التمور الأردنية تنافس عالمياً
مدار الساعة - قبل ست سنوات عمل المزارع الأردني محمد إبراهيم، على بناء بيت شتوي على قطعة أرض يمتلكها في غور الأردن، لكن زيارة قام بها إلى مزرعة يمتلكها أحد أصدقائه في المنطقة جعلته يعدل عن خطته، وبدلاً من بناء بيت شتوي أنشأ مزرعة نخيل.
في ذلك الوقت لم يكن المزارع إبراهيم يعرف شيئاً عن زراعة النخيل، بل إنه فوجئ بزراعته في الأردن، كما يقول موضحاً إن تمر مزرعة صديقه أعجبه ودفعه إلى زراعة 40 دونماً (وحدة قياس لمساحة الأرض تعادل 1000 متر مربع)، وتطورت المزرعة حتى وصلت إلى 320 دونماً، تضم خمسة آلاف شجرة نخيل تنتج كلها تمور المجهول، والذي يعد من أجود وأغلى الأنواع عالمياً.
اهتمام رسمي متأخر
على الرغم من أن زراعة النخيل في الأردن ضاربة في التاريخ كما يقول رئيس جمعية التمور الأردنية المهندس أنور حداد، إلا أنها شهدت انطلاقتها الحقيقية في سبعينيات القرن الماضي، وكان من روادها الملك الراحل الحسين بن طلال، قبل أن يصار للالتفات إليها من زاوية اقتصادية مطلع تسعينيات القرن الماضي، وفق إفادة حداد، والذي ذكر أن مؤسسة الإقراض الزراعي، (حكومية تتمتع باستقلال مالي وإداري)، أجرت دراسة موسعة، تضمنت مسحاً شاملاً للأردن، للوقوف على المناطق المناسبة لزراعة النخيل، ورصدت ملايين الدنانير في الموازنات السنوية للمؤسسة لإقراضها للمزارعين بهدف التوسع في زراعة النخيل، الأمر الذي ما يزال معمولاً فيه حتى الآن.
وكشفت دراسة المؤسسة حول أفضل أنواع أصناف التمور الصالحة للزراعة في الأردن أن نوع "المجهول" تجود زراعته في مناطق الأغوار، ويبين حداد أن: "المجهول صنف مطلوب عالمياً، وذو جدوى اقتصادية، نظراً لارتفاع أسعاره مقارنة بغيره من أصناف التمور، إذ يتراوح سعر الكيلو بين 5 دنانير (7 دولارات) و10 دنانير (14 دولاراً)".
وقسمت الدراسة منطقة وادي الأردن (غور الأردن) إلى منطقتين رئيستين، الأولى تقع شمال مدينة دير علا التي تقع في أقصى شمال وادي الأردن حيث تجود فيها أصناف التمور التي تحتاج إلى تراكمات حرارية قليلة، وأوصت الدراسة بزراعة صنف "البرحي"، والثانية تبدأ من دير علا باتجاه الجنوب مروراً بمنطقة البحر الميت ووادي عربة وصولاً إلى مدينة العقبة (جنوب المملكة) وتجود فيها الأصناف التي تحتاج تراكمات حرارية عالية وأوصت الدراسة بزراعتها بصنف "المجهول".
إضافة إلى المنطقتين الرئيستين، أشارت الدراسة إلى إمكانية زراعة صنف "البرحي" في منطقة القويرة التابعة لمحافظة العقبة الجنوبية، ومدينة الأزرق شمال شرق المملكة.
لكن التوصية بزراعة صنفي "البرحي" و "المجهول" في الأردن لا تعني عدم وجود أصناف أخرى، كما يوضح حداد، والذين كان يشغل منصب مدير الدراسات والتخطيط في مؤسسة الإقراض الزراعي وقت إجراء الدراسة، ورأس فريق البحث، قائلاً "توجد أصناف متعددة مثل السكري والمبروم لكنها كميات قليلة جداً".
توسع وطموح كبيران
تكشف إحصاءات أردنية، التوسع المضطرد في زراعة النخيل وإنتاج التمور في الأردن، خلال الأحد عشر عاماً الماضية، إذ بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالنخيل 6 آلاف دونم في عام 2005 بواقع 93 ألف نخلة، منها 65 ألف نخلة مثمرة وبمعدل إنتاج تجاوز 3 آلاف طن من التمور، وفي عام 2016 قفزت مساحة الأرض المزروعة بالنخيل إلى 26 ألف دونم، تحوي ما يزيد على 47 ألف نخلة، بينها أكثر من 33 ألف نخلة مثمرة، بمعدل إنتاح فاق 20 طناً من التمور.
ويشير المهندس حداد إلى أنه، ومنذ مطلع عام 2017 وحتى نهاية مايو/ أيار وصلت المساحات المزروعة بالنخيل إلى 35 ألف دونم، تضم نصف مليون نخلة، وبمعدل إنتاج متوقع يبلغ 25 ألف طن من التمور.
وبحسب إحصاءات جمعية التمور الأردنية فإن نصف الإنتاج يوزع في السوق المحلي، فيما يصدر النصف الآخر إلى غالبية الدول العربية وحتى تلك المشهورة بزراعة النخيل وإنتاج التمور، خاصة الخليجية، وكذلك تصل صادرات التمور الأردنية إلى الدول الأوروبية، كما يوضح جدول الصادرات الصادر عن وزارة الزراعة الأردنية.
على الرغم من ذلك يستورد الأردن أضعاف صادراته من التمور، "لأن الإنتاج المحلي لا يكفي احتياجات السوق"، وفق ما قال رئيس جمعية التمور الأردنية، مشيراً إلى أن غالبية ما يستورده الأردن من التمور عبارة عن أصناف لا يتم إنتاجها في البلاد مثل الصقعي والخلاص والزاهدي".
ويطمح المزارعون المنتمون إلى الجمعية إلى أن يتمكن الأردن خلال الأعوام العشرة المقبلة من إنتاج 50 ألف طن من التمور سنوياً، بالنظر إلى استمرار معدلات التوسع عند معدلاتها الحالية، وزيادة إنتاجية النخيل المزروع.
المجهول سر المنافسة
تعمد المزارع محمد إيراهيم، زراعة أرضه بصنف "المجهول" فقط، إذ يعد صنفاً اقتصادياً، ويتزايد عليه الطلب في الأسواق المحلية والخارجية، وتضع دراسة مؤسسة الإقراض الزراعي، صنف "المجهول" الأردني في مقدمة الأصناف الاقتصادية، بسبب جودة زراعته في أربع مناطق في العالم فقط، هي إضافة للأردن، فلسطين المحتلة ومراكش في المملكة المغربية وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية.
ويشير المهندس حداد إلى إمكانية زراعة صنف "المجهول" في كثير من الدول العربية والأجنبية، لكنه يبين أن مواصفات "المجهول" المنتج في المناطق الأربع تفوق بكثير مواصفات المنتج في غيرها من حيث "المادة اللحمية عالية، قليل الحلاوة، يحوي سعرات حرارية عالية"، ويؤكد "حتى الدول التي تزرعه تقوم باستيراده من الأردن بحثاً عن المواصفات عالية الجودة".
وتشكل الأراضي المزروعة بصنف "المجهول" ما نسبته 70 بالمائة من مجمل الأراضي المزروعة بالنخيل في الأردن، حسب جمعية التمور الأردنية، ويقول المزارع إبراهيم "العديد من الدول التي تستورد التمور من الأردن لديها اكتفاء ذاتي بل فائض من إنتاج التمور، لكن النوعية تفرض نفسها في النهاية"، معتبراً أن الحفاظ على جودة المنتج المحلي من صنف "المجهول" والتوسع المخطط في زراعة يمنحان الأردن أفضلية في الأسواق العربية والعالمية، الأمر الذي يؤكد أنه "تحدٍ على جميع المعنيين بقطاع زراعة النخيل تحقيقه".
تحديات وخوف من عقبات
أنفق إبراهيم مئات الآلاف من الدنانير على مزرعته خلال أول أربع سنوات من تأسيسها، من دون أن يحقق أي دخل حقيقي أو أرباحٍ تذكر، إذ إن أشجار النخيل تحتاج إلى نحو خمس سنوات حتى تبدأ في طرح التمور بشكل اقتصادي، بينما تحتاج إلى عشر سنوات حتى تصل إلى ذروة إنتاجها، ويعتبر المزارع الأردني ذلك الأمر أحد التحديات التي تواجه المزارعين، كما يقول قبل أن يكمل حديثه، مشدداً على وجوب توفر ملاءة مالية مناسبة لمزارع التمور تمكنه من الصمود خلال السنوات الأولى.
وتشير دراسة مؤسسة الإقراض الزراعي إلى أن الجدوى الاقتصادية لزراعة النخيل تتجاوز 20 بالمائة من رأس المال، وتصل إنتاجية الشجرة إلى 75 كيلوغراماً قابلة للتسويق، فيما يحقق الدونم بعد السنة الخامسة من الزراعة إيراداً يصل إلى 100 دينار (141 دولاراً)، ويتجاوز 1500 دينار (2112 دولاراً) بعد السنة العاشرة.
لكن التحديات الكبيرة في نظر المزارع إبراهيم تتمثل في ندرة الأيدي العاملة الماهرة، وهي المشكلة التي تفاقمت بعد أن أوقفت وزارة العمل الأردنية في يونيو/ حزيران 2016 استقدام العمالة الوافدة، قائلاً لـصحيفة "العربي الجديد": "غالبية العاملين المهرة هم من الجنسية المصرية (..) منذ قرار وقف استقدام العمالة الوافدة نعاني من مشكلة كبيرة، خلال الموسم الماضي اضطررنا للاعتماد على العمالة المحلية غير الماهرة وكانت النتائج سلبية (..) خربوا أكثر مما اشتغلوا".
ويلفت إبراهيم إلى نقص المياه المتكرر، والذي يضطره إلى شراء المياه بشكل يزيد من المصاريف التي يتكبدها، وأخيراً يتخوف من الآفات، خاصة سوسة النخيل الحمراء، والتي يطلق عليها "سرطان النخيل".
وتقلق تلك التحديات جمعية التمور الأردنية، ويقر حداد بالأضرار الناتجة عن عدم توفر عمالة ماهرة، وفيما تؤكد وزارة العمل التزامها بوقف استقدام العمالة الوافدة وترفض النظر في طلبات الاستثناء التي يقدمها مزارعو النخيل، تسعى الجمعية ضمن خططها لتدريب العمالة المحلية.
وفي مسعى للحد من أثر نقص المياه، تقوم الجمعية بالتعاون مع وزارتي المياه والزراعة بوضع خطة استراتيجية لتنظيم التوسع بما يتواءم وتوفر المياه، في بلد يصنف ثاني أفقر دولة في المياه بالعالم.
وبينما تؤكد وزارة الزراعة على لسان الناطق باسمها، نمر حدادين "الاهتمام بقطاع زراعة النخيل وتقديم الإرشاد للمزارعين والمنتجين، وتذليل العقبات والمعوقات التي تصادفهم، وحماية منتجهم"، يرى مزارعو النخيل أن ما تقدمه الوزارة جهد متواضع ولا يتناسب والتحديات التي تواجههم، ودعا المزارعون الوزارة إلى عدم الاكتفاء بالتوعية والإرشاد من داخل مكاتبها وتشكيل فرق ميدانية تزور المزارع وتساهم في مكافحة الآفات التي تصيب النخيل، وتذليل العقبات المتعقلة بالمياه والعمالة الماهرة، معبرين عن تخوفهم من أثر التحديات التي تواجههم في المدى المنظور، بالإضافة إلى وضع تصور استراتيجي لمستقبل زراعة النخيل وإنتاج التمور على المدى الطويل، حتى لا تتحول التحديات إلى معيقات.
(العربي الجديد)