التطبيع التركي/الإسرائيلي: خطوة نحو 'الهندسة المِعمارية الإقليمِية'؟
فيما يتواصل تشكيك تل أبيب بإمكانية عودة سريعة لعلاقاتها مع أنقرة, رغم الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية التركي/شاويش أُوغلو, والإحتمالات الماثلة لزيارة قريبة للرئيس/أردوغان للدولة الصهيونية, ردَّاً على زيارة رئيس الكيان/هيرتسوغ أنقرة آذار الماضي. ما تزال أوساط سياسية وحزبية وإعلامية تدعو إلى ضرورة تلبية أنقرة سلسلة من «المطالب» الصهيونية, تبدأ بوقف تركيا نشاطات حركة حماس على أراضيها, ولا تنتهي بالمطلب اللافت في بُعده الإقليمي وما يخص خريطة التحالفات الإقليمية «القائمة», بل خصوصاً تلك «المُتوقّعة» على نحو ينهض فيه «تنسيق» تركي/إسرائيلي, حول «الهجمات» في سوريا.
في ظل اعتبار الطرفين أنّ وجود إيران في سوريا تهديد لاستقرارهما، فضلاً–وهذا لافت أيضاً–أنهما (تل أبيب/وأنقرة) تواجهان حضور روسيا العسكري على ما قالت صحيفة هآرتس الأسبوع الماضي، مُستطردة أنّهما معنيتان بتحسين الحوار بينهما في هذا الشأن, من أجل تجنب مسّ تركيا بالطائرات الإسرائيلية وبالعكس.
ما كشفته هآرتس أيضاً هو أنّ الطرفين يناقشان مؤخراً إمكانية التعاون فيما سُمّي «الهندسة المعمارية الإقليمية» في محاولة لتضييق خطوات إيران الإرهابية في المنطقة -وفق الصحيفة- رغم «معرفة» إسرائيل بأنّ لتركيا شبكة علاقات جيدة مع طهران، ستُفضل أنقرة عدم كشف موضوع النقاش وعدم الوقوف في واجهة الصراع ضدّ النظام في طهران, كي لا تعتبرها الأخيرة دولة مُعادية (يونتان لِيس، هآرتس 25 أيار/الجاري).
وإذ كان مثيراً وباعثاً على الاستغراب في عموميته وحياديته وانعدام الجدية في مضمونه، تصريح الوزير التركي بأنّ زيارته التطبيعية مع دولة العدو الصهيوني وإعادة «تنشيط» العلاقات بين تركيا وإسرائيل, «سيـكون لها أثر إيجابي من أجل حل سِلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي», على نحو لم يُثِر أي رد فعل لدى نظيره الإسرائيلي لبيد، لأنّ الأخير على يقين أنّه مجرد شيك بلا رصيد سياسي/أو معنوي, على غرار ما أطلقه مَن تقرّبوا للدولة العنصرية الإحلالية/الاستيطانية، ولم يُترجموا أقوالهم إلى أفعال رغم ارتكابات إسرائيل وجرائهما وبخاصة في الحرم القدسي وتدنيس المسجد الأقصى, وتواصل الإستيطان بما هو ضم زاحف لا يتوقّف.
لا جديد في قول الوزير التركي أنّ بلاده تؤيد حلّ الدولتين, لأنّ رئيس الدولة العظمى/قائدة «العالم الحر», كان بذل وعوداً وأطلق تصريحات خُلّبية في حملته الانتخابية/الرئاسية، بدت للكثيرين في المنطقة جلّهم في موقع المسؤولية وصناعة القرار, أنّ إدارة بايدن ستُحدِث فرقاً واختراقاً غير مسبوق في «عملية السلام», خصوصاً (كما أكّدوا) حل الدولتين واستعادة العلاقات مع سلطة الحكم الذاتي في رام الله, وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية ودائماً إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية (التي ما تزال على قائمة المنظمات الإرهابية..أميركِيّاً), بالتضادّ مع قرارات ترمب وفريقه الصهيوني الذي دشّن وبارك اتفاقات «أبراهام».
كلّ ذلك تبخّر وسقط عن جدول الأعمال وأخذت إدارة بايدن على نفسها مهة مواصلة توسيع دائرة التطبيع العربي/الإسلامي, مع الدولة «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط وكأنها (إدارة بايدن) استكمال لعهد ترمب وإن اختلفت ألوان «الطرابيش».
عودة إلى تصريحات شاويش أوغلو؟
خلال زيارة الوزير التركي متحف/الهولوكوست في القدس المحتلة.. قال بتأثر: إنّ المتحف يذكّر بمسؤوليتنا المشتركة بالقيام بكل ما باستطاعتنا, كي لا تعاني البشرية من فظائع كهذه أبداً.. والعنصرية وكراهية الأجانب ما تزال تهديدات جدية، وتركيا - أضاف - تعهّدت بمواصلة كفاحها ضدّ «معاداة السامية» والإسلاموفوبيا وكافة أشكال عدم التسامح..مضيفاً..أنّ بلاده تفخر بانّها كانت ملاذاً آمناً لأولئك الذين فرّوا من الملاحقات (يقصد اليهود) مستطرداً.. إنّ الدبلوماسيين الأتراك أنقذوا عدداً لا نهائي من خلال المخاطرة بحياتهم.
لم يذكر غير ذلك... لا حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي/والقانون الإنساني الدولي وعدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة أو استيطانها. فقط زيارة مُكرسة لاستعادة علاقات تاريخية تواصلت منذ العام 1949.. فيما جدول أعمال الزيارة مكرس لهدف واحد وهو خدمة الاستدارة التركية نحو تل أبيب, لسبب له أولوية مُطلقة وهو استنقاذ الاقتصاد التركي المُترنح واستجلاب المزيد من السيّاح الإسرائيليين, ومحاولة الإستفادة من «ثروات» إسرائيل «الغازِيّة».