الشعب 'المديونيّر'!
ماذا يرى الزائر للأردن حينما يجول في شوارع العاصمة العجوز عمان؟ لا شك بأنه سيدهش بالمساحات التي لا يرى لها أفقاً ولا معياراً بنائياً حيث تشكل مناطق عمان الغربية الواجهة الحضرية شيئاً ما بما يتطاول فيها البنيان الجميل والقصور والبنايات وسيدهش بأزمة السير الخانقة وهو جالس على ناصية مقهى يعد أرتال المركبات من جميع أنواعها وغالبيتها من طرازات حديثة ذات الأسعار العالية جداً، وسيأخذ انطباعاً بأن الأردن بقراه المنسّية ومحافظاته المتشظية هو من أغنى بلدان الشرق الأوسط، على الأقل مقارنة بدول عربية أو أفريقية تعيش عل? هامش التنمية البشرية، وحق له أن يقول: هذا شعب مليونير.
تلك الهالة التي أحاطت بنا خلال ثلاثين عاماً مضت وقبل الانفجار السكاني، أعطت الأردنيين حالة من التجانس في كل المجالات، إذ كان الكثير من المواطنين متقاربين في حياتهم المعيشية، كانوا يستخدمون سيارات خاصة ويسكنون بيوتاً جميلة، يقابلهم مجتمع آخر يكدوّن ويعملون كل في مجاله، ويتشاركون وسائط النقل، إذ كانت خطوط السرفيس بين أحياء المدينة القديمة وأحيائها الجديدة تعج بالركاب وكذلك حافلات النقل التي توزع راكبيها من العاصمة إلى المدن القريبة، ولكن فجأة بعدما قررت احدى الحكومات السابقه السماح باستيراد السيارات المستعمل?، تخلينا جميعاً عن أقدامنا وقفزنا سريعاً الى المركبات الكورية رخيصة الثمن، حتى تضخمت أنفسنا وأصبح معيار التنقل راكب واحد لكل سيارة.
ماذا عن القصور والفلل الجميلة، لقد سطت على أراض كنا أيام الدراسة نراها مزروعة بجميع المحاصيل من الخضار حتى البقوليات والحبوب الخفيفة كالعدس مثالاً، وتضخمت المدينة حدّ الجنون، فتطاولت البنايات وانحصرت الشوارع وماتت الحياة الخضراء، فلا متنزهات ولا غابات صغيرة ولا هواء نظيفاً، حتى ترآت في السماء سحابة سوداء عظيمة ملوثة الأفق، ثم شيئاً فشيئاً تآكلت المداخيل، وتعاظمت الضرائب وارتفعت أسعار المواد قفزات قفزات حسب المراحل، وباتت الأحياء القديمة تزداد تلوثا، والأحياء المحظية تزداد نفثاً، الى أن وصلنا اليوم الى حقيق? الغلاء المرة
المشكلة اليوم أننا بتنا عالميين لا مواطنين نقتنع بما قسم الله لنا، أو ندرب أنفسنا، أو نربي أبناءنا على تغيير عاداتنا الاستهلاكية وأنماطنا التفكيرية نحو العودة إلى الجذور، جذور الحقيقة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، والأجيال السابقة التي صنعت لنا هذا الوطن بكدهم وعرقهم وانتمائهم لترابهم لا لأرصدتهم المالية، حيث الجميع متساوون في طعامهم وشرابهم، وقليل منهم من تميز بناء على حرفتهم وأعمالهم، حتى طبقة التجار العريقة تلاشت واندثرت أمام المدّ المتغول، فخرج من السوق عمالقة ودخلها جيل يريد كل شيء دون أن يعطي ما عليه.
اليوم علينا أن نغير عاداتنا التي تلبسّناها لغايات المظاهر الزائفة والمباهاة الجاهلة والبذخ في كل ما نفعل، حتى أصبحنا جميعاً رهائن ديوننا، ليست الدولة فقط هي المديونة، بل حتى غالبية الشعب أصبح مديناً للبنوك ومؤسسات الإقراض، حتى لو اضطر بعضنا الى ذلك لتدبير مستلزماته العائلية كأقساط المدارس والجامعات والعلاجات، فإن الغالبية منا اقترضنا لشراء سيارات وبيوت وهاتان الحالتان هما الأكثر بهتاناً، فلو نظرنا الى دول قريبة منا كسوريا مثالاً لتعلمنا الاقتصاد المجتمعي وبيوت المونة والزراعات المنزلية، ولكننا لا نزال نصر ?لى «فشخرتنا»، والأسوأ أن أبناءنا لم يعودوا يقبلون بأي عمل، ولا أعمم، فالجامعات تقذف إلى سوق العمل خريجين في ظل بطالة وصلت 23 بالمئة.
نحن شعب مديونير، ليس مالياً فقط بل بمستقبلنا الذي يحتاج الى خمسين عاماً على الأقل لخلق جيل جديد قادر على بذل كل ما بوسعه لخدمة البلد، فهل يعقل أن ينفق أكثر من نصف مليار دينار على استيراد هواتف نقالة، وأكثر من ملياري دينار لاستيراد مركبات جديدة، والجميع يرى أن سوق الطاقة والنفط بات شبحاً يطارد وطناً عربياً منتجاً للنفط والغاز ثم لا يستطيع المواطن تأمين حاجته من المحروقات، وكثير منهم ينامون تحت الأغطية بحثاً للدفء، فيما أوروبا القديمة يتدفق لكل منازلها الغاز والحمامات العامة الدفء منذ عقد الخمسينات.
إن لم نغير ما بنا لن يبكي علينا أحد، ولن نعيش إلا على هامش دول العالم، أفظننتم أن أوروبا اليوم وبقية من دول العالم ستبقى رهينة لسوق النفط العربي والغاز الروسي، كلا بل نحن الذين ستأكل أكبادنا مؤسسات التمويل والبنوك، ولا عزاء لنا حينها.
Royal430@hotmail.com