إسرائيل 'تَسرِق' غاز لبنان ونفطِه: هل تندلع 'الحرب'؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/07 الساعة 07:51

فيما يُواصل ساسة لبنان وقادة أحزابه صراعهم العبثي, حول المناصب ورئاسة اللجان النيابية, في البرلمان الجديد الذي أفرزته انتخابات 15 آيار الماضي, على نحو لم يمنح أكثرية عددية لأي من طرفَي «الصراع». ما أسهم في تكريس لعبة جديدة ولكن هشّة ومُعقدة, يصعب التكهّن بالطرف الذي بمقدوره إيصال رئيس حكومة «سُنّي» جديد يرضى به الطرف الآخر, ما بالك تسمية رئيس «مارونِيّ» جديد للجمهورية, يخلِف الرئيس الحالي «ميشال عون» بعد مغادرته قصر بعبدا في 31 تشرين الأول القريب.

في أجواء لبنانية محمومة ومأزومة كهذه, قرّرت إسرائيل استثمار هذه الأجواء عبر إعلان البدء بالتنقيب عن الغاز والنفط في حقل «كاريش» المُتنازع عليه، خاصة مع وصول حفارة التنقيب التابعة لشركة إنيرجن اليونانية الأحد الماضي، على نحو أثار عاصفة من التصريحات و"المناشدات» التي أدلى بها مسؤولون لبنانيون, خاصة تّجاه الولايات المتّحدة والأمين العام للأمم المتحدة، فيما التزمت حكومة تل أبيب الصمت «المُبرمَج» إزاء هذه الضجة اللبنانية التي تعوّدت عليها، في الوقت ذاته الذي بدأت تستعد فيه لتأمين منطقة الحفر (تبعد عن الحدود الب?رية للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة 80 كيلومتراً) بواسطة قطع بحرية فوق وتحت سطح البحر تشمل غواصات، على ما نقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية (كان 11) التي أضافت.. أنّ الجيش الإسرائيلي يعمل على نقل منظومة القبة الحديدية بنسختها البحرية إلى المنطقة.

استعدادات إسرائيل هذه تأتي تحسّباً لاحتمال تعرّض منصة الغاز «كاريش» إلى هجوم من قِبل حزب الله, كما نقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان 11)، في ضوء التحذيرات اللبنانية وبخاصة التي يُطلقها مسؤولو حزب الله من أي «عمل عدواني», وإن كان الحزب ربط هذا التحذير بقرار من الحكومة اللبنانية, حتى لا يُتّهَم بأنّه يحتكر قرار الحرب والسلم وتجاهُل الدولة, وهي مزاعم ما يزال يتمترس خلفها الانعزاليون اللبنانيون, وبخاصة أمير الحرب الأهلية سمير جعجع ورهط الذين يَصِفون أنفسهم زوراً بـ«السياديين».

وإذ باتت احتمالات حدوث تدهور أمني مرشّح للانزلاق إلى مواجهة عسكرية, حال بدأت إسرائيل رسمياً التنقيب في حقل كاريش الواقع ضمن الخط 29 المُتنازع عليه، كان استدعى وساطة أميركية, ترأّس لجنتها المشترَكة المبعوث الخاص للطاقة في الشرق الأوسط «عاموس هوكشتاين» وبرعاية «شكلية» من الأمم المتحدة, لم تُفضِ إلى نتيجة بعد خمس جولات تفاوضية غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل, عُقدت آخرها في شهر أيار 2021، فإنّ الصمت الذي تلتزمه واشنطن الآن يدعو للريبة والشكوك, بأنّها مَنحت تل أبيب ضوءاً أخضر للمضيّ قدماً بالتنقيب في هذا الحقل, ?اصة أنّ إسرائيل تعتبر أنّ «كاريش» هو ضمن الخط 29, الذي هو جزء من منطقتها الاقتصادية الخالصة وليس مُتنازعاً عليه, وأنّ الخط المُتنازع عليه هو الخط 23 فقط، مُتذرعة، إضافة إلى المأخذ الذي تأخذه أطراف عديدة داخل لبنان, وهو أن رئيس الجمهورية لم يُوقِّع المرسوم رقم 6433 لتثبيت الخط/29، مشيرين في الآن ذاته إلى أن الجنرال عون نفسه, كان صرّح في شباط الماضي: بأنّ الخط «23» هي «حدودنا البحرية", مضيفاً في شكل لافت يدعو للاستغراب فعلاً.. «أنّ البعض طرح الخط 29 من دون حجج برهنته»!

مواقف خلافية كهذه أضعفتْ موقف لبنان ومنحت إسرائيل ورقة مجانية، نحسب أنّها ستستثمرها إلى أقصى مدى، اللهم إلّا إذا أبدى لبنان حزماً وإصراراً على التمسّك بحقوقه, تحت طائلة الذهاب إلى خيارات أخرى، دون الرهان المُطلق على الوسيط الأميركي «النزيه بالطبع», الذي واصل «الصمت» طوال عام كامل انقضى على توقف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، إضافة إلى «ميوعة» موقفه طوال الجلسات الخمس التي استغرقت قرابة ثمانية أشهر دون إحراز أي نتيجة، في الوقت ذاته الذي تقول فيه الشركة اليونانية المُولجة التنقيب في حقل كاريش إنّ?هذا الحقل يقع في المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية الخالصة، دون إهمال حقيقة أنّ توقّف المفاوضات بعد الجولة الخامسة أيار 2021, هو رفض إسرائيل «ادّعاء» لبنان أنّ حقل كاريش يقع ضمن الخريطة التي قدمها لبنان ومساحتها 2290 كيلو متراً مربعاً.

هل تمضي إسرائيل قدماً في تنقيبها الجديد؟ أم أنّ ما أقدمت عليه هو مجرد بالون اختبار؟ أم هل قرّرت فرض واقع جديد عبر خلط الأوراق وخوض حرب جديدة، خاصة في ظروف دولية وإقليمية مُتفجرة ومَفتوحة الاحتمالات؟

الأيام ستروي.

** استدراك

في تشرين الثاني 2019، أعلنت «إنرجيا» أن تقييمها لاحتياطيات حقل «كاريش» كشف عن 1.2 تريليون قدم مكعبة من موارد الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج، بالإضافة إلى 34 مليون برميل من النفط الخفيف، وهي زيادة كبيرة عن تقديراتها الأولية.

kharroub@jpf.com.jo

مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/07 الساعة 07:51