الأوقاف تنشر عنوان خطبة الجمعة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/09 الساعة 20:07
مدار الساعة - نشرت وزارة الأوقاف الأردنية عنوان خطبة الجمعة 10 حزيران الجاري.
وجاءت على النحو التالي:
عنوان خطبة يوم الجمعة الموافق 10-06-2022م ( العدل بين الأولاد والإحسان إليهم ) ________________________ الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الأولاد نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، فهم زينة الحياة الدنيا كما أخبر بذلك الحق سبحانه وتعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الكهف: 46، وهم هبةٌ من الله تعالى لإكثار النسل، قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ الشورى49-50 ، وهم امتداد للذكر وحفظ النسب، وهم الذُخر في وقت الشدائد، والمعين في الكِبر، وبهم يحقق الإنسان عمارة الكون، والاستخلاف في الأرض.
ومن مقتضيات هذه النعمة العدل بين الاولاد في الأعطيات المادية وفي العطف والمودة والرعاية؛ لأنها قربة الى الله تعالى ، وأما المحبة القلبية فلا يملكها الوالدان لكن لا يجوز لهما أن يظهرا ميلهما الى احد من الابناء أو البنات ؛ لأجل ذلك أمرنا الله تعالى ونبيه الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ بحسن العناية بالأولاد ذكوراً وإناثاً، وأن تقوم الأسرة على أساس من المحبة والألفة والمودة بين أفرادها، فالأخ عون لأخيه وأخته، وسندٌ لهم في دروب حياتهم، ومن أعظم القيم التي ترسخ مفهوم المحبة والمودة بين الإخوة والاخوات، وتنزع الحسد والغيرة من قلوبهم هي عدل الوالدين بين أولادهم، فلا يفرقان بينهم في الأعطيات المادية أو في اظهار المشاعر العاطفية، فالعدالة من أسمى القيم التي تعزز الشعور بالطمأنينة والأمان والاستقرار في الأسرة، تحقيقا لأمر الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل:90. وإذا تأملنا قصة سيدنا يوسف عليه السلام، نجد بأن عداء إخوته له إنما كان بسبب الغيرة والحسد من محبة ابيهم يعقوب ليوسف عليهما السلام بسبب شفقته عليه وعلى أخيه؛ لأنهما فقدا أمهما، ولأنه كان يرى في سيدنا يوسف عليه السلام النبوة من بعده، ولكن هذه الظروف لم تشفع لسيدنا يوسف عليه السلام عند إخوته، فتنامى في قلوبهم الشعور بالغيرة والألم، وأدى ذلك إلى ارتكابهم ذنباً عظيماً، وإثما مبيناً، فتآمروا على التخلص منه حتى يحظوا باهتمام ابيهم ومحبته، قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين﴾يوسف 8-9.
إن عدم العدل بين الاولاد سبب للبغضاء والشحناء والتخاصم والقطيعة بينهم، فلنعطِ كل ذي حق حقه، حتى تنعم الاسرة بالمودة والمحبة والأمان ، ولا شكّ أن كثيراً من الخلافات والمُنازعات التي تحدث بين الإخوة والأخوات تعود إلى أسباب دفينة منذ الصغر، وإلى تفضيل أحدهم عن غيره بالعطاء والمحبة، وإن كثيراً من أسباب العقوق التي يتعرض لها الوالدان إنما هي نتيجة لعدم الإحسان في رعاية أبنائهم وتربيتهم على أساس من العدل والإحسان، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ" متفق عليه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعزيز العدالة بين الأبناء والبنات، وبين أن المفاضلة بينهم في الأعطيات من الجَور الذي لا يقبل الشهادة عليه، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال: "أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه. وفي رواية: "لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ".
أعطى الإسلام البنت حقها في الرعاية والتربية ورفع شأنها وأعلى مقامها، وأمر الوالدين أن يعدلا بين أبنائهم ذكوراً وإناثاً، فلا يجوز أن يكون الاختلاف في المولود ذكراً كان أو انثى سبباً من أسباب التفرقة في العطاء والمحبة والرعاية بينهم، ومن عظيم الأخلاق التي حثّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، أن يعدل الوالدان بين أبنائهم ذكوراً وإناثاً، فالبنت نعمة عظيمة من نعم الله تعالى تحتاج إلى مزيد من العطف والحنان والاحسان، فقد أعطاها الإسلام حقوقها، ورفع شأنها وأعلى مقامها، بعد أن كانت منبوذة مشؤومة قبل الإسلام وعند سائر الأمم.
فكان العرب قبل الإسلام يتشاءمون بولادة البنات، ويعمدون إلى وأدهن في التراب، كما، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾النحل: 58- 59، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾التكوير8-9، فلما جاء الإسلام شرع لها من الأحكام من حسن في المعاملة، وعدالة في الرعاية، وأعطاها نصيباً عادلاً في الميراث، ونهى عن الاعتداء على حقوقها، وجعلها رحماً أمر بصلتها وبرها والاحسان إليها، كما جاء في الحديث القدسي الذي يخاطب الله تعالى فيه الرحم بقوله: "أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ : فَذَاكِ لَكِ" متفق عليه.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأبناء والبنات في المحبة والرفق والمودة، فعَن أَنَس رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلا كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَجَاءَتْهُ بُنَيَّةٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا" مسند البزار، بل أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحسان إلى البنات والعطف عليهن باب من أبواب دخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ" سنن الترمذي.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.
عباد الله : وإن مما ينبغي أن يُعلَمَ في هذا المقام أن العدل يقتضي مراعاة ظروف الأبناء وأحوالَهم، فالولد الفقير ليس كالولد الغني، ومن كان بحاجة إلى تغطية نفقات دراسته أو علاجه أو زواجه ليس كمن لا يحتاج لذلك، والابن الذي قدَّمَ لوالديه وإخوانه من جهده وعطائه ليس كمن قصَّر، أو لم يدرك الفرصةَ لتقديم ذلك، والولد البارُّ الطائع الصالح، ليس كالولد العاق ، وقد نص الفقهاء على أن العدل في هذه الصور، وفي غيرها لا يمنع الوالد من المفاضلة في هباته ونفقاته بين أبنائه وبناته.
فالواجب على الأبناء أن يبرّوا آباءهم وأمهاتهم، وأن لا تكون المفاضلة في الاعطيات والهبات والهدايا ذريعة لعقوق الوالدين، ، فإن الوالدين قدما لأبنائهم من التضحيات والبذل والعطاء ما يوجب برهما، قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً﴾ الإسراء: 23-24، وعلى الإخوة كذلك أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم وأخواتهم، وأن يؤدوا إليهم حقوقهم وأن ينصحوا آباءهم، فلا يقبلوا أعطياتهم إذا لمسوا فيها ظلمًا وجَوْرًا، فإن أصر الوالد على تخصيص أحدهم بالهدية، فيستحب له أن يقاسم إخوته بها، فقد قال ابن قدامة رحمه الله:" لا خلاف في أنه يستحب لمن أُعطِيَ أن يساويَ أخاه في عطيته, ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قيسَ بن سعد برد قسمة أبيه، ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه ".
وبذلك ينال الجميع رضوان الله تعالى ومحبته، وتُحفظ البيوت من النزاع والشقاق.
ولا ننسى الاكثار من قول (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) اربعين مرة و( سبحان الله وبحمده مائة مرة) تغفر لنا ذنوبنا وان كانت مثل زبد البحر.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين
وجاءت على النحو التالي:
عنوان خطبة يوم الجمعة الموافق 10-06-2022م ( العدل بين الأولاد والإحسان إليهم ) ________________________ الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الأولاد نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، فهم زينة الحياة الدنيا كما أخبر بذلك الحق سبحانه وتعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الكهف: 46، وهم هبةٌ من الله تعالى لإكثار النسل، قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ الشورى49-50 ، وهم امتداد للذكر وحفظ النسب، وهم الذُخر في وقت الشدائد، والمعين في الكِبر، وبهم يحقق الإنسان عمارة الكون، والاستخلاف في الأرض.
ومن مقتضيات هذه النعمة العدل بين الاولاد في الأعطيات المادية وفي العطف والمودة والرعاية؛ لأنها قربة الى الله تعالى ، وأما المحبة القلبية فلا يملكها الوالدان لكن لا يجوز لهما أن يظهرا ميلهما الى احد من الابناء أو البنات ؛ لأجل ذلك أمرنا الله تعالى ونبيه الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ بحسن العناية بالأولاد ذكوراً وإناثاً، وأن تقوم الأسرة على أساس من المحبة والألفة والمودة بين أفرادها، فالأخ عون لأخيه وأخته، وسندٌ لهم في دروب حياتهم، ومن أعظم القيم التي ترسخ مفهوم المحبة والمودة بين الإخوة والاخوات، وتنزع الحسد والغيرة من قلوبهم هي عدل الوالدين بين أولادهم، فلا يفرقان بينهم في الأعطيات المادية أو في اظهار المشاعر العاطفية، فالعدالة من أسمى القيم التي تعزز الشعور بالطمأنينة والأمان والاستقرار في الأسرة، تحقيقا لأمر الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل:90. وإذا تأملنا قصة سيدنا يوسف عليه السلام، نجد بأن عداء إخوته له إنما كان بسبب الغيرة والحسد من محبة ابيهم يعقوب ليوسف عليهما السلام بسبب شفقته عليه وعلى أخيه؛ لأنهما فقدا أمهما، ولأنه كان يرى في سيدنا يوسف عليه السلام النبوة من بعده، ولكن هذه الظروف لم تشفع لسيدنا يوسف عليه السلام عند إخوته، فتنامى في قلوبهم الشعور بالغيرة والألم، وأدى ذلك إلى ارتكابهم ذنباً عظيماً، وإثما مبيناً، فتآمروا على التخلص منه حتى يحظوا باهتمام ابيهم ومحبته، قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين﴾يوسف 8-9.
إن عدم العدل بين الاولاد سبب للبغضاء والشحناء والتخاصم والقطيعة بينهم، فلنعطِ كل ذي حق حقه، حتى تنعم الاسرة بالمودة والمحبة والأمان ، ولا شكّ أن كثيراً من الخلافات والمُنازعات التي تحدث بين الإخوة والأخوات تعود إلى أسباب دفينة منذ الصغر، وإلى تفضيل أحدهم عن غيره بالعطاء والمحبة، وإن كثيراً من أسباب العقوق التي يتعرض لها الوالدان إنما هي نتيجة لعدم الإحسان في رعاية أبنائهم وتربيتهم على أساس من العدل والإحسان، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ" متفق عليه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعزيز العدالة بين الأبناء والبنات، وبين أن المفاضلة بينهم في الأعطيات من الجَور الذي لا يقبل الشهادة عليه، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال: "أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه. وفي رواية: "لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ".
أعطى الإسلام البنت حقها في الرعاية والتربية ورفع شأنها وأعلى مقامها، وأمر الوالدين أن يعدلا بين أبنائهم ذكوراً وإناثاً، فلا يجوز أن يكون الاختلاف في المولود ذكراً كان أو انثى سبباً من أسباب التفرقة في العطاء والمحبة والرعاية بينهم، ومن عظيم الأخلاق التي حثّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، أن يعدل الوالدان بين أبنائهم ذكوراً وإناثاً، فالبنت نعمة عظيمة من نعم الله تعالى تحتاج إلى مزيد من العطف والحنان والاحسان، فقد أعطاها الإسلام حقوقها، ورفع شأنها وأعلى مقامها، بعد أن كانت منبوذة مشؤومة قبل الإسلام وعند سائر الأمم.
فكان العرب قبل الإسلام يتشاءمون بولادة البنات، ويعمدون إلى وأدهن في التراب، كما، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾النحل: 58- 59، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾التكوير8-9، فلما جاء الإسلام شرع لها من الأحكام من حسن في المعاملة، وعدالة في الرعاية، وأعطاها نصيباً عادلاً في الميراث، ونهى عن الاعتداء على حقوقها، وجعلها رحماً أمر بصلتها وبرها والاحسان إليها، كما جاء في الحديث القدسي الذي يخاطب الله تعالى فيه الرحم بقوله: "أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ : فَذَاكِ لَكِ" متفق عليه.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأبناء والبنات في المحبة والرفق والمودة، فعَن أَنَس رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلا كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَجَاءَتْهُ بُنَيَّةٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا" مسند البزار، بل أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحسان إلى البنات والعطف عليهن باب من أبواب دخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ" سنن الترمذي.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.
عباد الله : وإن مما ينبغي أن يُعلَمَ في هذا المقام أن العدل يقتضي مراعاة ظروف الأبناء وأحوالَهم، فالولد الفقير ليس كالولد الغني، ومن كان بحاجة إلى تغطية نفقات دراسته أو علاجه أو زواجه ليس كمن لا يحتاج لذلك، والابن الذي قدَّمَ لوالديه وإخوانه من جهده وعطائه ليس كمن قصَّر، أو لم يدرك الفرصةَ لتقديم ذلك، والولد البارُّ الطائع الصالح، ليس كالولد العاق ، وقد نص الفقهاء على أن العدل في هذه الصور، وفي غيرها لا يمنع الوالد من المفاضلة في هباته ونفقاته بين أبنائه وبناته.
فالواجب على الأبناء أن يبرّوا آباءهم وأمهاتهم، وأن لا تكون المفاضلة في الاعطيات والهبات والهدايا ذريعة لعقوق الوالدين، ، فإن الوالدين قدما لأبنائهم من التضحيات والبذل والعطاء ما يوجب برهما، قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً﴾ الإسراء: 23-24، وعلى الإخوة كذلك أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم وأخواتهم، وأن يؤدوا إليهم حقوقهم وأن ينصحوا آباءهم، فلا يقبلوا أعطياتهم إذا لمسوا فيها ظلمًا وجَوْرًا، فإن أصر الوالد على تخصيص أحدهم بالهدية، فيستحب له أن يقاسم إخوته بها، فقد قال ابن قدامة رحمه الله:" لا خلاف في أنه يستحب لمن أُعطِيَ أن يساويَ أخاه في عطيته, ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قيسَ بن سعد برد قسمة أبيه، ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه ".
وبذلك ينال الجميع رضوان الله تعالى ومحبته، وتُحفظ البيوت من النزاع والشقاق.
ولا ننسى الاكثار من قول (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) اربعين مرة و( سبحان الله وبحمده مائة مرة) تغفر لنا ذنوبنا وان كانت مثل زبد البحر.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/09 الساعة 20:07