باحثون وخبراء يرصدون من الأردن التحولات والتغييرات التي حدثت على 'الإسلام السياسي الشيعي'.. صور
مدار الساعة -دعا باحثون وخبراء إيرانيون وعرب إلى تجاوز الصورة النمطية التقليدية عن الإسلام الشيعي عموماً، والسياسي الشيعي خصوصاً والانتقال نحو القراءة المعرفية والموضوعية لفهم التحولات الكبيرة التي حدثت خلال الفترات السابقة والأخيرة.
ورصد الباحثون في المؤتمر العلمي المغلق - الذي عقده معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية- مكتب عمان- العديد من التحولات الجوهرية سواء على صعيد تطور الفكر السياسي الشيعي أو حتى الحالة الإيرانية، والأوضاع في العراق، وناقشوا أوضاع المرأة في الأوساط الشيعية في المنطقة العربية، والقوى السياسية الشيعية في الخليج، ثم السياسات الخارجية الإيرانية والجيوبولتيك الشيعي وأخيراً السياسة الخارجية الأردنية تجاه إيران والقوى السياسية الشيعية.
إلى ذلك كانت أعمال مؤتمر "الإسلام السياسي الشيعي في السلطة: قراءة في التجربة وانعكاساتها" اختتم يوم السبت القادم بعد جلسات حوار مكثقة ونقاشات شملت عشرات الباحثين والخبراء، استمرت ليومين متتالين، عبر الاتصال الافتراضي Zoom .
من جهته أكّد د. محمد أبو رمان، مستشار معهد السياسة والمجتمع، أن المؤتمر يأتي ضمن الاهتمام البحثي لكل من معهد السياسة والمجتمع ومؤسسة فريدريش أيبرت، إذ جرت العادة على عقد مؤتمرات سنوية متخصصة في دراسة الحركات الإسلامية، لبناء منظورات منهجية وبحثية موضوعية في هذا الحقل واستدراج الباحثين والمتخصصين وتكوين "شبكات بحثية" وتقديم تصورات أفضل في هذا المجال المهم، بديلاً عن الصور النمطية أو الأحكام المسبقة المعلّبة أو المؤدلجة الجاهزة.
ووفقاً لأبو رمان فإنّ مؤتمر هذا العام تميّز بالخروج عن النسق المعتاد للمؤتمرات السابقة، موضحاً " رأينا ان ننتقل هذا العام لدراسة الإسلام السياسي الشيعي لما لمسناه من فجوة حقيقية وعميقة على أكثر من مستوى في العالم العربي في التعامل مع الإسلام السياسي الشيعي، بخاصة أنّنا لم نعد نتحدث حصرياً عن الثورة الإيرانية، بل عن قوى نافذة وفاعلة وفي السلطة في كل من العراق ولبنان واليمن، ولديها حضور ملحوظ في البحرين والكويت وسورية، وتأخذ صوراً متعددة ومتنوعة من العمل السياسي والعسكري والديني والفكري".
وأشار أبو رمان إلى أنّ المؤتمر حرص على اختيار مشاركين ممن لا يحملون مواقف أيديولوجية جاهزة، فركز على الباحثين والخبراء والمفكرين؛ وأن الهدف الرئيس هو الفهم والتحليل والقدرة على التنبؤ، وهي الوظائف الطبيعية الأساسية للبحث العلمي، مشيراً إلى أنّه "من الضروري أن يمتلك صناع القرار والسياسات في العالم العربي رؤية أكثر عمقاً ومفصلة لهذه القوى والتيارات، ولا يكون الموقف فقط مع أو ضد، أو ـصورات غير خاضعة لقراءة دقيقة، وهو ما ثبت عبر أوراق المؤتمرات التي كشفت بصورة كبيرة أن هنالك تحولات وتطورات جديرة بالقراءة والمتابعة والتفكير تحدث في أوساط القوى والتيارات الشيعية المتنوعة والمتعددة".
وانتهى أبو رمان إلى القول " من الخطأ الفادح أن نحكم مسبقاً على الإسلام السياسي الشيعي إيجاباً أو سلباً، أو أن نضع الجميع في "حزمة واحدة" فنحن – كما هي الحال في الإسلام السياسي السني- أمام حركات وجماعات متنوعة ومتعددة، وسياقات سياسية وتاريخية مختلفة ومتباينة".
وقدّم في الجلسة الأولى البروفيسور محسن كاديفار، أستاذ الدراسات الإسلامية وأحد المفكرين والفقهاء الشيعة الإصلاحيين المعروفين (ومن تلاميذ المرجعية الشيعية الراحل، حسين منتظري) ورقة مهمة عن تطور الفكر السياسي الشيعي، رصد فيها أبرز الأراء والاتجاهات الفقهية والتاريخية وتطور التصورات المختلفة حول السلطة، وصولاً إلى "ولاية الفقيه"، التي رأى كاديفار أنّها تمثل رأي الأقلية من الفقهاء الشيعة قديماً وحديثاً، وأن أغلب الاتجاهات الشيعية ذهبت نحو اتجاهات أخرى وبدرجة كبيرة لاستقلال المؤسسات الدينية عن السياسية.
أما الجلسة الثانية، فقد تناولت التجربة الإسلامية في إيران قدم خلالها د. علي معموري، الباحث المتخصص في دراسات الدين والذي عمل أستاذا في جامعات وحوزات إيرانية وعراقية، ورقة حول واقع التجربة وآفاق مستقبلها، ورأى معموري بأن التجربة في إيران مرت بمراحل نقدية أساسية، أصابت جوهر وجودها السياسي، ما ينبئ باستمرارية التطورات والتغييرات في مساراتها العامة. فيما تحدث أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية ببيروت د. ساري حنفي عن دور الحوزة العلمية وتحولها من الاستقلالية إلى التبعية السياسية –بحسب وصفه-، مستعرضاً واقع المدارس الشيعية في لبنان بصورة أكثر تفصيلاً، ومشيراً إلى الخلافات الفقهية والفكرية بين المرجعية الإيرانية والمرجعيات التي برزت في لبنان، كمحمد حسين فضل الله ومهدي شمس الدين.
في حين خُصصت الجلسة الثالثة للحديث عن شيعة العراق بين العمل السياسي وسؤال الهوية استضافت فيها د. عقيل عباس، الباحث والخبير العراقي في مجال الإعلام والثقافة، فتحدث عن تحولات الهوية في خطاب قوى الإسلام السياسي الشيعي في العراق، إذ يعتقد عباس في ورقته بأن خطاب هذه القوى بسبب طبيعته الهوياتية المرتبطة بسردية ظلم تاريخي، فإنه يقوم على توظيف صراعات ثنوية أخلاقية لتشكيل شرعيته الدينية والسياسية.
في المقابل ناقش د. حيدر سعيد، الخبير والباحث في المركز العربي للدراسات، موقف القوى السياسية الشيعية الحاكمة من النظام التوافقي في العراق، ويرى سعيد بأن النخب الإسلامية الشيعية على الرغم من عدم وعيها للنظام التوافقي الذي تشكل ما بعد 2003 إلا أنها كانت تسعى لأن يكون النظام السياسي على الاعتراف بالهويات الفرعية بوصفها هويات سياسية تشكل النظام السياسي.
و قدم د. علي طاهر الحمود، الباحث والأكاديمي العراقي ومستشار المؤتمر، ورقة عن إدراك الهوية لدى الأجيال الشيعية وتجددها، سلط الضوء على الجيل الشيعي الجديد الذي قاد التظاهرات في مطلع تشرين أول عام 2019، ورفع شعارات يتجاوز سقفها شعارات الأجيال السابقة، وتحمل وعياً سياسياً مختلفاً، بخاصة أنّ نسبة كبيرة من هؤلاء لم تدرك المرحلة السابقة على حرب العراق 2003، وبالتالي لم تعايش بصورة كبيرة نظام حكم الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، بل ولد وعيها على حكم القوى السياسية الشيعية في العراق وتحديات داخلية وخارجية أخرى، منها جدلية العلاقة مع إيران.
ثم ناقشت الجلسة الرابعة نموذج حزب الله في لبنان وتأثير التحولات الإقليمية والإطار الطائفي اللبناني الذي فاق تأثير الإيديولوجيا -التي تبقى مهمة في إطار التحكم بقاعدته الشعبية واستقطاباتها- على الأطوار التي مر بها الحزب بحسب رأي الباحث المقيم في معهد كارنيغي د. مهند الحاج علي.
في اليوم التالي، افتتح المؤتمر جلسته الخامسة بالحديث عن الإسلام السياسي الشيعي في منطقة شبه الجزيرة العربية آخذةً حالتي اليمن تناول فيها الباحث في الشؤون اليمنية في معهد كارنيغي أحمد ناجي وقد أشار إلى أن ضعف الحكومة المركزية والانقسامات السياسية بين الأحزاب السياسية اليمنية والأوضاع الاقتصادية الصعبة شكلت عوامل مهدت الطريق نحو صعود حركة أنصار الله.
أما الباحث في الاجتماع السياسي والمدير التنفيذي لمركز المواطنة (الأردن)، عبدالله الجبور، فقد تناول في ورقته الحركات السياسية الشيعية في البحرين، وأخذ جمعية الوفاق نموذجًا، كحركة سياسية اسلامية سيطرت في وقت من الأوقات على أغلب المقاعد في البرلمان البحريني إلى أن انتهى بها المطاف إلى الحل واعتبارها جمعية خارجة عن القانون.
واستنتجت ورقة الجبور أن التدخل الخارجي في البحرين وموقعها الجغرافي جعلاها تتبنى مسار تحول ديمقراطي حذر بعد الملكية، مضيفاً أن الانشقاقات التي حصلت داخل الوفاق أثّرت في أدائها السياسي خلال فترة تواجدها في البرلمان، بالإضافة إلى علاقاتها الدولية التي أنهت تجربتها بتهمة الطائفية السياسية، وبالرغم من ذلك لا يزال للجمعية اتصال سياسي بالمجتمع البحريني وتؤثر فيه.
ثم جاءت الجلسة السادسة لتسلط الضوء على السياسة الخارجية الإيرانية وسؤال تصدير الثورة وقدم فيها د. عماد أبشناس، أستاذ العلاقات الدولية رئيس تحرير صحيفة (إيران ديبلوماتيك) ، ورقة تناولت تطور السياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام الثورة هناك في العام 1979.
ورأى أبشناس أن إيران تركز اليوم على بناء حكومتها الإسلامية النموذجية كما أن البراغماتية هي من تحكم عقلية صانع قرار السياسة الخارجية الإيرانية والتي تتيح له التعامل مع القوى الأخرى خارج إيران حتى من غير الشيعة.
وناقش في الجلسة د. فراس إلياس، أستاذ الاستراتيجية والأمن الدولي، واقع الجيوبولتيك الشيعي في ظل التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، و ذكر إلياس إن إيران حاولت الربط بين حيوية الجيوبوليتيك الشيعي والصعود السياسي للشيعة في المنطقة، إلى جانب دعمها صعود الإسلام السياسي بالمجمل، وعلى هذا الأساس حاولت إيران إستثمار هذا الصعود من أجل دعم هذا الجيوبوليتيك وتقويته.
فيما بعد تحدثت جلسة "الإسلام السياسي الشيعي والمرأة" عن واقع المرأة الشيعية في لبنان وقدمت د. دلال البزري، الباحثة والكاتبة اللبنانية، ورقة حول حال المرأة الشيعية داخل وخارج سياق حركة أمل وحزب الله. وذكرت البزري أن المرأة الشيعية لا تستطيع تقلد الوظائف الرسمية دون أن تبدي الولاء التام لقطبي الأحزاب الشيعية في لبنان "أمل" و "حزب الله".
أما الأكاديمية والباحثة العراقية المتخصصة في حقل الانثروبولوجيا، د. إلهام مكي، فقدت ورقة عن تحولات أدوار النساء الشيعيات داخل الحوزة العلمية في العراق، وناقشت تطورات هذا الحضور كمياً ونوعياً في مرحلة ما قبل الاحتلال 2003 وما بعده، ثم أشارت إلى نتائج دراسات وأبحاث ميدانية أجرتها هناك، ووصلت فيها إلى أن تصورات النوع "الجندر" متغيرة بحسب السياقات العامة..
اختتم المؤتمر أعماله في الجلسة الثامنة التي تناولت السياسة الخارجية الأردنية والإسلام السياسي الشيعي والتي تحدث خلالها الباحث علاء عقل عن سياقات العلاقة التاريخية ومحدّدات السياسة الخارجية الأردنية تجاه إيران، ونحو القوى السياسية الشيعية التي تدور في فلك العلاقة الجدلية مع إيران بالتزامن مع وجود قوى فصائلية شيعية على الحدود الشمالية مع المملكة.
رصد عقل في ورقته جملة من المحددات الرئيسية التي تحكم علاقة الأردن في إيران – ما بعد الثورة الإسلامية- ويرتبط جزء منها بطبيعة السياسة الأردنية، أو ما أطلق عليه عقل "الشخصية الأردنية"، مثل الفكر القومي، التجربة التاريخية، الموقع الجيوبولتيكي، القضية الفلسطينية، العلاقة مع القوى الكبرى والإقليمية، وعوامل أخرى مرتبطة بطبيعة الخبرة التاريخية مع إيران منذ الثورة وهي علاقة تميزت دوماً بالشكوك والتوتر نتيجة للخطاب الإيراني والسلوك السياسي وكلاهما يضعان الأردن في موقع الخصومة والعداء.
وأشار عقل إلى محاولة الأردن خلال الأعوام الأخيرة الفصل في علاقته بالطرفين (أي إيران والقوى العراقية) وفي التعامل مع القوى الدولية (أميركا وروسيا) أو سوريا وليس التعامل مع إيران مباشرة في سورية. وعلى صعيد التنبؤ فربط عقل المواقف الأردنية بالسلوك السياسي الإيراني نفسه، وبالمحددات السابقة المؤثرة على ترسيم السياسة الخارجية الأردنية.
من جهتها أشارت المديرة التنفيذية لمعهد السياسة والمجتمع، رشا فتيان، إلى أنّ المعهد بصدد إصدار كتاب يضم أعمال المؤتمر، بالتنسيق مع مؤسسة فريدريش أيبرت، وسوف يتم إشهاره باللغتين العربية والانجليزية، خلال الأسابيع القادمة.