هل 'تتراجع' تركيا.. عن 'غزو' الشمال السوري؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/08 الساعة 07:42
ملف التهديد التركي بإقامة منطقة أمنِيّة بعمق 30 كم على امتداد الشمال السوري, سيكون على طاولة مباحثات وفد سياسي ـ عسكري روسي مع نظيره التركي في أنقرة اليوم. في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات التي يُطلقها الرئيس أردوغان, كان آخرها تصريحه اللافت شكلاً ومضموناً عندما قال: لا نريد أن «يُزعِجنا» أحد على عمق 30 كم بمحاذاة حدودنا الجنوبية, مُضيفا: أننا نواصل بعناية الأعمال المتعلقة بـ"استكمالنا» خطّنا الأمني على حدودنا الجنوبية, عبر عمليات جديدة", مُذكِراً ومُتفاخراً بـ"أننا مزّقنا الممر الإرهابي المُراد تشكيله على حدو?نا الجنوبية, من خلال عمليات (إقرأ اجتياحات/ وغزوات).. درع الفرات, غصن الزيتون, نبع السلام, درع الربيع وقفل المخلب. ما يعني مواصلة سياسة اجتياح واحتلال أراضي دولتين عربيّتين, دون أي احترام لسيادتيهما وعلاقات حسن الجوار, وإدارة الظهر بازدراء للقانون الدولي.
التوقيت الذي اختارته أنقرة لإعادة طرح مسألة المنطقة الأمنية بعمق 30 كم على امتداد الشمال السوري لم يكن صدفة, خاصّة في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية وما قيل وإن في شكل مُبالغ فيه عن سحب بعض الوحدات العسكرية الروسية من سوريا, إضافة إلى ما تتوافر عليه أنقرة من أوراق تستطيع استخدامها في وجه كل من موسكو وواشنطن. وصدفَ أن الولايات وروسيا كذلك إيران أعلنت معارضتها لعملية تركية كهذه، بل ان روسيا اتخذت سلسلة إجراءات ميدانية تمثّلت في تسيير دوريات جوية, وعزّزت عتادها وعديدها في القامشلي, بل واصلت مروحيات روسية دورياته? في أجواء المنطقة التي تستهدفها تركيا وتحديدا في منطقتي تل رفعت ومنبح, ناهيك ما أعلنته ناطقة الخارجية الروسية عن «أمل» موسكو بأن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سوريا، فيما لم يتردّد وزير الخارجية الأميركية بلينكن الإعلان عن «معارضة» بلاده لأي هجوم عسكري تركي على شمال سوريا «مُحذّراً» أنقرة (حليفة بلاده في حلف الناتو) من أن ذلك سيُعرض المنطقة للخطر، داعياً إياها إلتزام اتفاق وقف النار الذي تم توقيعه في العام 2019.
وإذ كان من المبكر الرهان على استمرار هذا «الحزم» الأميركي المفاجئ, خاصّة في ظل معارضة أنقرة انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، ما قد يدفع واشنطن إلى عقد صفقة معها تتراجع فيه إدارة بايدن عن معارضتها لاجتياح تركي جديد للشمال السوري، فإن ما يدعو للدهشة والاستغراب, هو الموقف الذي تتخذه القيادات الكردية السورية, المتمثلة في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تواظب على لعبة شراء الوقت, والرهان على الدعم الأميركي المشكوك في استمراره خصوصاً في المناخات الإقليمية والدولية المستجدة, فضلاً عن رفض هذه القيادات التنسيق ?ع دمشق, وتمكين الجيش السوري من اتخاذ إجراءات عسكرية ميدانية وعملية داخل الأراضي التي تسيطر عليها. وكان مُستهجناً مطالبة قائد قسد (مظلوم عبدي) دمشق باستخدام أنظمة الدفاع الجوي التابعة لها ضد الطائرات التركية، وذلك – كما قال – لمُواجهة تهديدات أنقرة الجديدة/القديمة، في الوقت ذاته الذي قال فيه إن قواته (منفتحة) على العمل مع قوات النظام للقتال ضد تركيا, لكنه أكد أن «لا» حاجة لإرسال قوات إضافية. فهل ثمة شكوك بأن الرجل القوي في قسد, وأحد أبرز القيادات الكردية المُراهنة على الدعم الأميركي, والداعين إلى استمرار اح?لالها الأراضي السورية, رغم ما تقوم به واشنطن من نهب للثروات السورية وخصوصاً النفط والمنتجات الزراعية والحبوب, التي تنتجها منطقة الجزيرة السورية الخصبة.. إنما يروم تقرّباً مؤقتاً مع دمشق, لن يلبث بعد انتفاء الحاجة إلى دعمها العودة إلى حضن المحتل الأميركي؟
لم يكتف مظلوم عبدي بذلك بل ذهب بعيدا بالقول: إنه لا ينبغي لأحد أن يفكّر في استغلال هذا الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض وهو لا يقصد تركيا بالطبع بل دمشق, مُلوّحاً باحتمال نزوح نحو مليون شخص وعودة تنظيم داعش بشكل أقوى على الأرض, لافتاً في رسالة تبدو مُوجهة لواشنطن.."لا يمكننا العمل على جبهتين».
في السطر الأخير.. لا تخفي أنقرة رغبتها إقامة حزام أمني عميق في الشمال السوري, ليس فقط لترحيل مليون لاجئ سوري من أراضيها إلى ذلك الحزام, بهدف تغيير المعادلة الديموغرافية وتكريس عملية التتريك. وإنما أيضاً لرفع شعبية الرئيس التركي بعد استطلاعات رأي عديدة تؤشر إلى تراجع شعبيته كما حزب العدالة والتنمية الحاكم, خاصّة على أبواب انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة في ربيع العام 2023, وهو العام الذي تحتفل فيه تركيا بمئوية قيام جمهورية أتاتورك.
جملة القول.. إن مواقف وأهداف الدول الثلاث المُعارِضة الإجتياح التركي.. روسيا, إيران والولايات المتحدة ليست مُتقاربة, ما يعني أن مغامرة أنقرة الجديدة لن تكون سهلة.
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/08 الساعة 07:42