'متحُرش التكنوّ'.. هل يُعقل ما يُفعل؟

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/08 الساعة 07:45
لن أكون هنا محل القاضي والمتهم والجلاد معاً، بل سأذهب بعيداً عن هذه الزوبعة التي ملأت وسائل الإعلام العالمية من أقصى الغرب حيث قناة الحرة في واشنطن حتى أقصى الشرق، مرورا بـ «بي بي سي»، وروسيا اليوم ووكالة أنباء الأناضول الشهيرة في الشأن العربي الى القنوات الإخبارية العربية الأعلى مشاهدة فضلا عن مواقع ومنصات تعليق، وهذا كله جاء من خلفية الزلزال الذي ضرب مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن وكيل الاتهامات لأستاذ جامعي اتهمته طالبة بالتحرش، حتى فرط عقد الاتهامات، فأصبحت المخاضة أكبر من أن تتسعها البحيّرة.
من المعيب هنا أن ندخل في نقاش لقضية تحمل اتهامات خطيرة عبر وسائط التطبيقات التي صنعت جيلا ليس له حدود ولا مكابح يخوضون بما يعرفون وما يهرفون، والأصل فيها أن يكون محلها المحكمة والقضاء وهو الفيصل الذي نريده دوما مستقلا وحازما وعادلاً كما عرفناه منذ الأجيال القديمة قبلنا، أما أن ينشغل العالم معنا بقضية، إن ثبتت تهمتها، ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في مجتمع جعلنا منه ساحة مستباحة لمن يعلم ولمن لا يعلم، فالمهم أصبح أن تمد بصرك وتترك لأصابعك الثرثرة لهثا وراء «بسند وبغير سند».
هنا سأدافع فقط عن مؤسساتنا التعليمية وجامعاتنا التي كانت درّة التعليم بين مؤسسات التعليم العربية العريقة من بغداد الى دمشق والقاهرة والرباط، ولو بقي الجيل القديم من الأساتذة العظام والرؤساء الفخام والأسوار المنيعة لحماية قيّم العلّم والتعليم لما وقعنا في ذلك الفخ الذي أساء وسيسيء مستقبلا الى تصنيف جامعاتنا ومؤسسات التعليم عامة عندنا، حتى رأينا أخيرا كيف هاجرت العقول المبدعة والشخصيات المرمّوقة في مجال التعليم العالي، ولكن لكل زمان دولة ورجال.
المتضرر اليوم هو سمّعة الجامعات وسمّعة التعليم وتصنيفها والتدخل فيها، وعبر الجلد بسياط الغضب والاندفاع نحو ما ينشر على وسائل «السوشال ميديا» التي خلقت معدلات عالية لبيئة مسمومة أكثر من معدلات كشف الحقائق والتأشير للأخطاء وفضح الفاسدين في مراكز العمل العام، وإن شكت طالبة ما من تحرش لأي أستاذ أو زميل فيجب أن تذهب مباشرة وفي ذات اللحظة الى الإدارة أولاً ثم تقديم شكوى أمنيّة فور وقوعها، لا أن ننتظر حتى تتراكم الاتهامات دون أدلة قد لا تثبت، أو تأتي البطولة بأثر رجعي أو شهادات حكم متقادم، وحتى لا نحصر القصة بجام?ة واحدة فإن هناك مؤسسات عدة تقع فيها تلك الوقائع الدنيئة من قبل رجال ضد نساء زميلات حتى وإن كانت لفظية، بل عرفت شاباً ملتزما شكا من تحرش موظفة به.
لا يعقل أبداً أن تبقى إدارة الجامعة أو أي جامعة أخرى أو مؤسسة وطنية صامتة أمام مثل تلك القضايا، والتي تقع الفتيات بالخصوص ضحايا لها، فالفقر والعوز وغلاء الرسوم والحاجة للعمل يدفع الفتيات والسيدات الى الصمت خشية الفضيحة، وكأن الأنثى محكوم عليها أن تبقى صامتة مقابل ما يحدث لها من حيف جرّاء سوء الأخلاق والتربية الفاسدة من قبل مجتمع بعض الذكور ولا نعمم إطلاقا، فالتفاحة الفاسدة لا تعني أن الصندوق فاسد كله، ولكن عندما نجتث تلك الحبة الفاسدة حينها نكون قد حمينا جدران الثقة والاحترام والشرف الرفيع للرجال قبل النسا?.
إن قضايا «العَرض»، لا الشرف كما تطلق منظمات التمويل عليها فالشرف أوسع وأكبر من الهتك، هي قضايا تحدث في كل مكان وفي كل زمان وهي من أخطر القضايا وعقوبتها عند العرب أكبر من حرب اليهود مع العرب، ولكنها تقع في كثير من البيئات المنحطة رغم مساحيق التجميل التي تضعها بعض العائلات النشاز على واجهة بيوتهم، فكم من قضايا عائلية وقعت وأثبتتها المحاكم، ليس عندنا فقط بل وبكثير من دول العرب والعجم، فالافتراس الوحشي مرض لا يشفى منه الغاصب..
ولهذا كان الأوجب منع النشر في القضية وتحويلها للقضاء ليواجه المتهم الحقيقة مهما كانت، لا أن تضيع القصة بين ما حدث قريبا وما سُكت عنه من قبل، والأصل أن القضية يجب تحويلها فورا الى القضاء لا لجان تحقيق ليس لها اختصاص جزائي، ولنتذكر قول الله تعالى «ولا تقفُ ما ليس لك به عِلم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا»، فاحفظوا ألسنتكم.
Royal430@hotmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/08 الساعة 07:45