كي لا نستيقظ على جريمة جديدة

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/26 الساعة 00:39

الجرائم التي تقع على النساء والفتيات تكمن أغلبها في حواضن مختلطة، وكثير منها تقع في بيوت لا يعرفون جيرانهم أصلا ولا يهتمون، تلك الفجوة القاتلة في عقلية الشباب الجديد باتت مسرحا للجنون وحب العظمَة، والأخطر أن تلك القضايا الجرمية تجاوزت حدود العائلة المفككة فوصلت الى أطراف ليس لهم علاقة بالضحية، وهذا ما نخشاه من انتقال عقلية الإجرام في الأحياء والشوارع الى حرم الجامعات التي تهاونت في تطبيق مبدأ التربية ودعم بيئة الأخلاق لتصبح تلك المنارات العلمية ملاذا للطلبة من الجنسين لتفريغ أحاسيسهم التي لا يجدونها في بيئ? المنزل.

لا يعقل أن تقع ثلاثة نساء في أربع وعشرين ساعة ضحايا بين قتل متعمد لمجرم مترصد، وإصابة بعيار ناري نتيجة تبادل إطلاق نار لذوي الأسبقيات الجرمية واعتداء من طرف ثان في عرض الشارع العام، وفتاتين تتعاركان وسط حضور مجتمع الرجال دون أن يتدخل أحد لإبعادهن عن تلك المعركة التي تؤشر الى فساد مجتمع الأخلاق في زمن لم يعد للأخلاق قيمة عند البعض، وهناك من القضايا التي تعاني ملفات المحاكم مما فيها من شذوذ نفسي وعقلي وجرائم عائلية تأخذ جهدا وزمنا متعباً من وقت وأعصاب المدعين العامين والقضاة، وفي النهاية يخرج قرار الحكم مخفف? ولا يستحق عناء القضاة ولا ورق القضية.

ما الفائدة إذا من القضاء إذا كان المجرم حافظا للنصوص وعالما بثغرات القانون ليستطيع الإفلات من العقوبة بأحكام باهتة جدة، ويعود المرة تلو الأخرى للمحكمة وكأنه يذهب في نزهة مبرمجة كل شهر، ولو تعدلت قوانين العقوبات وغُلظت العقوبات وتم تخصيص غرف قضائية محددة للمجرمين تفصل بسرعة القرار وتدينهم بعقوبات مشددة والسجن لسنوات، لتم ردع تلك الفئات الضالة، ولكن الأحكام المخففة والأخذ بالرأفة هي المصيبة الأكبر من الجريمة نفسها.

وعودا على مجتمع الجامعات فإن المسؤولية تقع مباشرة على إداراتها عندما تسمح لأي شخص يدخل الحرم الجامعي وكأنه في سوق مفتوح، ورغم وضع ما يسمى تجاوزا حرس الجامعة، فإنهم غير مسؤولين عن ردع مشاجرة تقع كالعادة في الجامعات وتحديدا الخاصة، فهم لا يمتلكون صفة عدلية ولا شُرطية، ولا يحملون سلاحا بالتأكيد، وما جرى في إحدى الجامعات لا يتحمله طواقم الحراس، بل يجب وضع بوابات إلكترونية لا يدخل منها سوى الطالب أو الموظف ومجتمع الأساتذة، فضلا عن لك فعلى الجامعات مسؤولية إنتاج مجتمع طلابي متعاون، والبداية تأتي من الطلبة الجدد ?إدخالهم مساق فوري يفهمون فيه حقوق الآخر والحفاظ على الآداب العامة والأخلاق الحميدة وتمازج العلم مع الثقافة الراقية.

كنا في سابق السنين نتدخل لإصلاح مشاجرات صبيانية بين أبناء مدن الأطراف والتحشدات «الولدانية» قبل أن تتسع لتصل الى عائلاتهم، وكان المميز في عقلية المقاتلين الصغار أنهم يدرسون في التخصصات الأدبية، في المقابل فإن الكليات العلمية لا تجد فيها مثل تلك المشاجرات التي يستخدم فيها العصي والأسلحة البيضاء وأحيانا السلاح الناري، وتمتد أحيانا الى عائلاتهم، وهذا مقتل بيئة الجامعات التي لا تنظر الى الطالب إلا بنظرة التحصيل المالي حتى لو بقي في الجامعة لسنوات أكثر مما يجب، وفي النهاية نجد أن غالبية المشاكل والمشاجرات تأتي ?سبب فتاة علق أحدهم عليها أو حاول هز بذيله حولها.

من هنا نرى أن أكثر الجرائم المتعمدة لا يردعها إلا قانون عقوبات صارم وحازم وأحكام مشددة، واليوم للأسف لم يعد هناك سلطة أبوية أو عائلية على مجتمع الشباب عند كثير من العائلات خصوصا الفتيات مع قوانين أغمض عينيك واخفظ رأسك، وهذا ما يدفع بالنشء للخروج عن سلطة الأب والأم والمجتمع، فقد شهدنا كيف يحبس الأب لأنه قام بدوره لتأديب إبنته لخروجها(...) ثم عندما تقع ضحية لوحش فأنما يتوجب على الجميع إنصافها وإنصاف عائلتها.

أتحدث اليوم عن مجتمع محترم ومُقدرّ وصاحب أخلاق ورفعة، قد شابه قضايا لا علاقة له بها، ولكن إن بقينا على يوميات تقتل فيها فتيات شريفات بلا ذنب، فعلى الدولة أن تعيد مسار تفكيرها لتحصين المجتمع من تضخم حالة الإجرام، مع هبوب رياح الفقر والبطالة وعدم اليقين بمستقبل الجيل الجديد، وإن لم نتعاون جميعا لضبط إيقاع حياتنا على الاحترام ومخافة الله، فسنستيقظ على جرائم أكثر للأسف.

Royal430@hotmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/26 الساعة 00:39