بين الحقوق الدستورية والرقابة السينمائية

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/21 الساعة 01:31

قررت هيئة الإعلام قبل أيام منع عرض أحد الأفلام السينمائية الذي يتضمن مشاهد غير لائقة، حيث استندت الهيئة في قرارها إلى نظام المصنفات المرئية والمسموعة ومراقبتها رقم (63) لسنة 2004، الذي يحظر إجازة أي مصنف يحتوي على مادة مروجة للإباحية أو الإنحراف أو الإساءة للنظام والآداب العامة.

وكعادتها، فقد سارعت الهيئات الدولية إلى انتقاد هذا القرار، حيث وصفت «منظمة العفو الدولية» الحب بأنه أسمى حقوق الإنسان التي يتعين على الدول تكريسه والدفاع عنه، وبأنه لا يجوز الرقابة على أي تصرف يُعبر عن الحب بين شخصين بصرف النظر عن جنسهما.

إن هذا التباكي الذي اعتدنا عليه من المنظمات الدولية قائم على أساس الانتقائية في تطبيق منظومة حقوق الإنسان. فأصبح الاستشهاد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذريعة التقليدية للهجوم على المؤسسات الوطنية. فهيئة الإعلام يراها المجتمع الدولي اليوم بأنها قد تنكرت لإحدى أهم الحقوق الملاصقة للفرد، وهو حقه في التعبير عن أفكاره ومبادئه الخاصة به، وحريته في اعتناق الآراء دون مضايقة.

وفي معرض الدفاع عن «قدسية» قرار هيئة الإعلام، يجب الإشارة إلى أن الدستور هو التشريع الأسمى في الدولة، الذي يتقدم من حيث الأولوية في التطبيق على أي اتفاقية دولية في حال حدوث أي اختلاف أو تعارض بين القواعد القانونية. فالدستور الأردني يعتبر الإسلام دين الدولة واﻷسرة هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق، وهذه الأحكام تفرض على مؤسسات الدولة، ومن ضمنها هيئة الإعلام، أن تحافظ على كيان المجتمع بعناصره المتعلقة بالأمن والنظام والآداب العامة.

في المقابل، فإن المواثيق الدولية التي يتمسك بها البعض لتكريس حقوق الإنسان هي ذاتها التي تعطي الدول الأعضاء الحق بفرض القيود على ممارستها على الصعيد الوطني. فالمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، تجيز في الفقرة (3) منها للدول الأعضاء أن تُخضع هذا الحق لقيود تنظيمية، شريطة أن تكون محددة بنص واضح في القانون، وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة.

وفي معرض تفسيرها لهذا النص القانوني، توسعت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم (34) لسنة 2011 بالقول إن القيود على حرية الرأي والتعبير يجب أن تصاغ بشكل واضح ومحدد، وأن تكون متاحة لعامة الجمهور للإطلاع عليها، وأن تطبق على الجميع دون استثناء، وبشكل يتناسب مع طبيعة الخطر المراد دفعه أو الحماية منه. ويبقى التساؤل حول مدى تكريس هذه القيود الدولية التي يمكن فرضها على حرية الرأي والتعبير من قبل هيئة الإعلام، حيث تؤكد الهيئة أنها قد استندت في قرار الحظر إلى نصوص تشريعية في نظام المصنفات المرئية والمس?وعة ومراقبتها، وأن هذه القيود قد تمت صياغتها بشكل واضح وصريح في المادة (4) من النظام التي تعطي الحق لهيئة الإعلام بمنع عرض أي فيلم سينمائي فيه مخالفة للنظام والآداب العامة. كما أن هذا النظام متاح للإطلاع عليه من قبل الكافة، بعد أن جرى التصديق عليه ونشره في الجريدة الرسمية، وهو يطبق على الجميع على قدم المساواة دون تمييز.

وفيما يخص شرط التناسب بين القيد على حرية الرأي والتعبير والغاية المنشودة منه، فنجد أن الهدف من رفض عرض الفيلم السينمائي قد عبّرت عنه هيئة الإعلام بالمحافظة على قيم المجتمع الأردني وعاداته وتقاليده، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بحماية النظام العام والآداب العامة، التي تعتبر مبررا للخروج عن القواعد الواردة في العهد الدولي الخاص من قبل الدول الأعضاء فيه.

وعليه، فإن الرقابة السينمائية لا تتعارض مع تكريس الحقوق الدستورية، التي لا تكون مطلقة بطبيعتها وإنما قابلة للتنظيم وفق أحكام القانون.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق/الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/21 الساعة 01:31