أزمة الأونروا المالية واستمرارها ما بين البعد المالي والسياسي
مدار الساعة -"بتقدير كبير، تابعنا الموقف الرسمي الأردني والمواقف الرسمية في الإقليم التي رفضت مجرد الحديث حول تفويض عض الخدمات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) لوكالات أممية أخرى، والإشارة أن هناك تدهور في استمراريتها بدعم الخدمات الأساسية في المخيمات".
بهذه الكلمات، استهلت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) سمر محارب حديثها خلال اجتماع الطاولة المستديرة حول مستقبل الأونروا يوم الثلاثاء 7-6-2022 في مقر المنظمة بحضور نخبة الكتاب والخبراء وممثلي الأونوروا والمراكز البحثية والمؤسسات الرسمية المعنية في القضية الفلسطينية وملف الأونروا.
الاجتماع جاء تزامناً مع الذكرى الخامسة والخمسين لنكسة فلسطين، في إطار برنامج القضية الفلسطينية الذي تنفذه منظمة النهضة (أرض)، واستجابة لضرورة مناقشة بيانات الأونروا الأخيرة في ضوء الأزمة المالية المزمنة وانعكاساتها على الأردن والشرق الأوسط، و والتصريحات الأخيرة التي صدرت عن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني حول مستقبل الخدمات التي تقدمها الأونروا، وجاء فيها : "يمكن للمرء أن يظل يأمل في ألا يحدث الانهيار المالي للوكالة، أو يمكن أن نعترف أن الحالة الراهنة لا يمكن الحفاظ عليها، وستؤدي حتماً إلى تآكل نوعية خدمات الأونروا أو الأسوأ من ذلك أن تؤدي إلى انقطاع هذه الخدمات، وأنا مقتنع أن عدم القيام بأي شيء سيضر أكثر مما ينفع"، مضيفاً أنه من الممكن لبعض المؤسسات الأممية أن تقدم خدماتها نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها، وهو ما اعتبره مراقبون بداية تنصل الأونروا من مسؤولياتها تجاه اللاجئين.
إذ تتفرد الأونروا بين وكالات الأمم المتحدة الأخرى في وضعها كمقدم لخدمات مباشرة بتفويض من الجمعية العامة مما يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن تقديم الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة، الإغاثة والخدمات الإجتماعية، البنية التحتية وتطوير المخيمات، وبرامج الطوارئ حيث تواجه الأونروا طلبا متزايدا على الخدمات نتيجة للنمو في عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين ليصل ل 5.15 مليون لاجئ فلسطيني يستفيدون من خدماتها، حيث يعمل في هذا الإطار 2900 موظفاً، في 58 مخيماً وتمتد الخدمات للاجئين القاطنين خارج هذه المخيمات في الدول المضيفة.
إلا أن الاعتماد على المساهمات والمنح الطوعية من معظم المانحين الدوليين للأونروا، وتذبذب هذه المساهمات عاماً بعد عام، جعل هذا النموذج غير مستدام، خاصة من الناحية المالية حيث تتطلب أنظمة التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ميزانيات متزايدة لاستيعاب النمو الطبيعي للسكان والتضخم، مما فاقم العجز الكبير الذي تعاني منه ميزانية الأونروا.
عضو الشبكة الدولية لخبراء القضية الفلسطينية، المحامي الدولي د. أنيس قاسم بدأ حديثه حول مشكلة التمويل تعيشها الأونروا حالياً ، مبدياً استياؤه من عدم وجود حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي تتفاقم منذ عام 1948 دون أن تجد الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والدول المانحة، والدول المضيفة حلاً لهذه المشكلة، فلا يوجد تفكير من أي طرف بحلول من شأنها خدمة مشروع الأونروا لحين عودة الحق إلى أصحابه.
وأضاف "من الواضح أن إسرائيل نجحت في خلق هزيمة داخلية في أوساطنا العربية وعلى المستوى الدولي حين أقنعتهم باستحالة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وذلك في صميم فكرة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي تمارسه وتحرم من خلاله الفلسطينيين من حق العودة، وهذا ما يدفع العالم لبحث مسألة توطين اللاجئين، وتصفية الأونروا وليس بحث إعادة اللاجئين إلى ديارهم، مشدداً أن على القيادات العربية والفلسطينية عليها التفكير بنظام تمويل مساند حتى نحل مشكلة اللاجئين".
وقال السفير السابق زياد خازر المجالي إن قضية اللاجئين الفلسطينيين في الأونروا لها بعدين، الأول سياسي قانوني والثاني سياسي إنساني خدماتي، وكون البعد الثاني مرتبط بالتمويل فيجب ألا يؤثر بأي شكل من الأشكال على البعد السياسي القانوني وحق اللاجئين بالعودة إلى بلادهم، فيما قال الكاتب عريب الرنتاوي أن علينا العمل بالمعنى التكتيكي والفوري لتوفير الموارد التي تجعل بقاء الأونروا وخدماتها وحفاظها على حق اللاجئين بالعودة مسألة لا تحتمل النقاش.
وبين الكاتب داود كتاب أن علينا إيجاد طريقة لإعادة بناء الثقة مع الأونروا خاصة بعد التصريحات والمواقف الأخيرة، مؤكداً أن علينا حسم الجدل والآراء المتضاربة حول مساهمة الدول العربية في دعم وحل مشكلة الأونروا من عدمها، بينما قال المحامي الدولي فيصل الخزاعي إن علينا مساندة الأونروا وعدم سحب أي من الصلاحيات والخدمات التي تقدمها أو إسنادها لجهة أخرى لأن في ذلك تمييع لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين باتوا يعانوا من نقص في الخدمات مقارنة بغيرهم من اللاجئين في الدول المضيفة.
وإلى جانب أهمية الخدمات المادية التي تقدمها للاجئين، أكد المشاركون أن الاونروا مظلة سياسية حافظة لحقوقهم وأهمها حق العودة الذي يضمنه القانون الدولي، وهذا البعد السياسي لا يجب التخلي عنه تحت أي ظرف، كما أكدوا رفضهم القاطع لنقل مهام الأونروا إلى أي جهة أخرى.
وأكدوا أننا أمام منهج بدأ بتفكيك قضية اللاجين والأونروا، ومحاولة الخلاص من رمزية حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينين، مشددين على ضرورة الضغط على المجتمع الدولي للقيام بواجباته تجاه الأونروا وقضية اللاجئين، فأزمة الأونروا المالية قد تكون مفتعلة للتشويش على الموقف السياسي لها بحفظ حق عودة اللاجئين لبلادهم، لا سيما وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي تحاول منذ سنوات تصفية شواهد القضية الفلسطينية، إضافة إلى تناقض موقف المجتمع الدولي تجاه القضايا الإنسانية، فالعجز المالي التي تعاني منه الأونروا أقل من الثمن المقدم لإصلاح طائرة أوكرانية.
ورغم الوضع الحرج الذي تعيشه الأونروا، أبدى المشاركون تفاؤلاً في حل معضلتها واستمرار الخدمات التي تقدمها، خاصة في ظل وجود لوبي فلسطيني حالياً استطاع أن يفرض على الإدارة الأمريكية الحالية التعامل بواقعية مع القضية الفلسطينية، كما لا يمكن تغير ولاية وتفويض الأونروا بدون قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوصى المشاركون بتعزيز الشراكات بين المنظمات الدولية والأونروا دون إسناد خدماتها لجهة أخرى، وإبقاء دورها في تقديم الخدمات كما هو ، لأن أي تلاعب في هذا الدور سيضرب الاستقرار بالمنطقة، كما أوصوا بدعم الدور العربي والأردني على وجه الخصوص الرافض لأي تغيير على ولاية الأونروا، لأن يتوسع ليفكر بحلول داعمة مالياً عن طريق إنشاء صندوق عربي للمساندة في إبقاء خدماتها ورفع كفاءة عملها لتلبي الاحتياجات في أماكن عمل الأونروا المختلفة.
كذلك أكد الحاضرون على أهمية استمرار الحوار لمعرفة مستجدات الأمور وتبادل الآراء حول مثل هذه القضية المفصلية للأردن وللقضية الفلسطينية.