ازدحام في الكفاءات وتراجع في الإنتاجية

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 00:12
د.أشـــ رف قـــوقـــزة بالرغم من نجاح القطاع الخاص والدول المجاورة في استقطاب الكثير من الكفاءات العاملة في مؤسسات الدولة المتعددة، وانتقال الكثير منها إلى القطاع الخاص والهجرة إلى بلدان العالم المختلفة، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية تم الإشارة إليها في العديد من المقالات السابقة، إلا أن مؤسساتنا ما زالت تزدحم بالكفاءات المؤهلة في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية، فأين ما التفت الناظر وفي أي مؤسسة وجد هناك أعداد كبيرة من الشباب الطموح والذي يسعى بكل جد واجتهاد في تطوير ذاته وإصراره في الحصول على أرفع الشهادات العلمية وتلقي كافة التدريبات والالتحاق بأفضل الدورات في سبيل بناء قدراته ومهاراته، والتي تكون في غالبها بدافع ذاتي وتوجه شخصي وعلى نفقته الخاصة دون أي دعم أو توجيه من قبل المؤسسات التي يعمل بها، كل ذلك ليكون على قدر من المسؤولية وعلى أمل بأن يتاح له المجال في وقت من الأوقات ليشارك في توظيف قدراته ومهاراته وخبراته ويستغلها في سبيل تطوير العمل وخدمة وطنه على أفضل وجه ليكون في المكانة التي يستحقها بين باقي الدول.
وفي ذات الوقت تشهد تلك المؤسسات التي تزدحم بالكفاءات تراجع كبير وملحوظ في الإنتاجية، والتي نقصد بها هنا معرفة الموظف لمهامه الوظيفية بكل وضوح وسرعة انجاز الأعمال بكفاءة، وسيادة الإحساس بالمسؤولية، وسيطرة ثقافة إدارة الوقت على مهامه، سواء تلك المهام التي يمكن قياس الإنتاجية لها بشكل دقيق مثل أعمال الاتصالات الإدارية والطباعة والمعاملات الخاصة بالمواطنين وغيرها، أو تلك المهام التي لا يمكن قياس الإنتاجية لها بشكل دقيق مثل أعمال السكرتارية والعلاقات العامة والأعمال المتعلقة بالفكر مثل الإدارة الخاصة بإعداد الدراسات البحثية والتقارير اللازمة لاتخاذ القرار.
والحقيقة أن هذا التراجع ليس مجرد رأي يقال وبشكل مستمر عند الحديث عن عمل الإدارات، بل هو واقع تعززه دراسات وإحصاءات تثبت انخفاض إنتاجية الموظف في الجهاز الإداري للدولة إلى أدنى مستوياته مقارنة بالدول الأخرى ومنها المتقدمة، إذ أظهرت دراسة أجراها اتحاد تنمية الموارد البشرية في مصر بأن معدل إنتاجية الموظف العربي في المؤسسات العامة تتراوح بين 18-25 دقيقة يومياً، الأمر الذي يزيد من معدلات البطالة بإضافة أرقام البطالة المقنعة في هذه المؤسسات إلى أرقام البطالة الحقيقة في المجتمع الأردني والتي وصلت إلى 12% حسب أرقام عن دائرة الإحصاءات العامة.
لا شك بأن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع في الإنتاجية بالرغم من الكفاءات الموجودة كانخفاض الرواتب وضعف المتابعة والمحاسبة وغياب الإخلاص في العمل وانعدام الرقابة الذاتية وربط الوظائف القيادية بالأقدمية لا بالأداء والكفاءة وغيرها الكثير من الأسباب لا يتسع المقام لذكرها، ما يهمنا هنا تقصير الإدارات في استغلال الكفاءات الموجودة لديها وافتقارها للخطط والاستراتيجيات ورسم السياسات التي من شأنها الاستغلال الأمثل للكفاءات المتاحة في تحسين عملية إنتاجية الموظفين كواحدة من أهم الأدوات المستخدمة في تطوير النمو الاقتصادي، تلك الكفاءات التي يتوافر فيها على الأقل صفة الاجتهاد والرغبة في التطوير واكتساب المهارات والتي بالضرورة ستكون قادرة على الاجتهاد والنهوض بالدور الإنتاجي للمؤسسات إذا ما تم الالتفات لها وكانت من بين اهتمامات وخطط واستراتيجيات المؤسسات العاملة فيها ، وإلا ستكون أمام خيارين إما ترك مؤسسات الدولة والالتحاق بأفواج الكفاءات المهاجرة وإما البقاء والالتحاق بأفواج البطالة المقنعة.
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 00:12