هذه حربكم.. فأين أنتم؟
خمسة وخمسون عاما، هذا يوم عيد ميلاد الكيان الإسرائيلي بتمام كماله على الأرض الفلسطينية والعربية ودرتها القدس الشريف، ففي مثل هذا اليوم بدأت حرب حزيران أو حرب الأيام الستة أو حرب النكسة، أو سمها كما تشاء، إذ خاض الجنود العرب معارك ضارية على الجبهات، واستبسل الجيش الأردني على أسوار القدس ووادي التفاح ونابلس ورام الله واريحا، فبعد ستة أيام فقط فقد العرب ميزان القوة ودمر طيران العدو عشرات الطائرات على مدارجها، وتنكب العرب ثوب السواد لتشمخر أعناق "ليفي أشكول" رئيس وزراء الكيان واسحق رابين وزير الدفاع وليدخل موشيه ديان درةّ العرب والعجم فاتحاً.
قبل الحرب بأيام كانت الإذاعة الأردنية تقاوم بالإشارة الطويلة في الردّ على الإذاعة والتلفزيون المصري اللذين كان عبد الناصر يستخدمهما للنيل من الأردن واستعراض قوته بعد أن قرر إغلاق الممر البحري في مضائق تيران، ولكن عندما بدأت التقارير الصحفية تتداول معلومات عن حرب قد تقع في أي لحظة بين مصر وسوريا ضد الكيان الإسرائيلي، تغيرت نبرة المسؤولين الأردنيين تجاه الرئيس المصري، واجتمع قادة الجيش الأردني مع الملك واستقروا على تغيير سياسة الهجوم والنقد ضد عبدالناصر واقنعوا الحسين بتأييد قرار ناصر في تيران وإيقاف الحملات المضادة، لكسب جبهة موحدة مع سوريا ومصر في حال نشبت الحرب.
حينذاك قرر الحسين طي أية خلافات بغية تمتين الجبهات الثلاث، ولكن عبدالناصر أصر على شروط للقاء الحسين في ظل تعاظم "الأنا" الناصرية، فقد طلب أن يقطع الأردن علاقاته مع المانيا الغربية آنذاك، وأن ينقل قوات الجيش الأردني بعيدا عن الجبهة السورية ويدخل القوات العراقية عبر أراضيه وأن يعترف بمنظمة التحرير ورئيسها أحمد الشقيري، ومع كل تلك الشروط قبل الحسين تقديم تنازلات لم يرّ سببا لها، رغم عدم اقتناعه بشن أي حرب قد يكون ضررها أكبر من نفعها على العرب، وخشيته من أن تكون تلك ذريعة لاجتياح إسرائيل القدس والضفة الغربية.
طار الملك الحسين الى القاهرة واجتمع مع عبدالناصر لساعات قليلة ليتفقا بعدها على معاهدة الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة "مصر وسوريا" والأردن مدتها خمس سنوات، وإنشاء مجلس دفاع مشترك، وقيادة مشتركة وهيئة أركان مشتركة، ولتمتين الجبهة العربية قَبل الحسين وضع الجيش الأردني تحت قيادة مصرية يقودها اللواء عبدالمنعم رياض وفي اليوم نفسه دخلت مفارز من الجيش العراقي إلى الأراضي السورية، ورغم أن الملك كانت تتملكه الريبة والخشية من تلك الحرب، فقد كانت الضربة الإسرائيلية الأولى فاتحة لحرب الإخوة الأعداء ضد عدوهم المحتل.
نشبت الحرب بتدمير الطيران الإسرائيلي لأغلب المطارات العسكرية المصرية التي فقدت أكثر من 400 طائرة جاثمة، ما زعزع ثقة الجيش المصري بقوته، واجتاحت قوات الاحتلال غزة وسيناء وقتلت مئات جنود المشاة المصريين، وفي كل معركة كسب العدو الميزان في الخسائر، ووصل طيران العدو الى المطارات الأردنية والسورية واسقطت العديد من الطائرات واستشهد الكثير من المقاتلين العرب، ودخل دايان دون إذن حكومته الى القدس، وأعطى أهالي حي المغاربة ثلاث ساعات لإخلائها، ثم أمرّ الجرافات بتدمير البيوت، وكل ذلك بعد معارك ضارية قادها الأردنيون في القدس ومحيطها ومعركة تل الذخيرة وقصفوا محيط تل ابيب، ولكن الأمر أخيراً استتب للعدو باحتلال القدس الشرقية وبيت لحم والخليل ثم رام الله، حتى وصلوا النهر شرقاً.
حتى هذا اليوم لا يدرك العرب أن العصي المتفرقة تتكسر بسهولة، ولا نعلم أهذا قدر الله لهذه الأمة أم أن نهاية العرب قد اقتربت لتذوب في دوامة تُضيع تاريخها وتدمر إرثها وتجعلها دوماً في أسفل سلم دول العالم، فكل حروب الشرق والغرب وأفريقيا وشرق آسيا انتهت أخيراً، وانتقلت الدول المُحتلة من الاستعمار الغربي نحو التفوق الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والصناعات الكافية لبلادهم، وتصدير التكنولوجيا والأغذية وكل ما يحتاجه العرب لأسواقهم مقابل مليارات الدولارات من الإنفاق على مستوردات لشعوب لم تعد تأكل مما تزرع ولا تصنع شيئاً يذكر من مركبات أو أجهزة منزلية.
Royal430@hotmail.com