ماذا نريد؟ السؤال الغائب عن العقل الأردني
طالما أن الحكومات تبحث عن المرور الآمن لفترتها في الدوار الرابع, لن نتقدم إلى الأمام, وطالما أن الأحزاب بشقيها المعارض والمؤيد تسعى إلى تسجيل المواقف دون تقديم الحلول, لن نتقدم إلى الأمام, وطالما أن البرلمان مؤلف من 130 حزبا – كل نائب حزب بذاته–لن نتقدم الى الامام, وطالما اننا نبني على المظاهر دون ملامسة الجوهر لن نتقدم الى الامام, فاشتراطات النجاح ان نجيب على السؤال الغائب دوما عن اذهان الاردنيين, ماذا نريد؟, فنحن نعرف بالضبط مالا نريد, ولكننا لم نتفق على ما نريد.
لقد شهدت مجتمعاتنا ملامح التقدم المظهري والتخلف الهيكلي كما يقول سمير أمين, فلدينا إنفاق شديد على التعليم الخاص ودروس التقوية، وهذا ليس إنفاقاً على العلم، ومن أجل العلم، وإنما على الشهادات، ومن أجل الشهادات، كما يقول أحمد زويل، ولدينا اهتمام بتسجيل المواقف أكثر من اهتمامنا بإيجاد حلول عملية للمشكلات، كما يقول فؤاد زكريا، ولدينا تحديث مادي دون ديمقراطية، وعلمنة بلا احترام أصيل لقيمة العلم، وتعليم بلا تفكير نقدى أو بناء مهارات، وانتقال إلى المدينة بلا تمدُّن حقيقي، وتحول للرأسمالية بلا احترام لأخلاقياتها كما يقول علي مزروعي.
إن المجتمع الحديث هو مجتمع يعرف قيمة هذه القيم الكبرى جميعها مجتمعة متفاعلة، ويكون طلبه عليها غير مرن، كما يقول الاقتصاديون، مثل طلب مدمن السجائر على السجائر، فمهما ارتفعت تكلفة الحصول على التعليم أو على الحقوق السياسية، فإن العارف بقيمتها مستعد للإنفاق ببذخ من وقته لو دخل السجن، ومن عمره لو مات مناضلاً؛ فهي بالنسبة له أقرب إلى الماء والهواء من حيث الأهمية, ألم يفعلها نيلسون مانديلا؟ أما مجتمعات ما قبل الحداثة، أي المجتمعات المتخلفة بقول أدق، فإنها قد تمتلك أفضل المطابع، لكنها لا تمتلك حرية الفكر، وقد يطرح عليها حزبها الحاكم أفكاراً تحت شعار الإصلاح السياسي، لكنها في النهاية أقرب إلى التغيير التكيفي منها إلى التطوير البنيوي، وقد يكون فيها حرية رأي متاحة، لكنها تبقى بلا فاعلية، ويبقى المواطن مفعولاً به ومفعولاً لأجله لم يصبه من الحداثة واختراعاتها إلا المظاهر الخادعة، سواء في شكل تليفون محمول أو دش على أسطح المنازل.
حتى نخرج من هذه الحلقة, يجب ان يتقدم الحزب الى الناس ببيانه, فيفوز او يخسر, تبعا لبرنامجه المقبول او المرفوض من الناس, وليس البقاء في خانة صرف المواقف المؤيدة او المعارضة, دون ادنى كلفة سياسية, وتبعا لذلك ستصبح الحكومة مرعوبة, وهنا نضمن أن الحكومة في حالة عمل دائم من أجل رفع المعاناة عن المواطنين, ومن مقولات أمارتياسن، الاقتصادي الشهير، الخالدة: «إن المجاعات، رغماً عن أنها في الأصل ظواهر طبيعية، إلا انها تظهر في الدول غير الديمقراطية ولا تظهر في الدول الديمقراطية»، لأن الحكومة التي تعلم أنها ستتحول إلى «محكوم» عليها في يوم الانتخابات إما بالاستمرار إذا فازت في الانتخابات وإما بالتحول إلى المعارضة إذا خسرت، لا يمكن أن تتهاون في التزامها تجاه فئة مهمة من فئات شعبها.
هذه هي الطريق التي سلكتها الدول الناجحة, ونحن لن نخترع العجلة من جديد, فإذا عرفنا ماذا نريد, سيكون من السهل بعدها ان نعرف كيف نصل الى هذا المراد, اما البقاء في دائرة اصدار المواقف بلا برامج, فسندخل في نفق مظلم, صحيح ان حجم النزول الى الشارع ضعيف, لكن هذا ليس ثقة بالبرامج الرسمية بل عدم ثقة بالاحزاب, فما زال الناس يبحثون عن الاستقرار اكثر من بحثهم عن الديمقراطية, وايضا هذا لا يريح أي عاقل, فالديمقراطية هي طريق الاستقرار الوحيد, وعلى أي حكومة ان تقلق جدا, اذا كانت طوابير الاصطفاف على مصارف بيع المحروقات او المخابز في شتوة او ثلجة, اكبر من طوابير الواقفين على صناديق الاقتراع.
omarkallab@yahoo.com