لماذا لم يصطف العالم وراء أمريكا ضد روسيا كما كانت تريد واشنطن
مدار الساعة -"ما القيم التي ندافع عنها هنا في أوروبا؟
هل لدينا حزمة واحدة من المعايير التي نتمسك بها، ولا نغيّرها في كل مكان وزمان؟
إذا اكتشفنا أن لدينا مجموعة من القيم نطبقها على أبناء أوروبا، وأخرى نلجأ إليها عندما يتعلق الأمر بالملوّنين وغير الأوروبيين، إذن نحن عنصريون وهمجيون أيضاً".
هكذا بدأ الصحفي البريطاني بيتر أوبورن بثه الغاضب على يوتيوب، وهو يقارن بين رد فعل العالم على جرائم روسيا في أوكرانيا، وتجاهله لعشرات السنين لقمع العرب والمسلمين.
الغزو الروسي لأوكرانيا صدمة لن ينساها الغرب كثيراً.
صحيح هو حدث أوروبي "داخلي"، لكنه يكفي لتغيير العالم، ونظرته إلى "غير الأوروبيين".
بوتين أدرك ذلك النفاق الغربي واستغله في الهجوم على الغرب وعلى وسائل الإعلام الغربية، التي اعتبرت أن أوكرانيا دولة أوروبية متحضرة ليست مثل العراق وسوريا.
قال بوتين إن الغرب يهتم بالأوكرانيين فقط لأنهم بِيض.
حرب أوكرانيا ليست صراعاً بقدر ما تحولت إلى "مأزق" تاريخي للغرب، يخص القيم والمفاهيم التي "يبيعها" الغرب منذ عقود، على أنها المُثُل الإنسانية الأعلى.
ها هي قوة ليست عربية ولا إسلامية ولا من العالم الثالث تغزو دولة أوروبية.
ومع هذا الغزو عادت إلى وسائل الإعلام الغربية والعالمية وتصريحات السياسيين مصطلحات المقاومة والإرهاب والنازية والمرتزقة.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دخل هذه اللعبة وهو يحث الأجانب على التوجه إلى السفارات الأوكرانية في جميع أنحاء العالم، والحضور إلى بلاده للدفاع عن "الديمقراطية والقيم الحضارية".
وردّت روسيا بأن غزوها لأوكرانيا هو مواجهة القومية المتطرفة والنازية الجديدة فيها.
وكان على الشعوب المطحونة شرقاً وغرباً أن تتابع مباراة لا تشجع أياً من طرفيها.
كان على غالبية سكان الكوكب أن يصبحوا "الطرف الثالث" الذي يتابع القتال، لكنه لا ينحاز لطرف.
وكان لكثير من هذه الشعوب أن تغضب من الكيل بمكيالين، وازدواجية الغرب وهو يتجاهل أكثر من مأساة تعصف بشعوب هنا وهناك، ثم يهب منتفضاً "للقيم الحضارية" في أوكرانيا.
غضب الشعب الفلسطيني ليس كرهاً في الشعب الأوكراني؛ بل كفراً بالعدالة الدولية التي تتجزأ عندما يتعلق الأمر بفلسطين.
العقوبات التي أمطرت روسيا بعد أيام من انطلاق الرصاصة الأولى لا تُقارن بأكثر من سبعة عقود من المتاهة الفلسطينية، فيما يقف "العالم الغربي الحر" ضد فرض أية عقوبات على أصدقائه من سارقي الأرض وقاتلي الأطفال في فلسطين.
الغرب حامي القيم الحضارية فتح أبوابه للشعب الأوكراني، وتهافت لاحتضانه مادياً ومعنوياً، وحتى عسكرياً، بينما يشرف على حصار أكثر من مليوني مواطن في قطاع غزة منذ 15 عاماً في شريط بري معزول، يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
لكن هناك صدمة تلقَّاها الغرب، ويحاول أن يقلل من قيمتها: العالم ليس متحداً في مواجهة روسيا.
هناك من يهز كتفيه بلا اكتراث لمشاهدة صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
والبعض تعامل مع الغرب بشماتة، لأنه ذاق ما يعانيه الأوكرانيون الآن، ولم تهتز شعرة أوروبية لإيقافه.
وهناك من أصبح خارج نطاق الحقول المغناطيسية لأمريكا والناتو، لأن الطرق تقاطعت، والمصالح تناقضت.