هل 'قبضت' تركيا حقاً.. 'ثمن' مُوافقتها على 'توّسِعة' الناتو؟
سؤال برسم الغموض الذي يكتنف حقيقة ما جرى وأدّى إلى تخلّي أنقرة عن «الفيتو» أعلنه الرئيس أردوغان, مباشرة بعد تقديم السويد/وفنلندا طلباً مُشتركاً للإنضمام إلى حلف الأطلسي. مُكرِّراً تمسّكه بهذا الرفض بعد هبوطه في مطار العاصمة الإسبانية/مدريد, ومُطلقاً تصريحاً غاضباً.. بأنه «يريد نتائج وليس كلاماً فارغاً», لم يلبث ان تخلّى عن «الفيتو».
يعزز من الغموض التصريحات/والبيانات المُتناقِضة التي أصدرتها الأطراف ذات الصلة بـ«الفيتو» التركي, خاصة تلك التي أشاعت أجواء من الارتياح في أروقة الإجتماع الذي وصف بـ«التاريخي» و«أَهم القِمم» لحلف الناتو, بعد توقيع «مذكرة تفاهم» بين الثلاثي التركي، الفنلندي والسويدي, بدت صياغتها المُعلَنة أقرب إلى العمومية وهو ما عكسته تصريحات الرئيس الفنلندي عن المذكرة الثلاثية, عندما كشف أنها «لا» تتضمّن أسماء أفراد مطلوب تسليمهم, مُضيفا أنها «تصِف تسليم المجرمين المتعلقة بالإرهاب ولا تتضمّن أفراداً».
لنذهب خصوصاً تجاه ما أطلقه مسؤولون رفيعو المستوى في الوفد المرافق لبايدن وقولهم: أنّ واشنطن لم تُقدم أيّ «تنازلات» لتركيا, لضمان إعطائها الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا للحلف، وأنّها لم تعرِض على أنقرة تنازلات بشأن انضمام هذين البلدين. بل هناك مسؤول أميركي بارز آخر كشف عن معلومة ذات دلالة عميقة المعنى والأثر, عندما قال: الرئيس بايدن اختار مُتعمداً «منع» الولايات المتحدة من أن تكون طرفاً في المفاوضات، أو أن تكون في موقف يُمكن أن تطلب فيه تركيا «إغراءات» من الولايات المتّحدة، وإن كان إعقب تصريحه بملاحظة تندرج في إطار العلاقات العامة بقوله: تركيا لم تطلب أبداً من الولايات المتّحدة أي شيئ للانخراط في المحادثات الثلاثية, رغم اعترافه في الآن ذاته أنّ «بلاده لعبت دوراً حاسماً في المساعدة على التقريب بين الطرفين».
ساذج مَن يُصدّق تصريحات مُخاتِلة كهذه, تبدو وكأنها تقول كل شيئ لكنها في واقع الحال لا تقول شيئاً، وإلّا كيف لتركيا ان تزعم ذلك بعدما برزت كأكبر المستفيدين من الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا, ثم «تطبيقها» المفاجئ لبنود اتفاقية مونترو, الخاصة بالمضائق التركية الواصلة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ثم منعها الطيران الروسي من العبور باتجاه سوريا وبالعكس، إضافة إلى تزويدها أوكرانيا بالسلاح وبخاصة طائرات بيروقدار المُسيّرة، فضلاً عن محاولات لعب دور الوسيط بين موسكو/وكييف، دع عنك محاولة توفير ممر آمن للحبوب والزيوت الأوكرانية، خاصةً إعلانها عن غزو وشيك للشمال السوري وإقامة منطقة أمنية هناك. رغم معارضة الولايات المتحدة حماية لحلفائها الكرد. دون تجاهل حقيقة أنّ أنقرة لم تتزم تطبيق العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الولايات المتّحدة ومجموعة G7 كذلك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو, لأسباب خاصة بها وليس رفضاً لهذه العقوبات نظراً للصعوبات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تعيشها تركيا والتي أسهمت من بين أمور أخرى في تراجع شعبية أردوغان.
من هنا فإنّ ادّعاء ناطق الرئاسة إبراهيم قالن بانّ بلاده «حصلت على ما تريده», لا يصمد أمام ما بدأ يتكشّف من تراجع تركي عن معظم المطالب التي أصرّ عليها الرئيس أرودغان، إن لجهة تسليم فنلندا والسويد أعضاء ونشطاء حزب العمال الكردستاني PKK, أم خصوصاً إلزام الولايات المتّحدة تنفيذ صفقة الطائرات الحربية F16 كجزء من المطالب التركية لرفع الفيتو عن انضمام الدولتين الاسكندنافيتيين.
قد يكون ما قاله أمين عام الناتو/ستولتنبرغ الذي كان «رابع» الثلاثي الرئاسي التركي والفنلندي والسويدي هو ما تمّ فعلاً, وخلاصته أنّ مذكرة التفاهم التي تمّ توقيعها «تستجيب لمخاوف تركيا في شأن صادرات السلاح ومكافحة الإرهاب».
ما يؤكد في الآن ذاته أنّ ما كان قاله الرئيس التركي هاتفياً لرئيسة وزراء السويد عشية ذهابه لحضور قمة الناتو بأنّه «يريد رؤية تعهدات مُلزمة بشأن جميع القضايا, وتنفيذها عبر خطوات ملموسة وكل ما من شأنه تبديد مخاوف تركيا, وتطلّع أنقرة إلى رفع ستوكهولم حظر بيع الأسلحة والقيود القانونية والفعلية عن قطاع الصناعات الدفاعية، فضلاً عن «تلبية» طلبات التسليم والترحيل، لم يكن سوى مُحاولة لتحسين شروط التفاوض, أكثر مما بدا محاولة جادة من أرودغان لمنع توسّع الناتو كي يصبح عديده الآن/32دولة, بعد توجيه الدعوة رسمياً لفنلندا/والسويد. (وما تزال أبوابه مفتوحة «رغم» رفض الرئيس/الروسي بوتين توسّعه), على ما قاله بغطرسة واستكبار أحد أبرز المُتشددين في الناتو/أمينه العام ستولتنبرغ, الذي أضاف أنّ «انضمام السويد وفنلندا سيُغيّر الوضع الأمني في البلطيق».