عن (نادر) الذي رحل
مضى قبل أيام إلى النهاية الحتمية لكل من على هذه الأرض أعني بها الموت نادر إدريس التل، وإدريس التل كان من أقطاب العمل البرلماني في ستينات القرن الماضي، لكنه قضى ومضى إلى بارئه في ريعان شبابه، وأوج عطائه، وذروة حضوره، تاركاً ورائه كوكبة من الصبيان والصبايا كان ألمعهم نادر الذي تميز عن أقرانه بولعه بالقراءة والثقافة والبحث في بطون الكتب،لكن نقطة التحول الحاسمة في حياته كانت عندما انخرط بالعمل الفدائي بعد هزيمة حزيران، وكان يومها على مقاعد الدرس في مدارس إربد، ومع انخراطه بالعمل الفدائي صار يسارياً ماركسياً، و?نا لابد من التوقف للقول بأننا أخفقنا حتى الساعة في تربية شبابنا تربية وطنية حقيقية من خلال المناهج ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وتركنهم نهباً للآخرين من أصحاب المدارس الفكرية والسياسية التي لا تلائم تجربتنا الوطنية.
مع انحسار العمل الفدائي عانى نادر كثيرا، لكن معناته لم تثنه عن عشقه الأول، أعني به القراءة والبحث عن الحقيقة، فسعى إلى تأسيس دار للنشر، بعد أن تعب حتى أصدر كتابه الأول الذي حمل رؤيته الاقتصادية.
حب الراحل نادر للبحث عن الحقيقة هو الأمر الذي أفاده في كهولته حيث قاده إلى مراجعة الكثير من قناعته ومواقفه الفكرية،فلم يعد يساري النزعة بل على العكس من ذلك تماماً.
تجربة نادر رحمه الله تقدم دليلاً صارخاً على سوء تعامل مجتمعنا مع العقليات العبقرية، فكثيرون هم العباقرة الأردنيون الذين انتهى بهم المطاف إلى العزلة أو الانتحار، وكان القاسم المشترك بينهم الحاجة والعوز، لأن العبقرية تتناقض مع ذل السؤال أو إراقة ماء الوجه بالنفاق، أو اعتناق ثقافة التفاهة.
رغم التباين الفكري بيني وبين نادر خاصة في بدايته الأولى، إلا ان علاقة متميزة ربطتني به، فوق القرابة القريبة، وفوق الجوار بالسكن في اربد فقد كنا صديقين، إلى أن اختار رحمه الله العزلة التي أبكاني خبر خروجه منها، فقد كان خروجاً إلى الدار الآخرة، ندعو الله أن تكون له خيراً من الدنيا.