غياب الرقابة البرلمانية على الحكومة
انتهت قبل أيام الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة، والتي امتازت أنها كانت «تشريعية» بامتياز تمكّن خلالها مجلسا الأعيان والنواب من إقرار التشريعات المقترحة من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، بالإضافة إلى قوانين هامة لها أبعاد اقتصادية واجتماعية كقانوني العقوبات والتنفيذ.
وقد كان من الطبيعي أن ينعكس هذا النشاط التشريعي الاستثنائي على عدد الجلسات التي خصصها مجلس النواب للتشريع، والتي بلغ مجموعها في الدورة الماضية (58) جلسة تشريعية، أقر خلالها المجلس (14) قانونا بين جديد ومعدل. إلا أن اللافت في الأمر أن الوظيفة التشريعية كانت على حساب الرقابة البرلمانية، حيث كان عدد الجلسات الرقابية لمجلس النواب في الدورة المنتهية ما مجموعه (7) جلسات فقط.
ومن باب الموضوعية والحيادية، فإن الإحصائيات التي أعلنها رئيس مجلس النواب في معرض تقييمه لأداء المجلس في دورته العادية الأولى تشير إلى أن النواب قد وجهوا عددا كبيرا من الأسئلة والاستجوابات بلغت (400) سؤال لم تجب الحكومة على (91) منها، بالإضافة إلى (15) استجوابا ردت الحكومة على (5) منها فقط.
إن هذه الأرقام تدعونا للتساؤل حول فعالية الأحكام الناظمة لوسائل الرقابة البرلمانية في كل من الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، وعن الآليات التي يجب التفكير بها لضمان استجابة الفريق الوزاري مع الأسئلة والاستجوابات التي توجه لهم من أعضاء مجلس النواب.
وفي هذا السياق، نجد بأن المادة (96) من الدستور قد أحالت في الإجراءات الخاصة بالسؤال والاستجواب إلى النظام الداخلي لكل من مجلسي الأمة، وذلك في دلالة صريحة على البُعد الدستوري لوسائل الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية.
وقد استجاب النظام الداخلي لمجلس النواب لهذه الإحالة الدستورية، فتضمن بين نصوصه أحكاما تنظيمية تحدد المدد الزمنية التي يتعين فيها على الوزير للإجابة على السؤال بواقع (14) يوما، وبمدة لا تتجاوز (21) يوما بالنسبة للاستجواب. ومع ذلك، تتكرر الظاهرة النيابية ذاتها في الدورات البرلمانية المتعاقبة، والتي تتمثل بارتفاع نسبة الأسئلة والاستجوابات التي لا يتم الإجابة عليها أو التعامل معها.
وتتعدد الأسباب والعوامل المرتبطة بهذه الظاهرة، أهمها عدم جدية أعضاء مجلس النواب في الأسئلة والاستجوابات الموجهة منهم، والدليل على ذلك أنهم لا يقومون بمتابعة حالة غياب الردود الحكومية، وعدم اهتمامهم بالتبعات القانونية المترتبة على سلبية الحكومة في التعامل مع تلك الوسائل الرقابية. فالسؤال يمكن أن يتحول إلى استجواب في حال عدم كفاية الرد الحكومي أو عدم الإجابة خلال شهر، والاستجواب أيضا قابل للتحويل إلى طلب طرح ثقة بالحكومة أو أي من الوزراء فيها وفق أحكام الدستور.
في المقابل، يتعين على الوزراء الاهتمام أكثر بما يُقدّم إليهم من أسئلة واستجوابات نيابية، وأن يترتب على عدم الرد أو التأخر به اخضاع الوزير المعني لإجراءات إدارية خاصة من قبل رئيس الوزراء من شأنها أن تضمن التفاعل مع مجلس الأمة، وتحقق التشاركية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ومع توقع دعوة مجلس الأمة لدورات استثنائية تمتد حتى موعد افتتاح الدورة العادية الثانية مطلع تشرين أول القادم، فإن غياب الرقابة البرلمانية على الحكومة ستستمر، ذلك على اعتبار أن صلاحية مجلس الأمة في الدورة الاستثنائية تقتصر فقط على مناقشة الأمور التشريعية الواردة في الإرادة الملكية التي انعقدت تلك الدورة بمقتضاها، وذلك عملا بأحكام المادة (82/3) من الدستور.