فايز الفايز عاتباً على وزارة الأوقاف: تحفيظ القرآن أم ترويضه؟
في الصومال ذات الحرّ والفقرّ والدمار الذي جعل من الصوماليين العرب طرائد وجوعى وقتلى بلا ذنب، يتخرج سنويا من كتاتيب القرّاء عشرات الآلاف من الأطفال والرجال حافظي القرآن الكريم بقراءاته السبع، وهم يشيعون نورا يكشف للأجيال روح التسامح والعودة الى السلام، فيما مصر لا تزال هي الأخرى تعتمد زوايا القرّاء ومشايخ القراءة لتعليم الأطفال القرآن الكريم، وفي غزة يتخرج سنويا ما يقارب خمسين الف حافظ، وفي دول أوروبية باستثناء فرنسا تفتح مراكز تحفيظ القرآن وتعليم الأطفال اللغة العربية والإدماج ضمن المجتمعات التي هاجر فيها العرب خصوصا من شمال أفريقيا، ليكوّن الجميع مجتمعات متآلفة، يشاركون المناسبات الدينية والأعياد في الكنائس كما هي في المساجد.
عندنا في العالم العربي الرسمي مزاج عكّر، فبعد أكثر من أربعين عاما على دعم الجهاد، غير المقدس طبعا، وانتاج الجماعات الجهادية حول العالم من أفغانستان حتى البلقان وبورما، وبعيدا عن إسرائيل المحتلة، عدنا الى تعاليم المقررات الغربية المتعلقة بمراقبة المساجد والمراكز التي يُعطى فيها الدروس الشرعية والآداب التربوية التي لم نعد كأرباب أسرّ نستطيعها جرّاء الانفلات القسري والقهري عبر ما تصنعه لنا ناقلات البث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها أو عبر منصة اليوتيوب، ومن هناك باتت متابعة الأفلام والمساحة الكبيرة للمحرضين على الانسلاخ من القيّم والوطنية أكبر وأسهل من أن يلجأ النشء الى تعلم التاريخ الجميل وفضائل التسامح ومحبة الناس ودعم حرية المعتقدات الدينية للجميع.
لذلك راينا ونرى أن حفظّة القرآن وكبار شيوخه وصغار الشباب اللذين ينشأون نشأة سوية عبر تعاليم القرآن الكريم هم الأكثر انفتاحا على الآخرين، لأن القرآن وتفسيره وما بين طيات كتب السُنة هما وعاءان كبيران للفهم الحقيقي للديّن وصون كرامة الآخرين، فالإنسان يبقى إنسانا ضعيفا لا إلهاً متجبرا على الأرض، فيما أكثر ما نقرأه ونراه من سلوكيات شاذة تنكر على غير المسلمين معتقدهم وتتعاظم مساحة الردح والرد السفيه لا تأتي إلا من الجاهلين أو أنصاف المتدينين.
لا أدري إن كنت قد رويت مشهدا مؤثراً في بداية التسعينات أو لم أروه، حيث كانت الحرب الثلاثينية على العراق 1991، حيث كنت وصديق لي نسير عبر شارع فيصل في وسط عمان، حيث كانت هناك محلات ومن ضمنها "بار" أي مشرب خمور، وفجأة وجدت أمامنا عدداً من السائحين الغربيين وهم يسرعون في الخروج من زقاق جانبي، فوقفنا نستطلع الأمر، فوجدت أن صاحب البارّ وهو مسيحي ومعه ثلاثة من زبائنه يطردون المجموعة، وأحدهم يتحدث إليهم بالإنجليزية حتى أشبعهم شتائم لأن بلادهم هاجمت واعتدت على العراق وأن العرب أفضل وأشرف من كل القوات التي تكالبت عليهم، وها دليل على أن الوطنية لا ترتبط بمعتقد.
من هنا نعتب على وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، في إجراءاتها التي عمدت لها ضد نشاطات تتعلق بدورتحفيظ القرآن في مراكز جمعية المحافظة على القرآن وغيرها، واشتراط وجود مدرس يحمل شهادة اعتماد من الوزارة وأن لا يقل المؤهل العلمي لمقدمي الدورات عن الماجستير، فضلا عن اشتراط الحصول على موافقة للعمل إن كان المدرس عاملاً في القطاع الحكومي، وهذا ما يراه الكثيرون مخالفة شرعية وتحقيقا لإملاءات خارجية ، خصوصا أننا في فصل الصيف والعطلة المدرسية الطويلة التي يمكن للنشء أن يتعلم فيها اللغة العربية التي أضعناها وقواعد الآداب والتكافل وحفظ القرآن عبر الوسطية التي يعتمدها الأردن كمناهج أطلقت من أجله رسالة عمان منذ عقد ونصف.
في المقابل نرى الشكاوى التي أكدتها الوزارة من أن هناك عجزاً في عدد الأئمة ما يزيد عن أربعة آلاف منبر في المحافظات، فكيف يستوي هذا القرار مع الهوية الوطنية الاسلامية للدولة والمجتمع الذي يتشاركه مسيحيون ثاروا يوما على قرارات الوزارة سابقا لعدم إقامة صلاة الجمعة فترة كورونا، فنحن شعب عربي مسيحي ومسلم ولسنا في دولة علمانية، ولهذا يجب العدول فورا عن القرار وترك المجتمع الديني يتعامل مع المراكز بعيدا عن التجاذبات السياسية، فالقضية هي تحفيظ القرآن لا ترويضه لغايات أخرى، أفلم يقرأ مشايخنا الأجلاّء أن أول كلمة نزل بها القرآن هي اقرأ، و"إنا له لحافظون" فكيف نحكم على الفضيلة بتسخيف المشهد وحشره في زاوية الريبة؟
Royal430@hotmail.com