هذا ما دار بين عبدالكريم الدغمي وعبدالهادي راجي
هاتفني رئيس مجلس النواب الأردني أمس... في الساعة الحادية عشرة ليلاً... ظننته في منزله يستقبل بعض الأصدقاء, ولكنه اخبرني بأنه يطوف في السيارة وحيداً... ويبحث عن مكان لشراء السجائر... هذا أمر جيد رئيس مجلس نوابنا يخرج بسيارته لشراء السجائر وحده.
المهم سبب المكالمة أنه يريد أن يسأل عن اغنية: (يا مرحبا ويا هلا منين الركب من وين).. من كتبها ومن لحنها؟ واجبته بأن أصلها من العراق والذي أعاد صياغة الكلمات هو الشيخ رشيد الكيلاني... وأن الأغنية كانت كلماتها: (درب ببغداد التزم لزموه الخيالة.. ربع الكفاف الحمر والعقل ميالة)... ثم اسهبت في الحديث عن قصة الأغنية.
بعد ذلك سألني عن الهوية في الغناء... كنت بعكس عبدالكريم الدغمي تائهاً في الشوارع, ابحث عن محل سجائر يشتريني ومن ثم يبيعني لصبية تحرقني مثل التبغ وأكثر... وبدأت احكي لعبد الكريم عن الهوية.. قلت له: الأردن بلد غريب عجيب.. هل تعرف الحندقوق؟ هو نبات لا يزرع هو ينبت في الطبيعة هكذا, لكنه من أهم النباتات في العلاج وفي المناسف وفي كل شيء... اخبرته عن الشيح والقيصوم والجعدة.. هذه أيضا نباتات لاتزرع تنبت في الطبيعة هكذا... ثم استرسلت وأخبرته عن (رجل الحمامة), وهي رصيد مهم كان يوضع في خزانة السيدة الأردنية, أخبرته عن البابونج أيضاً.. وكيف كان يداوي المغص لدينا, والحنين للكرك حين نمضي الصيف في الزرقاء...
قلت له أنا وانت يا عبد الكريم, لم ننتج في جامعات غربية, ولا في مراكز الاعتقاد.. نحن لم نعلب ونباع كسلعة على رفوف الدكاكين, ونحن ايضاً لم نزرع في تربة خصبة ونسقى بالمال والأفكار الليبرالية والحداثية والتقدمية ثم نقدم كمنتج وطني في اسواق فرنسا وبريطانيا... نحن أيضا لم يتدخل السماد في نمونا, نبتنا بعلا وعجرفة على شح الماء والصخر.. السماد يسارع في نمو النبتة.. لكننا بالرغم من شيبنا يا رفيق وما زال القلب أخضرا...
نحن أيضاً لم نخضع لحسابات السوق المركزي, مثل البندورة... ولم نخضع لنظرية العرض والطلب.. والأهم أننا لم ندخل في حسابات (التفريز) والثلاجة, هل شاهدت (الحندقوق) يحفظ في (الفليزر).. هل أخبروك عن (قيصوم).. يغلف ومن ثم يجمد مثل الفاصولياء..
الحياة هي صراع بين نظرية التنقيط في الزراعة, وبين نظرية الري.. وبين عمليات التعليب والتفريز والعرض والطلب, وبين نبتة قررت أن تنبت هكذا في الطبيعة, دون تدخل من البشر ويكون اسمها (الحندقوق).... أنا مثلك يا صديق أريد أن انزوي على كتف هضبة في الكرك.. كالشيح تماماً, تداعبني الريح فقط.. وتلتقطني يد صبية في أول العمر... وتحضن كفها أوراقي, ولتجففني كيفما تشاء وتخبأني في وعاء من الحب... هذه هي الهوية يا عبد الكريم! هل عرفت معنى الهوية الآن...
بعد كل هذا السرد, صمت عبدالكريم... وقال لي: (تعال الأحد).. وأنا بقيت أطوف في شوارع عمان, أبحث عن محل سجائر يشتريني وليقم ببيعي لصبية في ربيع العمر, ولتقم يتدخيني.. ولا ضير أن أهدت البعض من تبغي لصديقتها.. ولكن حين تقوم بإطفائي في (المنفظة) كل ما أريده منها أن تكون يدها حانية قليلاً... وللعلم لا أريد ثمناً لي, مجاناً أريد انا أباع بالمجان.. وهل يوجد للحب ثمن؟
Abdelhadi18@yahoo.com