفاف والصقيع المحاصيل في البرازيل، التي تعد أكبر بلد منتج للقهوة. ويمكن أن تكون التداعيات الاقتصادية عميقة، نظراً إلى أن التقديرات تشير إلى أن ما يصل إلى 120 مليون شخص من السكان الأفقر في العالم يعتمدون على إنتاج القهوة لكسب أرزاقهم.
قال جون فورلو، مدير معهد البحوث الدولي للمناخ والمجتمع التابع لمدرسة المناخ بجامعة كولومبيا (IRI)، إن مزارعي القهوة في أماكن مثل كوستاريكا وجامايكا لا يستطيعون الانتقال إلى أماكن ذات ارتفاعات أعلى نتيجة تحذيرات المناخ.
وأضاف للصحيفة البريطانية: "تخيل أن الجبل يشبه القُمع، فكلما تنتقل إلى أعلى تقل المساحة، ولذلك يشكل هذا خطورة".
سوف تغير أزمة المناخ أيضاً الأماكن التي يستطيع الفلاحون أن يزرعوا الكاكاو فيها، ويتوقع أن تعاني إنتاجات الشوكولاتة من نقص خلال السنوات القادمة بسبب تعاظم جفاف المناخ في غرب إفريقيا.
يشبِّه روبرتسون التحديات الزراعية المرتبطة بالمناخ بلعبة الكراسي الموسيقية؛ إذ إن المزارعين يجب عليهم نقل إنتاجهم من أجل التكيف مع ظروف الطقس الأدفأ والظروف المناخية القاسية.
"سوف يتوجب عليك أن تعمل بجد أكبر، وأن تعثر على مزيد من الأراضي لزراعتها. الأماكن التي تصير أقل صلاحية لزراعة الأشياء، هي أكثر من الأماكن الجديدة التي يمكنهم الذهاب إليها. صغار المنتجين على وجه الخصوص سوف يواجهون صعوبة في محاولة اكتشاف مكانهم في الكراسي الموسيقية"، بحسب فورلو.
محصول البن في البرازيل يواجه مصاعب ضخمة/ رويترز
إن إنتاج الغذاء هو محرك أزمة المناخ وضحيتها في الوقت ذاته. وسوف يتطلب تحول نظام الغذاء مجموعة كبيرة من الإجراءات، بما في ذلك زيادة تنوع المحاصيل، ونقل تنبؤات المناخ إلى المزارعين حول العالم، وتوسعة نطاق برامج الحفاظ على الموارد وعرض تأمينات على المزارعين يمكنها تعويضهم عندما تزيد أو تقل مؤشرات مثل الأمطار والرياح عن العتبة المحددة.
تدعم إدارة بايدن بحوث الزراعة "الذكية مناخياً"، وهو نهج لإدارة الأراضي الزراعية والغابات ومصايد الأسماك يحاول معالجة التحديات المتشابكة لأزمة المناخ والأمن الغذائي.
في مايو/أيار، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن الكوارث المرتبطة بالمناخ والطقس الشديد كانت محركاً لمجاعة عالمية، وإن 1.7 مليار شخص تأثروا من أزمة المناخ خلال العقد الماضي.
ويقول الخبراء إنه من دون اتخاذ إجراءات، يمكننا توقع زيادة أسعار الغذاء، وقلة توفره، والصراعات على المياه، وهو ما سوف يؤثر على الدول الأفقر بصفة أساسية والأمريكيين ذوي الدخول المنخفضة، ويشكل عبئاً على كل شيء؛ بدءاً من الوجبات المدرسية ووصولاً إلى برامج المساعدات الغذائية.
قال فورلو: "إننا نعاني في الولايات المتحدة؛ لأننا لا نستطيع الحصول على صوص السريراتشا. المزارعون الذين ينتجون هذا الفلفل لا يحصلون على ذلك الدخل، وإنه أقل من ثمن شطيرة خفيفة".