بين الحق والحقيقة
يصعب التفريق، أحيانا، بين المعاني الدقيقة لكلمات، أو ألفاظ تبدو في ظاهرها، وكأنها تحمل معنى واحدا، مع أن هناك فروقا دقيقة بين معانيها، تجعل لكل لفظ منها دلالته الخاصة به.
فإذا كان الكثيرون منا يظنون ألا فرق في المعنى بين (الحق) والحقيقة) ـ فإن المتأمل المدقق، يجد أن ثمة فرقا واضحا بينهما.
فإذا كان (الحق) يرتبط بالحكمة، والصدق، والخير، وكل المعاني النبيلة، فإن (الحقيقة) تصف واقع الحال الكائن على الأرض؛ سواء كان حسنا أو قبيحا.
وحتى يكون هذا الكلام سهلا ومبسطا، نقول: إن (الحق) لا يدل إلا على الجانب الإيجابي، المتصف بالحكمة والإنصاف، والعدل والخير، وكل القيم الإنسانية السامية. أما (الحقيقة) فتصف واقعا قد يكون إيجابيا، وقد يكون سلبيا.. قد يكون طيبا، وقد يكون قبيحا، ولكنها (الحقيقة) الواقعة من عالم المثال الجميل بالضرورة إلى أرض الواقع الكائنة في الموقف أو الموضوع.
(الحق) أن يكون المواطنون أمام القانون سواء، أما (الحقيقة) فقد تكون مغايرة؛ بتمييز أشخاص على آخرين لأي سبب من الأسباب.
الحق أن يكون الحكم بين المتخاصمين بالعدل، أما الحقيقة فقد تبين أن الأمر ليس كذلك في الواقع.
الحق أن تكون حرية التعبير مصونة، أما الحقيقة فقد تدل على انعدام هذه الحرية بهذه النسبة أو تلك.
الحق ألا يتولى المنصب إلا من يستحقه بالكفاية والجدارة من دون تمييز أو محاباة. ولكن الحقيقة الواقعة قد تكون أبعد ما يمكن عن هذا كله.
ومما يقرب الفرق بين معنى كل من الكلمتين ـ أن (الحق) دائم، مستمر وثابت، يتفق عليه الجميع في كل زمان ومكان، بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وأعراقهم.
أما (الحقيقة) فمتغيرة، متحولة من حال إلى حال، قد تلتزم الحق وتطابقه، وقد تخرج عنه وتجافيه.
ولهذا، كان (الحق) من أسماء الله تعالى، المتصف بالدوام والبقاء، الذي لا يلحقه زوال، ولا تحوّل أو فناء.