صناعة الرأي العام والامن الإعلامي
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 14:29
بقلم - محمد عبدالحميد الهباهبة
تعيش الدول وشعوبها في القرن الحادي والعشرين, بأحداثه المتسارعة وغزارة معلوماته ومتغيراته المفصلية في شتى النواحي بحالة من إعادة التكوين، فأصبح الإنسان في صراع وسباق مارثوني مع الوقت والأحداث المتلاحقة، التي حتماً ستحدد مصيره ومستقبل كافة الشعوب والأمم المنتمي إليها حاضراً ومستقبلاً، حيث بدأت تظهر حالة من الانكماش للشعوب داخل هويّاتها وقوميّاتها وحدودها الجغرافية التي تشكلت وتراكمت في لحظة من الانفلات والفوضى العالمية قادها رجال دين وسياسيون وصولاً لعلماء الجنس البشري، وأصبحت تتحضر باللاوعي لمرحلة صِدام حضاري تقوده ظاهرياً تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية.
فإذا أعدنا قراءة التاريخ سنجده يُعيد ذاته بشكل أو باخر، ويرسل إشارات تحذيرية بقرب حدوث التغيير على الخريطة السياسية الدولية، وقرب البدء بعهد جديد بتحالفات ذات جذور مشتركة وأتباع كُثر أكثر خضوعاً وتقديماً للتنازلات.
ومن صور بعض القراءات التاريخية ظهر جلياً بُعيد انتهاء الثورة الفرنسية وانتشار مبادئها في أوروبا مروراً بتشكل الإمبراطوريات وانتهائها، ولادة أحزاب أيدولوجية رديكالية عنصرية، استحوذت على عقول الشعوب بداية نشأتها بخطاباتهم "الديماغوجية" فاستولت على الدول وسحقت المعارضين لأفكارها، وقيدت الصحافة الحرة والتدفق الحر للمعلومات ولم تتوقف بل سعت إلى تصدير أفكارها الى خاج الحدود.
وبدأت بتلك الفترة صناعة الرأي العام بشكل تنظيمي علمي لمواجهة الغزو الفكري والعسكري بهدف التأثير على آراء وسلوك الشعوب، ولدعم السياسات الخارجية للدول وخلق رأي عالمي جديد وتحالفات جديدة، وقد اتقنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا "البروباغندا " الإعلامية بشكل مذهل, فحصلت على مرادها بالحروب العالمية الأولى والثانية والأفغانية والباردة وأحداث الحادي عشر من أيلول وغزو العراق.
فأنشأت مراكز ومعاهد متخصصة تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفين بهدف دراسة سكيولوجية شعوبها والشعوب الأخرى ضمن هدف واضح ومحدد وهو حماية المصالح العليا للدولة، واستطاعت أن تحصن مواطنيها من اختراق الأفكار العابرة للحدود والقضاء على احتمالية تشكل بيئات حاضنة داخلها.
ترافقَ مع نشأة هذه المراكز والمعاهد ثورة إعلامية عالمية في عواصم الدول الغربية كما جرت العادة في كل شىء، فأنتجت إمبراطوريات إعلامية عملاقة تتغذى بمحتواها الإعلامي على توصيات المراكز والمعاهد، فأصبحت قادرة على صناعة الحدث ودعم قرارات دولها على الساحة الدولية.
ومع دخول تطورات هائلة في صناعة الإعلام، أضحت دول العالم الثالث وخصوصاً الشرق الأوسط تحت وطأت نوع جديد من الاستعمار الإعلامي، وتستند هذه الإمبراطوريات إلى معرفة كبيرة جداً بأدق التفاصيل الثقافية والتاريخية والسياسات الداخلية، ساهم في إعدادها كبار المستشرقين والمؤرخين الغربيين وأجهزة استخباراتهم وسفراتهم وبعض المنظمات الدولية، فأصبحت الشعوب المستهدفة تتلاقى جرعات هائلة من التوجيه الفكري.
وإذ ما اتجهنا وتعمقنا أكثر إلى منطقة الشرق الأوسط سنجد قوى إقليمية بدأت بالتقاط أهمية صناعة الرأي العام، ونشر أذرع ووسائل إعلامية عديدة في مختلف دول المنطقة مستثمرة وجود اتباع ومؤيدين لها داخل تلك الدول، وما يثير الرّيبة في مضمون الخطاب الإعلامي لهذه القوى الإقليمية ارتكازه على إرث تاريخي توسعي وطائفي، حيث أصبح الوضع أكثر تعقيداً بتحول منطقة الشرق الأوسط الى بيئة مثالية لنمو الجماعات والمليشيات المتطرفة التي تؤمن بنهج القوة، بالتزامن مع تجدد وظهور أحزاب متطرفة فكرياً وعقائدياً تؤمن بنهج العمل السياسي مستندين إلى عدة عوامل مؤثرة ساهمت في دعم توجهاتهم، منها تعدد الطوائف الدينية والقومية وتراجع الحال الإقتصادية والتعليمية والصحية والخدماتية والحقوق العامة وتأثير عوامل خارجية.
وما زال الأردن المستقر، يتأثر بشكل أو بأخر من حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة، مما يتوجب على صُنّاع القرار اتخاذ عدة إجراءات كفيلة لمزيد من الحصانة والمناعة للرأي العام والامن الإعلامي، فلا أحد ينكر حالة الجمود في الإعلام الرسمي وتعامله البرتوكولي مع الأحداث الهامة، مما دفع شريحة كبيرة من المواطنين لاستسقاء المعلومة من مصادر إعلامية خارجية غير موثوقة فأصبح عرضة للتضليل الإعلامي، وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي يقف المواطن رهينة لتجاذبات بين طرف مؤيد للحكومة يجهل الحقيقة، ومعارض للحكومة لا يمتلك الحقيقة، فتختفي الرواية والمعلومة الحقيقية ذات البعد الوطني.
وما زالت "البيروقراطية" تجثم على جسم المؤسسة الإعلامية الرسمية وفي مختلف مفاصل الدولة، متسببة في تشكل بيئة طاردة للكفاءات وقاتلة للإبداعات، فلا حل سواء اجتثاثها والخروج من إطار الدولة التقليدية، والعمل على إنتاج إعلام مؤثر يتوافق في مضمونه مع السياسات والمصالح العليا للدولة والهوية الأردنية العربية الإسلامية، بالاستناد إلى إنشاء مركز وطني متخصص بإشراف نخبة من المفكرين والمثقفين والباحثين، لإعادة صياغة وترتيب الأهداف الوطنية الاستراتيجية للدولة الأردنية مع التخلي عن فردية اتخاذ القرار إذا ما أردنا المحافظة على هويتنا الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة.
تعيش الدول وشعوبها في القرن الحادي والعشرين, بأحداثه المتسارعة وغزارة معلوماته ومتغيراته المفصلية في شتى النواحي بحالة من إعادة التكوين، فأصبح الإنسان في صراع وسباق مارثوني مع الوقت والأحداث المتلاحقة، التي حتماً ستحدد مصيره ومستقبل كافة الشعوب والأمم المنتمي إليها حاضراً ومستقبلاً، حيث بدأت تظهر حالة من الانكماش للشعوب داخل هويّاتها وقوميّاتها وحدودها الجغرافية التي تشكلت وتراكمت في لحظة من الانفلات والفوضى العالمية قادها رجال دين وسياسيون وصولاً لعلماء الجنس البشري، وأصبحت تتحضر باللاوعي لمرحلة صِدام حضاري تقوده ظاهرياً تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية.
فإذا أعدنا قراءة التاريخ سنجده يُعيد ذاته بشكل أو باخر، ويرسل إشارات تحذيرية بقرب حدوث التغيير على الخريطة السياسية الدولية، وقرب البدء بعهد جديد بتحالفات ذات جذور مشتركة وأتباع كُثر أكثر خضوعاً وتقديماً للتنازلات.
ومن صور بعض القراءات التاريخية ظهر جلياً بُعيد انتهاء الثورة الفرنسية وانتشار مبادئها في أوروبا مروراً بتشكل الإمبراطوريات وانتهائها، ولادة أحزاب أيدولوجية رديكالية عنصرية، استحوذت على عقول الشعوب بداية نشأتها بخطاباتهم "الديماغوجية" فاستولت على الدول وسحقت المعارضين لأفكارها، وقيدت الصحافة الحرة والتدفق الحر للمعلومات ولم تتوقف بل سعت إلى تصدير أفكارها الى خاج الحدود.
وبدأت بتلك الفترة صناعة الرأي العام بشكل تنظيمي علمي لمواجهة الغزو الفكري والعسكري بهدف التأثير على آراء وسلوك الشعوب، ولدعم السياسات الخارجية للدول وخلق رأي عالمي جديد وتحالفات جديدة، وقد اتقنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا "البروباغندا " الإعلامية بشكل مذهل, فحصلت على مرادها بالحروب العالمية الأولى والثانية والأفغانية والباردة وأحداث الحادي عشر من أيلول وغزو العراق.
فأنشأت مراكز ومعاهد متخصصة تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفين بهدف دراسة سكيولوجية شعوبها والشعوب الأخرى ضمن هدف واضح ومحدد وهو حماية المصالح العليا للدولة، واستطاعت أن تحصن مواطنيها من اختراق الأفكار العابرة للحدود والقضاء على احتمالية تشكل بيئات حاضنة داخلها.
ترافقَ مع نشأة هذه المراكز والمعاهد ثورة إعلامية عالمية في عواصم الدول الغربية كما جرت العادة في كل شىء، فأنتجت إمبراطوريات إعلامية عملاقة تتغذى بمحتواها الإعلامي على توصيات المراكز والمعاهد، فأصبحت قادرة على صناعة الحدث ودعم قرارات دولها على الساحة الدولية.
ومع دخول تطورات هائلة في صناعة الإعلام، أضحت دول العالم الثالث وخصوصاً الشرق الأوسط تحت وطأت نوع جديد من الاستعمار الإعلامي، وتستند هذه الإمبراطوريات إلى معرفة كبيرة جداً بأدق التفاصيل الثقافية والتاريخية والسياسات الداخلية، ساهم في إعدادها كبار المستشرقين والمؤرخين الغربيين وأجهزة استخباراتهم وسفراتهم وبعض المنظمات الدولية، فأصبحت الشعوب المستهدفة تتلاقى جرعات هائلة من التوجيه الفكري.
وإذ ما اتجهنا وتعمقنا أكثر إلى منطقة الشرق الأوسط سنجد قوى إقليمية بدأت بالتقاط أهمية صناعة الرأي العام، ونشر أذرع ووسائل إعلامية عديدة في مختلف دول المنطقة مستثمرة وجود اتباع ومؤيدين لها داخل تلك الدول، وما يثير الرّيبة في مضمون الخطاب الإعلامي لهذه القوى الإقليمية ارتكازه على إرث تاريخي توسعي وطائفي، حيث أصبح الوضع أكثر تعقيداً بتحول منطقة الشرق الأوسط الى بيئة مثالية لنمو الجماعات والمليشيات المتطرفة التي تؤمن بنهج القوة، بالتزامن مع تجدد وظهور أحزاب متطرفة فكرياً وعقائدياً تؤمن بنهج العمل السياسي مستندين إلى عدة عوامل مؤثرة ساهمت في دعم توجهاتهم، منها تعدد الطوائف الدينية والقومية وتراجع الحال الإقتصادية والتعليمية والصحية والخدماتية والحقوق العامة وتأثير عوامل خارجية.
وما زال الأردن المستقر، يتأثر بشكل أو بأخر من حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة، مما يتوجب على صُنّاع القرار اتخاذ عدة إجراءات كفيلة لمزيد من الحصانة والمناعة للرأي العام والامن الإعلامي، فلا أحد ينكر حالة الجمود في الإعلام الرسمي وتعامله البرتوكولي مع الأحداث الهامة، مما دفع شريحة كبيرة من المواطنين لاستسقاء المعلومة من مصادر إعلامية خارجية غير موثوقة فأصبح عرضة للتضليل الإعلامي، وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي يقف المواطن رهينة لتجاذبات بين طرف مؤيد للحكومة يجهل الحقيقة، ومعارض للحكومة لا يمتلك الحقيقة، فتختفي الرواية والمعلومة الحقيقية ذات البعد الوطني.
وما زالت "البيروقراطية" تجثم على جسم المؤسسة الإعلامية الرسمية وفي مختلف مفاصل الدولة، متسببة في تشكل بيئة طاردة للكفاءات وقاتلة للإبداعات، فلا حل سواء اجتثاثها والخروج من إطار الدولة التقليدية، والعمل على إنتاج إعلام مؤثر يتوافق في مضمونه مع السياسات والمصالح العليا للدولة والهوية الأردنية العربية الإسلامية، بالاستناد إلى إنشاء مركز وطني متخصص بإشراف نخبة من المفكرين والمثقفين والباحثين، لإعادة صياغة وترتيب الأهداف الوطنية الاستراتيجية للدولة الأردنية مع التخلي عن فردية اتخاذ القرار إذا ما أردنا المحافظة على هويتنا الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة.
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 14:29