الرأي.. التاريخ لا يموت
أينما نظرت الى دول العالم سترى أن لكل دولة حضارة وتاريخاً حتى لو كان مصطنعاً، فتمثال الحرية في الولايات المتحدة مثالا صانعه الفرنسي إيفل وقدمته فرنسا هدية لأميركا مستقرا على خليج نيويورك منذ 139 عاما، وتم طباعته على ورقة الدولار كما يطبعون صور رؤساء أميركا والشخصيات المؤثرة في تاريخهم، في الوقت الذي لا تزال صحيفة نيويورك تايمز تتربع على عرش الصحف الورقية هناك عن عمر ناهز 172 عاماً، وفي الأمس لجأ اليها الرئيس جو بايدن لنشر مقالته فيها، وفي مصر لا زال تمثال أبو الهول علامة تاريخية يحج لها السائحون، فيما صحيفة الأهرام بلغت 146 عاما من عمرها المديد.
اليوم ومع فارق المقارنة ما بين دولتين كبريين كالولايات المتحدة ومصر الكبرى، تحتفل صحيفتنا الرأي بعيد ميلادها الواحد والخمسين بلا كلل ولا ملل ولا ميل ولا أنيّن حتى وصلت الى ما وصلت إليه من هجر أهل هذه الهجرة التي يطلبونها حثيثا ويتجاوززنها مسرعين، وهم يعلمون أن ما جرى عليها من حيف أقدمت عليه إدارات سابقة كان هو السبب في أزمتها القائمة، وللمفارقة لا تزال الأخبار الرسمية ترد وتنُشر ويتم الاهتمام بها، ويطلبها المسؤولون بالاسم ويتزاحم عليها عاشقو الكتابة ويغرد موقعها الالكتروني عبر أكثر من مليون ونصف المليون متابع رسمي.
اليوم أيضا نرى الكم الهائل من القضايا الالكترونية التي فاض بها عالم السوشال ميديا سريع النسخ واللصق والمشاركة مِن والنقل عن والأخبار المسمومة والتعليقات الهجائية التي لا تصنع فارقا ولا تؤشر بعلم لمواطن الخطأ وكيف يتم تصويبه، حتى كثُر الشاكون من الهذر والاستباحة لأي شخص لا يحبونه عرفوه حقاً أم لا يعرفونه، حتى تحول الفضاء الالكتروني الى حوزات نميمة وإساءات لم تعرفها تقاليدنا العريقة من قبل، وأصبح كل شارد ووارد يشارك في ما يهرف ولا يعرف، وهي ليست مسؤولية المشارك.
اليوم أيضا نتساءل هل سيتم انقاذ الصحف ام تترك وعلى رأسها الرأي لمصير مجهول في حين انها تضم كوادر متقدمة فكرا وجهدا وحرصا على الدولة بمكوناتها.
الرأي وأبناؤها لن يستسلموا لمصير ينتظره البعض، فهم باقون على عهدها منذ عمالقتها الآوائل اللذين انشأوها لتعيش عمرا مديدا شاهدة على عصر الدولة الحديثة بعد عام 1970، وهكذا فعلوا حينما كانت الرأي تطيح بشخصيات كانت تتجاوز على التقييم السياسي والكفاءة الأمنية، فقط لأن صورة المسؤول لم تظهر على الخبر أو لم ينشر خبر زيارة معالي الوزير، أو مقال لزميل من الكتاب فضح حقيقة كذب أحدهم أو فساده، ولكن اليوم لا تزال الرأي حية تسعى ليس بيد نبي مرسل ولكنها بيد وطن تمارس فيه دورها في الدفاع عن الدولة وهيبتها ورجالاتها اللذين سلمونا وطنا شامخا.
الرأي اليوم وغدا هي إرث الدولة، وستبقى السندّ للمواطن والإسناد للدولة حتى وإن ظُلمت وإن استهدفت وإن منع عنها الهواء وضاقت أيدي شبابها عن الغذاء، ستبقى علامة فارقة في تاريخ ومستقبل سيطلبه القادمون من الجيل الذي يعيّ أن القضية ليست قضية صحيفة أصدرها الحسين ووصفي التل، وانما هي قضية وطن لن نسمح يوما باستباحته وسنبقى دوما ندافع عن حماه.
، فجلالة الملك في كل لقاء يركز على أهمية الصحف ويطلب منا متابعة الحكومات والكشف عن استمرارية خططها، وحتى لو ماتت الرأي، فالتاريخ لن يموت، وللعلم فقط وحتى كتابة مقالتي هذه فإن احصائيات المؤشر العالمي «وورلدأوميترز» أحصى خلال ساعاته الأولى طباعة خمسمائة مليون صحيفة حول العالم ولا زال النهار بأوله،.. أشرقي يا شمس على هذا الوطن الطيب وأهله...