اجتماع الملك مع رؤساء الحكومات
أول من أمس كان الملك قد ضم نادي رؤساء الوزارات السابقين ممن متعهم الله بالصحة والعافية، وهذه ليست المرة الأولى فقد سبق أن اجتمع الملك معهم أو مع بعضهم في فترات سابقة، وتدارس وإياهم الأوضاع العامة في البلد والمحيط سياسيا واقتصاديا والقضايا الأمنية على مستوى الإقليم، وهكذا اجتماعات مع الركائز الأولى في مجتمع الحكومات على مستوى الرؤساء لا نراها في دولنا العربية على الأقل، فقد كنت من قبل ألوم بعضهم على أنه لا يتدخل في الشأن الداخلي ولا يعبر عن رأيه مباشرة مع أو ضد، ولكن في يوم جمعني بمناسبة عزاء برئيس وزراء أسبق سألته فأجاب: لم يطلب أحد منا ذلك.
اجتماع الأحد لم يتغيب عنه سوى ثلاثة من الرؤساء السابقين المقدّرين، اثنان منهم لظرفهما الصحي والثالث يبدو أنه خارج البلاد، ولكنهم حضروا جميعاً لحفل عيد الاستقلال الأربعاء الماضي وشاهدت منهم إلى جانبنا يتجاذبون الحديث بإفراط مع بعض الحضور، وهذا دليل على أن الرؤساء ما زالوا بيت الخبرة ويملكون من المعلومات والمفاصل التاريخية التي تولد تغذية راجعة تدعم الرؤية التي يستند لها الملك في وضع خُطاه على طريق التصحيح والتحديث.
من هنا نرى أن الجملة التي وردت في خطاب جلالة الملك غداة عيد الاستقلال وأخذت صدى واسعا وهي «الأردن الجديد» قد لا تكون منعطفاً حاداً للتغيير والإسراع في طي السنين وراء ظهر التاريخ، فالدول وأنظمتها تمشي الهوينا في تطبيق الرؤى لأكثر من عقد أو عقدين، ولكن هناك من حلل المصطلح على أن التغيير بات ملحاً للدفع بجيل جديد لتولي الإدارة العامة، وهذا غير صحيح، فباعتقادي أن مصطلح الأردن الجديد على المستوى الذي نراه هو مستقبل الأجيال الشابة، في ظل الكتلة الأكبر من المواطنين وهم الشباب والأطفال الذين سيكبرون حتماً وبسرعة الأيام، ومع ذلك نرى أن الخبرة والرؤى والدافعية نحو التصحيح العام هو معيار التغيير بغض النظر عن العمر، لا نظرية التجربة والخطأ.
ولو نظرنا الى تاريخ السادة الرؤساء وقرأنا في تاريخ توليهم مناصب الحكم لوجدنا أمثلة شابة قد لا يعرفها البعض من تاريخ بلدنا السياسي حيث تسنموا رئاسة الحكومة دون سن الخامسة والأربعين، فالرئيس هزاع المجالي كان قد بلغ 37 عاماً عندما تولى الحكومة والرئيس وصفي التل 43 عاماً وبعدهم جاء الرئيس زيد الرفاعي وهو ابن 37 عاماً وقادوا حكومات في حقبة كانت الأصعب والأدمى في تاريخ الأردن المعاصر، وهذا يدل على أن الخبرة لا تتعارض مع العمر، خصوصا في ظل المتغيرات العالمية من ناحية الطرائق الجديدة في الحكم والمعرفة وتقارب الأجيال وسرعة السنين التي نضيعها في التجاذبات غير النافعة.
الملك في اجتماعه مع الرؤساء شرح شرحاً مستفيضاً في ما يتعلق بالحالة الراهنة والتحديات التي تواجه بلدنا وعلاقته مع الجميع من خلال شبكة الاتصالات المفتوحة والعلاقات الممتدة في المنطقة كأداة للتنويع الخيارات وتحقيقا للمصالح الوطنية وتأمين احتياجاته الاستراتيجية، وأكد الملك على أن التنوع في الآراء والمواقف يقوي الأردن طالما أنها تحقق المصلحة العامة، فضلا عن التقدم برسم خريطة تحقق الاستقرار لشعوب منطقتنا، ومثالا لذلك الجهود المشتركة ما بين الأردن والإمارات ومصر والتي ظهرت مخرجاتها عقب مشاركة الرئيس بشر الخصاونة باللقاء الثلاثي في أبوظبي.
وأكد الملك للرؤساء أن المنطقة ستشهد تحركات دبلوماسية خلال الفترة المقبلة يكون الأردن جزءاً منها بهدف دعم قضايا منطقتنا والمحافظة على مصالحة، وباعتقادي أن ما سيجري من حراك دبلوماسي دولي قد يكون محاولة لإعادة المفاوضات في ما يتعلق باتفاقية الماء مقابل الكهرباء مع الكيان الإسرائيلي التي يتفاوض عليها الطرف الإماراتي وتذليل العقبات في ظل التصعيد الإسرائيلي الخطير.
في المقابل قدّم الرؤساء أمام الملك جملة من الأفكار والنقاشات المفتوحة لابقاء الأردن منيعاً وقوياً أمام تحدياته ومع الدعم من الجميع نحو إخواننا الفلسطينيين فقد أكد البعض على أن تستمر الحالة الأردنية التي أعطت بلدنا مكانة دولية وعلاقات واسعة لخدمة مصالحنا، فيما أشار الرئيس أحمد عبيدات أن قدرة الأردن للقيام بدوره الداعم للشعب الفلسطيني مرتبط بتعزيز النهج الديمقراطي وسيادة القانون، وأن الوصاية الهاشمية تستدعي رصد الاعتداءات الإسرائيلية على معاهدة السلام، بينما اعتبر الرئيس عبدالكريم الكباريتي أن الأردن دفع ثمناً سياسيا نتيجة صموده لمواجهة مخططات التصفية للقضية الفلسطينية، وأن على العرب أن يتحملوا جميعاً دورهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
نادي الرؤساء لا يزال يمنح وطنيّة ودافعية لجهود الأردن المدافعة عن الشعب الفلسطيني الشقيق، فيما انبرى جميع الرؤساء لتقديم الرأي حول كل القضايا التي ناقشها الملك معهم... وهذه سُنة طيبة عليها أن تستمر.