الخطاطبة تكتب: جاهات في دولة المؤسسات

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/10 الساعة 13:10

خلود الخطاطبة

لم يوسع نطاق ظاهرة اطلاق العيارات النارية في المناسبات والافراح سوى "الجاهات"، ولم يردع من تسول له نفسه الاعتداء على فتاة أو طفل أو شاب سوى "الجاهات"، ولم يرفع منسوب العنف الجامعي في المجتمع الاردني سوى "الجاهات"، ولن يتطور الجهاز الاداري والحكومي لطالما بقي منطق "الجاهات" هو السائد في دولة المؤسسات.

اتفهم تماما طبيعة مجتمعنا وأعلم ايضا بان "تطييب الخواطر" مهم أيضا في حالات محدودة، على أن لا يتم التغاضي عن تطبيق القانون في هذا الحالات، لكن أن تصل "الجاهات" الى صلب مؤسسات الدولة والجهاز الاداري فهذا أمر غير مقبول نهائيا، فالجهاز الحكومي يعمل ضمن تشريعات واضحة ومحددة يسهل تطبيقها في حال وجود مخالفة من أي مواطن "قل أو زاد شأنه".

ولأكون واضحة، فان "الجاهة" التي توجهت الى وزارة المياه والري مؤخرا، "لتطييب خواطر" الوزير وموظفي الوزارة، ما هي الا ضرب في عمق دولة المؤسسات التي يتكلم عنها "الرسمي" باستمرار، فكيف تكون دولة مؤسسات اذا تم حل القضايا بهذه الطريقة، وكيف سيتم اقناع الاخرين باحترام القوانين الناظمة للحياة للجهاز الاداري في الدولة، اذا اطمأن بان اي قضية يمكن حلها بـ"فنجان قهوة".

ومن اطلاعي على قضية المقاول والوزارة، واحترامي لاطراف القضية جميعا، فانني لا أجد أن هناك حقا شخصيا للوزير أو موظفي الوزارة، وان طالهم التعدي الشخصي، فالتعدي طالهم بحكم وظائفهم وليس شخوصهم المقدرة، ولهم كامل الحق باللجوء الى القانون لتحصيل اي حقوق مترتبة على اي طرف يتعامل معهم، ولهم الحق ايضا باللجوء الى القانون في حال التعدي عليهم بحكم "الوظيفة العامة" وليس شخوصهم.

واذا كانت وزارة المياه ووزيرها الدكتور حازم الناصر المعروف بدماثته ولطف حديثه، ووفق تسريبات صحفية، أكدت أن اعتذار المقاول خلال "الجاهة" جاء للحقوق الشخصية لمسؤوليها وموظفيها، ولم يتم التنازل خلالها عن أية حقوق مالية مترتبة على المقاول، فلماذا الجاهة أصلا، فمن يعمل في الوظيفة العامة وعلى الأخص على رأس الوزارة يكون حقه قد وصل اذا وصلت حقوق الوزارة والمواطنين، واذا شعر بأن هناك تعديا على حياته الخاصة وسمعته فانه أبواب المنازل أوالمحاكم مفتوحة للجميع.

يجب ان لا يحكمنا في ادارة دولة المؤسسات منطق "الجاهات" واذا كان هناك حاجة لـ"تطييب الخواطر" فليس ضروريا ان يكون من خلال جاهة كبيرة تؤم مؤسسة عامة، وكان الاكتفاء باعتذار شخصي خارج مؤسسات الدولة كفيل بانهاء الواقعة اذا شعر المسؤول بالتهجم الشخصي عليه، فبما ان الاساءة شخصية فان الاعتذار يجب ان يكون شخصيا أيضا، وليس عاما، وعندها للوزير الحق بالتنازل أو عدم التنازل عن حقه الشخصي والقانوني.

المواطن ليس معنيا سوى بتحصيل حقوق المؤسسات، فهذا ما يهمه بالدرجة الاولى، ويهمه أيضا الحفاظ على كرامة وسمعة اي كان مسؤولا او مواطنا بسيطا، لكن ليس على حساب سمعة الجهاز الاداري الذي يمكن ان يتأثر مستقبلا اذا تم ربطه بالحقوق الشخصية للعاملين فيه، فالفصل بين الشخصي وطبيعة الوظيفة العامة هو من أهم متطلبات المؤسسية.

وللأسف، فان منطق "الجاهات" كان موضع انتقاد الجهات الرسمية في القضايا والظواهر العامة التي ذكرناها في بداية المقال، بل أن حكومات تشددت في عدم قبول "الجاهات" والواسطات في انهاء أي قضية تتعلق بالعنف الجامعي او التنازل عن قضايا اطلاق العيارات النارية، الا اننا عدنا ووجدنا ذات المنطق يسود داخل مؤسسات الدولة، أو دولة المؤسسات.

وسؤالي الأخير: هل يسمح أي وزير لموظف باستقبال "جاهة" في قاعة عامة بوزارته اذا تم التطاول عليه من قبل أحد المراجعين؟

kh_kholoud@yahoo.com

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/10 الساعة 13:10