'كف يد” المفوض العام: سياسي أم إداري؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/27 الساعة 22:01
مدار الساعة -قرار “كف يد” المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، جاء مفاجئا وصادما. الرجل يحظى بسمعة طيبة، ومشهود له بالنزاهة. القرار، ثانيا، جاء بعد سلسلة من التصريحات التي انتقد فيها واقع الحريات العامة، والتشريعات في البلاد، الواقعة، ويعيد للأذهان ما حصل مع المفوض العام السابق الذي أقيل من موقعه قبل عامين. المركز، رابعا، التزم الصمت، فيما صدر عن أطراف متعددة، بعد تسريب القرار، بيانات وتصريحات عدة، اعتبرت ما قام به مجلس الأمناء خارج اختصاصه ودوره، ويمس باستقلالية المركز.
ما القصة؟ حسب المعلومات من داخل المركز، تم التعاقد، دون علم رئيس المركز وأعضائه، مع الوكالة الإسبانية وبعثة الاتحاد الأوروبي لتمويل مشروع “المساعدة القانونية”، بقيمة 58 ألف دينار، حين اكتشف المركز ذلك لاحقا، إثر شكاوى تقدم بها عدد من المحامين، شكل لجنة “للتحقيق”، أصدرت تقريرا بوجود مخالفات جسيمة، وأوصت بتحويل الملف للمدعي العام.
مجلس الأمناء عاد، مرة أخرى، وشكل لجنة “تحقيق” برئاسة أحد أعضائه (النائب خير أبو صعيليك) انتهت للنتيجة ذاتها. لكن هيئة مكافحة الفساد دخلت على الخط، وتم تحويل الملف إليها، ثم أصدر المجلس، بموافقة 18 عضوا، قرار “كف يد” المفوض العام واثنين من كبار العاملين بالمركز. اعترض على القرار عضوان، أحدهما قدم استقالته.
حد علمي، لا أحد يتهم المفوض العام بنزاهته الشخصية، لكنه متهم (بحكم موقعه) بتحمل مسؤولية التجاوزات التي حصلت بالمشروع، وهي تتعلق بتوقيع عقود لـ”المساعدة القانونية” مع مراكز وأشخاص بصورة غير قانونية. المفاجأة أن بعض الأشخاص الذين اعترضوا على القرار، أو أدانوه واعتبروه استهدافا للمفوض العام.
هل تبدو قضية المفوض العام معزولة عن سياق المواقف السياسية، أم أنها مسألة إدارية وقانونية؟ لا أستطيع أن أجزم بإجابة دقيقة، لكن بحكم تجربتي الإعلامية، وما حدث من التباسات في قضايا عديدة تابعت تفاصيلها، لا أستبعد وجود خلفيات ومبررات سياسية، هذا لا يعني أن رواية المركز غير صحيحة، فالملف، كما ذكرت، يتعلق بتجاوزات أصبحت بيد القضاء.
سؤال آخر، هل المطلوب من المركز، الذي يعد مرجعية لحقوق الإنسان، أن يتكتم على شبهة فساد داخله، وهل نقبل ذلك إذا حصل؟
سؤال ثالث، لماذا تتوجه نقاشاتنا، غالبا، نحو الإدانات والتشكيك والدفاعات الشخصية، بدل أن تتوجه إلى “صلب” القضية، سواء بالجانب الموضوعي أو القانوني. هنا، مثلا، يمكن أن ينصب النقاش حول اختصاص مجلس أمناء المركز بإصدار هكذا قرار، أو حول وجود شبهة تجاوزات بملف المشروع، ومدى جسامتها، أو لماذا جاء اكتشافها متأخرا (بعد عام ونصف من بدء المشروع)، ثم هل يتحمل المفوض العام، مسؤولية ذلك قانونيا، أم يتحملها، فقط، الموظفون القائمون على المشروع؟
سؤال رابع، لماذا نتعامل مع مؤسساتنا وقضايانا بمنطق “الانتقائية”، نستسهل مثلا الهجوم على المركز الوطني لحقوق الإنسان وتجريحه، ثم نصرف النظر عن التقارير والبيانات الجريئة التي يصدرها؟
هنا، هل يصح منطقيا أن جرأة الموظف وانتقاداته للسياسة العامة استدعت الإطاحة به، بينما جرأة المركز مرحب بها، ومسكوت عنها رسميا، علما أن كل ما يصدر عن المفوض العام، وما تتضمنه التقارير، يتم بالتوافق داخل مجلس أمناء المركز، وهو ملزم للجميع كخطاب عام، يعبر عنه المفوضون بالحديث باسم المركز.
سؤال خامس، لماذا نهرب؛ النخب والمعارضة والمجتمع أيضا، نحو “المظلومية” باعتبارها أفضل مظلة للحماية، أو أقصر طريق للدفاع والهجوم؟ صحيح أن خزانات المظلومية في بلدنا مليئة بالوقود الجاهز للاستخدام، لكن الصحيح أيضا أن استخدامها يتم، غالبا، بصورة فزعات لدغدغة المشاعر الشعبية، فيما المفترض أن المتهم، أيا كان، بريء ما لم تثبت إدانته، وبالتالي فإن الجهة التي تفصل بالقضية هي ساحة القضاء، وليس مزاجاتنا الشخصية، أو علاقاتنا العامة.
أعرف، تماما، أن تراكم الخيبات، وانعدام الثقة بين الأردنيين ومؤسساتهم، يدفع الكثيرين للتشكيك بأي رواية رسمية، أو باتهام من يدافع عنها بالانحياز المسبق، وعدم المصداقية، لكن ألم يحن الوقت لنفكر بمصلحة بلدنا، بعيدا عن الأحكام المسبقة، والانطباعات العامة، ثم نلتزم بمسؤولياتنا الأخلاقية والوطنية، ونحترم سمعة مؤسساتنا. أليس هذا هو المدخل الحقيقي للإصلاح، وتغيير الواقع الذي نتوافق على أنه ليس على ما يرام؟
ما القصة؟ حسب المعلومات من داخل المركز، تم التعاقد، دون علم رئيس المركز وأعضائه، مع الوكالة الإسبانية وبعثة الاتحاد الأوروبي لتمويل مشروع “المساعدة القانونية”، بقيمة 58 ألف دينار، حين اكتشف المركز ذلك لاحقا، إثر شكاوى تقدم بها عدد من المحامين، شكل لجنة “للتحقيق”، أصدرت تقريرا بوجود مخالفات جسيمة، وأوصت بتحويل الملف للمدعي العام.
مجلس الأمناء عاد، مرة أخرى، وشكل لجنة “تحقيق” برئاسة أحد أعضائه (النائب خير أبو صعيليك) انتهت للنتيجة ذاتها. لكن هيئة مكافحة الفساد دخلت على الخط، وتم تحويل الملف إليها، ثم أصدر المجلس، بموافقة 18 عضوا، قرار “كف يد” المفوض العام واثنين من كبار العاملين بالمركز. اعترض على القرار عضوان، أحدهما قدم استقالته.
حد علمي، لا أحد يتهم المفوض العام بنزاهته الشخصية، لكنه متهم (بحكم موقعه) بتحمل مسؤولية التجاوزات التي حصلت بالمشروع، وهي تتعلق بتوقيع عقود لـ”المساعدة القانونية” مع مراكز وأشخاص بصورة غير قانونية. المفاجأة أن بعض الأشخاص الذين اعترضوا على القرار، أو أدانوه واعتبروه استهدافا للمفوض العام.
هل تبدو قضية المفوض العام معزولة عن سياق المواقف السياسية، أم أنها مسألة إدارية وقانونية؟ لا أستطيع أن أجزم بإجابة دقيقة، لكن بحكم تجربتي الإعلامية، وما حدث من التباسات في قضايا عديدة تابعت تفاصيلها، لا أستبعد وجود خلفيات ومبررات سياسية، هذا لا يعني أن رواية المركز غير صحيحة، فالملف، كما ذكرت، يتعلق بتجاوزات أصبحت بيد القضاء.
سؤال آخر، هل المطلوب من المركز، الذي يعد مرجعية لحقوق الإنسان، أن يتكتم على شبهة فساد داخله، وهل نقبل ذلك إذا حصل؟
سؤال ثالث، لماذا تتوجه نقاشاتنا، غالبا، نحو الإدانات والتشكيك والدفاعات الشخصية، بدل أن تتوجه إلى “صلب” القضية، سواء بالجانب الموضوعي أو القانوني. هنا، مثلا، يمكن أن ينصب النقاش حول اختصاص مجلس أمناء المركز بإصدار هكذا قرار، أو حول وجود شبهة تجاوزات بملف المشروع، ومدى جسامتها، أو لماذا جاء اكتشافها متأخرا (بعد عام ونصف من بدء المشروع)، ثم هل يتحمل المفوض العام، مسؤولية ذلك قانونيا، أم يتحملها، فقط، الموظفون القائمون على المشروع؟
سؤال رابع، لماذا نتعامل مع مؤسساتنا وقضايانا بمنطق “الانتقائية”، نستسهل مثلا الهجوم على المركز الوطني لحقوق الإنسان وتجريحه، ثم نصرف النظر عن التقارير والبيانات الجريئة التي يصدرها؟
هنا، هل يصح منطقيا أن جرأة الموظف وانتقاداته للسياسة العامة استدعت الإطاحة به، بينما جرأة المركز مرحب بها، ومسكوت عنها رسميا، علما أن كل ما يصدر عن المفوض العام، وما تتضمنه التقارير، يتم بالتوافق داخل مجلس أمناء المركز، وهو ملزم للجميع كخطاب عام، يعبر عنه المفوضون بالحديث باسم المركز.
سؤال خامس، لماذا نهرب؛ النخب والمعارضة والمجتمع أيضا، نحو “المظلومية” باعتبارها أفضل مظلة للحماية، أو أقصر طريق للدفاع والهجوم؟ صحيح أن خزانات المظلومية في بلدنا مليئة بالوقود الجاهز للاستخدام، لكن الصحيح أيضا أن استخدامها يتم، غالبا، بصورة فزعات لدغدغة المشاعر الشعبية، فيما المفترض أن المتهم، أيا كان، بريء ما لم تثبت إدانته، وبالتالي فإن الجهة التي تفصل بالقضية هي ساحة القضاء، وليس مزاجاتنا الشخصية، أو علاقاتنا العامة.
أعرف، تماما، أن تراكم الخيبات، وانعدام الثقة بين الأردنيين ومؤسساتهم، يدفع الكثيرين للتشكيك بأي رواية رسمية، أو باتهام من يدافع عنها بالانحياز المسبق، وعدم المصداقية، لكن ألم يحن الوقت لنفكر بمصلحة بلدنا، بعيدا عن الأحكام المسبقة، والانطباعات العامة، ثم نلتزم بمسؤولياتنا الأخلاقية والوطنية، ونحترم سمعة مؤسساتنا. أليس هذا هو المدخل الحقيقي للإصلاح، وتغيير الواقع الذي نتوافق على أنه ليس على ما يرام؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/27 الساعة 22:01