عن موسى بن ميمون، أم إسرائيل شاحاك؟
((قرأت في المدرسة كما قرأتم تلك القصة المدهشة عن نبل القائد صلاح الدين الأيوبي إذ أرسل طبيبه الخاص ليعالج عدوه ريتشارد قلب الأسد، ولم أعبأ يومها بمعرفة اسم الطبيب وسيرته ولا حتى عام ١٩٨٦ حين امتنعتُ (بعد التشاور مع زملائي في وزارة الصحة) عن استقبال وفد من (حاخامي) إحدى الجامعات الأميركية جاءنا لاستكمال دراسة عن الطبيب موسى بن ميمون لم أكلف نفسي عناء تقصي مزيد من المعلومات عنه.. فإسرائيل شاحاك كفاني مؤونة ذلك في كتابه الرائع ((التاريخ اليهودي.. الدين اليهودي/ وطأة ثلاثة آلاف سنة)) إذ تحدث عن تعاليمه التي أدخلها إلى التلمود في مؤلفات ضخمة (من ابرزها اثنان بالعربية) عزز بها الفلسفة الاستعلائية لليهود عَلى غيرهم من بني البشر وفي كتابه ((مرشد الحيران)) ظهرت عنصريته ليس ضد المسيحيين فقط بل كل الآخرين الذين لا يمتلكون القيم الدينية العليا والإيمان الحقيقي بالله وهم المغول والبدو الرحّل والسود فطبيعتهم تشبه طبيعة الحيوانات البكماء وهم ليسوا في مستوى البشر وأكد على المبدأ التلمودي الأساسي بعدم إنقاذ حياة الآخرين (الأغيار) فالذين لسنا في حرب معهم لا يجب ان نتسبب في موتهم ولكن يحرم علينا ان ننقذهم حين يكونون على حافة الموت،وقال شاحاك: لعدة قرون استخدم مجتمعنا اليهودي الشمولي تقاليد بربرية غير إنسانية كي يسمم عقول ابنائه وما زال يفعل ذلك فيدرس اطفالنا مثلاً أن على اليهودي اذا مر بمقبرة يهودية ان يترحم على امواتها، وإذا مر بأخرى غير يهودية أن يلعن امهات من فيها..!
هذه قصة موسى بن ميمون الذي ولد في قرطبة عام 1135م وهاجر مع عائلته إلى مراكش عام 1159م ثم انتقل إلى فلسطين حيث أصبح طبيباً لصلاح الدين ولا ندري ما الذي أوصله لهذا المنصب الحساس وكيف أقطعه صلاحُ الدين بعد ذلك يهودَ مصر فأصبح رئيسهم الأوحد والوصي على كل شؤون حياتهم يجمع منهم الضرائب والجزية ويطبق عليهم الشريعة اليهودية وتعاليم جديدة بلغ بعضها من التشدد حد اضطهادهم.
أما المؤلف إسرائيل شاحاك أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية فقد ذاق الأمرين وهو يكتب ويناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد حرب١٩٦٧ حين رأى الفلسطينيين يطردون من بيوتهم، وفي عام ١٩٦٨ وقف مع عشرة آخرين محتجاً على الاعتقال الإداري للمواطنين العرب في إسرائيل، وفي نهاية ذلك اليوم الذي لا ينساه ابداً كان البصاق يغطيه من قمة رأسه لأخمص قدميه! في الشهر الماضي نعى الناعي إسرائيل شاحاك صديق فلسطين، وسقطتْ من عيني دمعة)).
وبعد.. فالسطور السابقة كتبتها قبل واحد وعشرين عاماً وما فتئ الإسرائيليون يرتكبون جرائمهم العنصرية ضد الشعب الفلسطيني بحقد يظنه البعض موروثاً جينياً لدى اليهود وهذا خطأ فاحش من وجهة النظر العلمية إذ أنه صفة مكتسبة متعددة الدوافع أصّلتها في نفوسهم ثقافة توراتية وتعاليم أرساها كثيرون منهم الطبيب (!) بن ميمون، وتزداد تجذّراً بالتوتر والتوجس حد التجسس على الاصدقاء والحلفاء من أجل.. الحفاظ على أكبر قاعدة عسكرية للغرب الاستعماري «الأبيض» في العالم!