المصلي التائه
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/06 الساعة 08:20
في كل صلاة جمعة, لا بد من مرور هذا المشهد أمام عيني..
المشهد هو عبارة عن طفل صغير, في أولى الخطى يطوف بين الصفوف وينظر في وجوه الناس.. جاء مع والده, وتأخر هو على الباب في خلع النعال, فدخل الوالد, ودخل هو بعده بدقائق.. ولا يعرف في أي صف وقف وفي أي زاوية.. لأن الجميع وجوههم اتجاه القبلة وعليه أن يبدأ من الصف الأول حتى يعرف الوجوه... وبعد جهد يجد والده.
أنا أراقب حرقتهم وتشوقهم, وإصرارهم على اداء الصلاة بجانب الأب.. وحشر أنفسهم بين الصفوف.. أراقب كل التفاصيل, وأراقب كيف تسقط الأوراق من جيب الوالد في السجود.. وكيف ينتفض هذا الطفل فورا ويجمعها ويضعها في جيبه ثم يكمل الصلاة... وكيف يزيح (سجادة الصلاة) قليلا إذا انحرفت, وكيف يضع يده في جيب الدشداشة إذا رن هاتف الأب.. ويقوم بفصله.. ألمح أيضا نظرات غريبة يسرقها أثناء قراءة الإمام سورة الفاتحة, نحو وجه أبيه.. نظرات كلها حب..
حين تنتهي الصلاة, يغادر فورا إلى الباب... وينقض على حذاء والده, ويقوم بتجهيزه له, تشعر أحيانا أن مهمة تجهيز الحذاء بالنسبة لهذا الطفل هي مهمة جدا... ومن ثم يحمل مفتاح السيارة, ويركض إليها.. حين يبدأ الوالد بالحديث مع بعض المصلين وتبادل السلام فيما بينهم..
في كل صلاة جمعة, يداهمني هذا المشهد.. وأنا لست طارئا أو غريبا عليه, فقد كنت اصطحب أطفالي أيضا في سنواتهم الأولى وكانوا يمارسون نفس السلوك.. وذات يوم حين (عطست) في منتصف الصلاة قال لي ولدي الأصغر الذي كان بجانبي: صحة بابا...
الأطفال حين يدخلون المسجد, تأكدوا أنهم أجمل من القناديل.. وأحلى من صمت المصلي.. ترى في وجوههم البراءة والإيمان, وتلمس المحبة والهدوء... وأنا اضحك حين يصطدمون بي عن دون قصد أثناء الانتهاء من الصلاة, واسمع قهقهاتهم على باب المسجد, واحسها مجرد راحة للنفس بعد دعاء طويل..
أنا لست ليبراليا, ولا تكنوقراط, ولا ديجتال.. لست من تيار الحداثة, ولا ممن يرتادون السفارات... أنا من تيار اطفال المساجد, لأنهم الاصدق عند الله.. وعند الوطن, وعند كل ضمير حي..
abdelhadi18@yahoo.com
المشهد هو عبارة عن طفل صغير, في أولى الخطى يطوف بين الصفوف وينظر في وجوه الناس.. جاء مع والده, وتأخر هو على الباب في خلع النعال, فدخل الوالد, ودخل هو بعده بدقائق.. ولا يعرف في أي صف وقف وفي أي زاوية.. لأن الجميع وجوههم اتجاه القبلة وعليه أن يبدأ من الصف الأول حتى يعرف الوجوه... وبعد جهد يجد والده.
أنا أراقب حرقتهم وتشوقهم, وإصرارهم على اداء الصلاة بجانب الأب.. وحشر أنفسهم بين الصفوف.. أراقب كل التفاصيل, وأراقب كيف تسقط الأوراق من جيب الوالد في السجود.. وكيف ينتفض هذا الطفل فورا ويجمعها ويضعها في جيبه ثم يكمل الصلاة... وكيف يزيح (سجادة الصلاة) قليلا إذا انحرفت, وكيف يضع يده في جيب الدشداشة إذا رن هاتف الأب.. ويقوم بفصله.. ألمح أيضا نظرات غريبة يسرقها أثناء قراءة الإمام سورة الفاتحة, نحو وجه أبيه.. نظرات كلها حب..
حين تنتهي الصلاة, يغادر فورا إلى الباب... وينقض على حذاء والده, ويقوم بتجهيزه له, تشعر أحيانا أن مهمة تجهيز الحذاء بالنسبة لهذا الطفل هي مهمة جدا... ومن ثم يحمل مفتاح السيارة, ويركض إليها.. حين يبدأ الوالد بالحديث مع بعض المصلين وتبادل السلام فيما بينهم..
في كل صلاة جمعة, يداهمني هذا المشهد.. وأنا لست طارئا أو غريبا عليه, فقد كنت اصطحب أطفالي أيضا في سنواتهم الأولى وكانوا يمارسون نفس السلوك.. وذات يوم حين (عطست) في منتصف الصلاة قال لي ولدي الأصغر الذي كان بجانبي: صحة بابا...
الأطفال حين يدخلون المسجد, تأكدوا أنهم أجمل من القناديل.. وأحلى من صمت المصلي.. ترى في وجوههم البراءة والإيمان, وتلمس المحبة والهدوء... وأنا اضحك حين يصطدمون بي عن دون قصد أثناء الانتهاء من الصلاة, واسمع قهقهاتهم على باب المسجد, واحسها مجرد راحة للنفس بعد دعاء طويل..
أنا لست ليبراليا, ولا تكنوقراط, ولا ديجتال.. لست من تيار الحداثة, ولا ممن يرتادون السفارات... أنا من تيار اطفال المساجد, لأنهم الاصدق عند الله.. وعند الوطن, وعند كل ضمير حي..
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/06/06 الساعة 08:20