لستقلالنا بالافعال لا بالاقوال

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/25 الساعة 02:49

قبل 1380 عاماً أي عام 642 غريغورية 21 هجرية قرر الخليفة عمر بن الخطاب تنصيب معاوية بن أبي سفيان والياً على الأردن، وعقب موت شقيقه يزيد جرّاء طاعون عمواس ولاه بلاد الشام كلها ومنها الأردن الذي ما زال يزخر بالقصور الأموية، وحكم هذه الأرض التي توصف بأنها جنات وارفة، حتى مرت السنين الطوال التي تعاقبت عليها العديد من القوى، وآخرها خلافة بني عثمان، التي رحلت عن عالمنا العربي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقد أتم المهندسون الألمان آنذاك مدّ خط سكة حديد الحجاز الذي لا يزال قائما، دعما لحليفهم العثماني، وبقيت هذه البلاد موزعة على أهلها والقاطنين فيها حتى نشأت حكومة الشرق العربي بقيادة الأمير عبدالله بن الحسين، فكيف كانت الحالة الأمنيّة والاقتصادية آنذاك؟

في أرشيف النشرة الإخبارية التلغرافية لشهر نيسان 1946 جاءت الأنباء كالتالي:

انخرطت اليوم الشرطة الفلسطينية والقوات البريطانية ووحدة الفيلق الاردني في شرق الأردن في مطاردة على مستوى الدولة لأعضاء الحركة السرية اليهودية الذين فجّروا الليلة الماضية عشرة جسور في منطقة تبلغ مساحتها 100 ميل بالقرب من الحدود بين الأردن وفلسطين، إذ نفذ الهجمات أكثر من 1000 يهودي، كما حاصرت القوات المشتركة بمساعدة الطائرات وكلاب الأثر منطقة شمال البحر الميت واعتقلت سبعين مستوطنا يهوديا بعد اشتباك مع سكان المستعمرة وعمال من مصنع قريب للمعادن وأصيب ثلاثة من المستوطنين.

ماذا يعني لنا ذلك؟ هذا يعني أن الأردن منذ خليقته على الأرض وهو صنو فلسطين التي بارك الله حولها، وهي أرض الميعاد الذي قرر زعماء يهود العالم أن يجعلوها ميراثهم الموعود بناءً على خرافات توراتية كتبت بيد آثمة، تكرارا لما كان اليهود القدماء من تحريض للإمبراطوريات الأوروبية القديمة لغزو بلادنا الشامية والمصرية للوصول الى هذه الأرض التي كانت حقولها تطعم العالم من قمح وشعير وبقوليات ومزروعات عالية القيّمة، حتى أن قمح الأردن في الوقت المتأخر كان يصدر خارج بلادنا لأوروبا التي ننتظر اليوم منها شحنات القمح الرديء.

في ذلك الوقت وعندما أدرك الأمير عبدالله بن الحسين أن الإنجليز باتوا قاب قوسين من الرحيل الأخير عقب انطفاء شعلة إمبراطوريتهم حول العالم، رأى أن الصراع مع اليهود في فلسطين لن ينتهي، والإقرار البريطاني بالأردن كدولة ناشئة قد لا يتم إلا إن انتزع منهم الاعتراف بالاستقلال مهما كانت صورته، وبعد مؤتمر لندن 1945 الذي شارك به ممثلون رسميون من عرب بلاد الشام، بات يضغط على الإدارة البريطانية باتجاه إعلان الاستقلال، حتى تم ذلك في الخامس والعشرين من العام 1946، وأصبح الأمير عبدالله منذ ذلك اليوم ملكاً على الأردن متحررا من الانتداب بعد عقد معاهدة خاصة مع الإنجليز الذين أبقوا قادة إنجليز في قيادات الجيش وبعض الدوائر الرسمية.

اليوم ننظر الى تاريخ أهلنا، وبلادنا التي كانت تُنبت الرجال كما تُنبت الأرض قمحها وزيتونها وأعمدتها وتضمهم لصدرها كما تضم أضرحة آلاف الصحابة والمقاتلين لاخضاع هذه الأرض المباركة تحت راية الحق والعدل والتآخي، وعلى الرغم من شح الموارد وتواضع مدارس التعليم فإن جيلا كاملا من الرجال الرجال نبتوا كالرماح ليصنعوا مستقبلا واعدا وتاريخا نقرأه في الروايات الحقيقية رفعوا على عاتقهم البناء الأساس لهذا البلد، فشرعوا في صنع الإدارة العامة وأخلصوا في حبهم وتفانيهم لخدمة بلدهم وشعبهم، وتتارت أجيال تربت على الوفاء والإخلاص والعفاف، كلٌ وعمله، في العلوم والوظائف والتعليم والبناء، يحيط بهم جيش خرج من رحم الحروب وخاض حروباً مستقبلية استبسل بها آباؤنا الأردنيون ولم ينكصوا.

أما اليوم فإننا على مفارق طرق جرّاء حال البعض فينا، وما آل إليه العرب والمحيط حولنا من حروب ولجوء وسقوط الى ذيل التنمية البشرية والآمان الاجتماعي وانسداد أفق المستقبل، ولكن عندما ندرك أن أكثر من ستين في المئة من الأردنيين هم من فئة الأطفال والشباب، علينا أن نفزع الى تغيير قواعد التعامل مع تحدياتنا بتبسيط الحياة على آباء هولاء الشباب، كي نزرع فيهم مجددا الانتماء الحقيقي لهذا الوطن ولقيادته السياسية حباً لا كرهاً، فاستقلالنا يجب أن يعتمد على الأفعال لا الأقوال، علينا أن نعود بوطننا لألقه مجدداً بهمة شبابنا.

كل عام والوطن بكل خير.

Royal430@hotmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/25 الساعة 02:49