ماذا يعني قرار القضاء الإسرائيلي السماح لليهود بالصلاة في الأقصى؟ سيناريوهان كارثيان، أحدهما التقسيم
مدار الساعة -قرار خطير اتخذته محكمة إسرائيلية بالسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وهو ما قد يمثل بداية تقسيم الحرم القدسي، كما جرى في الحرم الإبراهيمي بالخليل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة كبيرة تصل إلى احتمال اندلاع حرب واسعة.
وبعد قرار محكمة الصلح الإسرائيلية، أمس الأحد، السماح للمتطرفين بأداء الطقوس الدينية اليهودية العلنية في المسجد الأقصى، اقتحم عشرات المستوطنين الإسرائيليين، اليوم الإثنين، باحات المسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية، وسط محاولات لأداء طقوس دينية يهودية.
وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس، إن "96 متطرفاً اقتحموا باحات المسجد الأقصى صباح الإثنين".
ومن المتوقع قيام مزيد من المستوطنين باقتحام باحات المسجد، في فترة ما بعد الظهر.
تفاصيل قرار المحكمة الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى
وأصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية، الأحد، حكماً أولياً بالسماح للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بـ"صوت عالٍ" والقيام بما يشبه الركوع أثناء اقتحامهم لباحات المسجد الأقصى.
واعتبرت المحكمة في قرارها، أن الصلاة بصوت عالٍ (يصيحون باللغة العبرية "شيماع يسرائيل" وتعني اسمع يا إسرائيل)، والانحناء على الأرض داخل المسجد الأقصى، أمر لا يمكن تجريمه أو اعتباره مُخلاً بالسلم المدني.
وجاء في خلاصة القرار، أنه يُسمح لجميع سكان إسرائيل بالصعود إلى الحرم القدسي وممارسة شعائرهم الدينية.
قرار المحكمة الإسرائيلية صادر بناءً على استئناف قدمه محامون ضد اعتقال 3 مستوطنين أدوا صلوات بصوت عالٍ، وانحنوا على الأرض في أثناء اقتحامهم المسجد الأقصى الأسبوع الماضي، بما يخالف تعليمات قوات الأمن الإسرائيلية.
وخلال الأسابيع الماضية، ساد توتر بالقدس وساحات المسجد الأقصى إثر اقتحامات إسرائيلية للمسجد واندلاع مواجهات مع الفلسطينيين بسببها، ما خلّف إصابات واعتقالات بين الفلسطينيين.
وأدانت السلطة والفصائل الفلسطينية والأردن القرار الإسرائيلي وحذَّرت من تبعاته.
واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية، أن القرار "إعلان للحرب الدينية وانقلاب على الوضع القائم"، وقال الأردن إنه "باطل ومنعدم الأثر القانوني"، فيما قالت حركة "حماس"، إنه "لعب بالنار، وتجاوُز لكل الخطوط الحمر".
ما موقف الحكومة الإسرائيلية من القرار؟
مساء الأحد، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستستأنف ضد قرار محكمة الصلح، وقال بيان لسكرتارية الحكومة الإسرائيلية: "لا يوجد أي تغيير في الوضع القائم بجبل الهيكل/الحرم الشريف (المسجد الأقصى) ولا يخطط للقيام به".
وأردف البيان: "قرار محكمة الصلح يتناول مسألة سلوك القاصرين (إسرائيليون اعتُقلوا وأُبعدوا عن المسجد الأقصى بسبب أدائهم الصلوات بصوت عال) التي طرحت عليها فقط".
وقال البيان: "ليس من شأنه (القرار) أن يُشكّل قراراً أوسع بشأن حرية العبادة في جبل الهيكل (حسب التسمية الإسرائيلية للمسجد الأقصى)".
وادعى أوفير جندلمان الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أنه لا يوجد أي تغيير للوضع الراهن في الأقصى، وأن الحكومة الإسرائيلية لا تخطط للقيام بذلك.
وبرر جندلمان قرار المحكمة الإسرائيلية، بادعاء أنه يتناول مسألة سلوك القاصرين التي طرحت عليها فقط، وليس من شأنه أن يشكل قراراً أوسع بشأن حرية العبادة.
ولكن من الواضح أن حكومة بينيت التي تترنح بعد فقدانها الأغلبية البرلمانية، تجنح نحو مزيد من التطرف، وأنها تتلاعب بمسألة الأقصى تحديداً، لضمان حشد الأصوات اليهودية المتطرفة.
والحكومة الإسرائيلية الحالية يقودها بينيت زعيم حزب يمينا المتطرف، ويشارك فيها متطرفون يهود آخرون، إلى جانب قوى توصف بأنها وسطية وليبرالية، إضافة إلى حزب ميرتس اليساري، الذي سحبت عضوة عربية عنه بالكنيست تأييدها لحكومة بينيت ثم عادت وتراجعت لتبقي تأييدها للحكومة.
كما تحظى حكومة بينيت بدعم ومشاركة القائمة العربية الموحدة بالكنيست التي يقودها منصور عباس، زعيم الحركة الإسلامية الجنوبية، ولكن عباس يبدو أنه يحاول عدم الربط بين مشاركته في الحكومة والانتهاكات بحق الفلسطينيين والأقصى، بدعوى أن هدفه من المشاركة هو ضمان مصالح عرب الداخل، علماً بأن النواب العرب الآخرين في الكنيست يهاجمون حكومة بينيت بشدة، ولم يقدموا لها أي تأييد بعد سحب عضو يميني دعمه لها قبل أسابيع، مما أفقدها الأغلبية البرلمانية.
ولكن مع ضعف الحكومة الإسرائيلية، وهجمات مقاومين فلسطينيين بشكل فردي ضد إسرائيل، وانتقادات رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو لبينيت وقوله إن الحركة الإسلامية هي التي تدير الحكومة الإسرائيلية، يبدو أن بينيت يحاول الحفاظ على وحدة حزبه المتطرف وولاء ناخبيه المتشددين عبر التصعيد في القضية الفلسطينية.
فقبل أيام، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أن بلاده هي "صاحبة السيادة على القدس بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية"؛ في محاولة لإنهاء الوصاية الهاشمية على القدس وهي الوصاية المثبتة في اتفاقات إسرائيلية أردنية.
وقال محللون إن بينيت يخشى من سقوط حكومته، ما دفعه إلى استخدام لغة مستفزة أثارت السخط الأردني الرسمي عليها.
سيناريو خطيرة.. القرار قد يكون تمهيداً للتقسيم الزماني والمكاني للأقصى
لكن قرار محكمة إسرائيلية السماح لليهود بالصلاة بالأقصى يمثل تطوراً بالغ الخطورة، لأنه عادة ينظر إلى القضاء الإسرائيلي بأنه على يسار السياسيين، وأنه أقل تطرفاً تجاه الفلسطينيين من الأحزاب الرئيسية، كما أن الفلسطينيين في مواجهة القمع الإسرائيلي ومحاولات طردهم من بيوتهم يضطرون إلى اللجوء للقضاء الإسرائيلي.
ولكن قرار المحكمة لا يعرّي فقط إسرائيل ويثبت أن العنصرية متغلغلة في كافة مؤسساتها، ولكنه أيضاً قد يمهد لتقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى، كما حدث مع الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل.
ويعد هذا الحكم هو الثاني للمحكمة نفسها التي اتخذت قراراً مشابهاً في أكتوبر/تشرين الأول 2021، لكنه كان متعلقاً بالسماح للمستوطنين بأداء الصلاة في الأقصى بصمت، قبل أن تتطور المكاسب التي يحققها المستوطنون في حكم الأمس إلى أدائها بصوت عالٍ مع ممارسة حركات شعائرية بشكل مباشر، وهو التطور الذي أدى إلى استفزاز الفلسطينيين بشكل واضح.
وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي، اقتحمت قوات الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد، ما أدى إلى اندلاع صدامات عنيفة مع المصلين، وقد فُسر هذا التصرف وقتها على أنه محاولة مستفزة لتفريغ المسجد من الفلسطينيين تمهيداً لممارسة المستوطنين اليهود طقوسهم الاحتفالية احتفاءً بعيد الفصح (بيساح) (15-22 أبريل/نيسان)، ومحاولة ذبح قرابينهم على أسوار المسجد، الأمر الذي رفضه المرابطون شكلاً ومضموناً، ما أسفر عن مواجهات دامية مع قوات الاحتلال.
والتقسيم الزماني والمكاني للأقصى يُقصد به تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى يقتطعها الاحتلال ويحوّلها لكنس يهودية بحجة أداء المستوطنين طقوساً دينية فيها، فخلال الفترات السابقة قام الاحتلال بتحديد طرق ومسارات خاصة لمستوطنيه عند اقتحامهم للأقصى وفق التقسيم المكاني الذي من خلاله يبسط الاحتلال سيطرته بالقوّة على جميع الساحات الخارجية للمسجد الأقصى، أما الأماكن المسقوفة مثل مصلّى قبّة الصخرة والمصلّى المرواني فتكون للمسلمين، ويشمل هذا التقسيم مخطّطات لبناء الكنيس اليهودي والهيكل.
ونشرت مؤسّسات مقدسية تعنى برصد اقتحامات المستوطنين، تفاصيل مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى الذي يفصّل توزيع الأوقات والأماكن والكيفية التي ستخصّص لدخول المستوطنين، جاء فيها:
وكشف المختصون عن وثيقة وخارطة لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بكامل تفاصيلها الدقيقة والخطيرة قام بإعدادها نشطاء من حزب الليكود عام 2013 يطلقون على أنفسهم اسم "منهيجوت يهوديت" (أو قيادة يهودية)، يتزعّمهم "موشيه فيجلين" نائب رئيس الكنيست آنذاك؛ ويحمل المُقترح اسم "مشروع قانون ونُظم للمحافظة على جبل الهيكل كمكان مقدّس".
ولا يهدف هذا المُقترَح إلى نزع السيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى فقط؛ بل إلى نزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى، من قبل الاحتلال الذي سيحدد نظم وقوانين ولوائح يراها مناسبة حسب الشريعة والمواسم اليهودية، ليصبح المسجد الأقصى تابعاً لوزارة "الأديان" الإسرائيلية ضمن المواقع المقدّسة اليهودية وتحت صلاحيات هذه الوزارة وضمن حدود قوانين الأماكن المقدّسة اليهودية.
وحسب "الوثيقة" فإن المقترَح يعمل على تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود ويُحدّد مساحات لكل منهما، ويعتبر مساحة المسجد الأقصى بالكامل مقدّساً يهودياً يطلق عليه "جبل البيت".
كيف قسمت إسرائيل المسجد الإبراهيمي بالخليل؟
بعد أن وقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، شرع المستوطنون الإسرائيليون في الاستيطان بمحيط المدينة ثم في داخلها، وقاموا بالاعتداء على المسجد الإبراهيمي مرات عديدة بهدف تحويله إلى معبد يهودي، بحماية مباشرة من القوات الأمنية الإسرائيلية.
وفي فجر يوم الجمعة منتصف رمضان 25 فبراير/شباط 1994، وقع أشهر الأحداث التي يعرف بها الحرم: مذبحة الحرم الإبراهيمي.
فلقد دخل الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين المسجد الإبراهيمي بإذن القوات الإسرائيلية عندما كان المسلمون يصلون صلاة الفجر، حاملاً معه بندقية آلية وعدداً من الذخائر المجهزة.
وفتح النار على المصلين، مما أدى على الفور إلى استشهاد 29 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 15 آخرين بجروح قبل أن يستطيع المصلون الوصول له وقتله.
وبعد المجزرة شكلت لجنة لتقصي الحقائق باسم "لجنة شمغار"، والتي خرجت بتقريرها بعد 4 أشهر بإدانة عامة للمجزرة، وبرأت الحكومة والجيش الإسرائيليَّين من التواطؤ.
وقد خرجت اللجنة بتوصيات عديدة، كان أخطرها تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.
وحوَّل الاحتلال جزءاً من المسجد إلى كنيس يهودي فأصبح 60% من مساحته لليهود، والباقي للمسلمين، وقام بفصل هذين الجزأين عن بعضهما بحواجز وبوابات حديدية محكمة، ووضع فيها ثكنات عسكرية للمراقبة.
وتنشر السلطات الإسرائيلية 22 حاجزاً حول الحرم الإبراهيمي، منها تقريباً 6 حواجز تعيق دخول المصلين إلى المسجد، بجانب المضايقات التي يواجهها الزوار الذين يزورون المسجد من الجانب الفلسطيني.
السيناريو الثاني.. احتمال الحرب يتزايد
وتسببت الانتهاكات الإسرائيلية بالمسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح وسط القدس، في مايو/أيار 2021، في اندلاع مواجهات عسكرية بين إسرائيل والفصائل في قطاع غزة استمرت 11 يوماً، وهو أمر قد يتكرر إذا تواصلت الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى.
وخلال مؤتمر عقدته حركة "حماس"، أمس الأحد، في مدينة غزة، بمناسبة مرور عام على معركة "سيف القدس"، قالت "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية"، إنها "ستقف بحزم" أمام مسيرة الأعلام الإسرائيلية، المُقرر تنظيمها في 29 مايو/أيار الجاري.
جاء ذلك في كلمة للغرفة المشتركة (تضم الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية، باستثناء حركة "فتح").
وأضاف شخص مُلثّم (لم يكشف عن هويته)، في كلمة الغرفة: "إن ممارسات العدو في كافة المدن المحتلة، والقدس، وما يجري فيها من انتهاكات مستمرة، فضلاً عن الدعوات لاقتحام الأقصى، عبر مسيرة الأعلام، الأسبوع القادم، أسباب تدفعنا للوقوف عندها بحزم".
وأردف: "الشعب الفلسطيني لن يسمح، بالمُطلق بكسر قواعد الاشتباك والعودة لمربع الاستفزازات الذي قُلنا فيه كلمتنا بكل قوة (في إشارة لمعركة مايو)".
ودعا إلى "تضافر كافة جهود الشعوب وقوى المقاومة، والاستعداد للمعركة المقدسة التي تُعيد لفلسطين والقدس والأسرى والشعب الكرامة والحرية".
بدوره، حذّر إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسرائيل، من تداعيات السماح لمسيرة، يُنظّمها "مستوطنون متطرفون"، بالمرور بالمسجد الأقصى، ومدينة القدس.
وقال في كلمة مُسجّلة، تم بثها خلال المؤتمر: "نتابع التهديدات والتلويحات باقتحام الأقصى، ونحذّر العدو من الإقدام على مثل هذه الخطوات".
وأضاف: "قرارنا واضح لا تردد فيه، ولن نسمح مطلقاً باستباحة المسجد الأقصى والعربدة في شوارع القدس".
والأربعاء، قالت قناة "كان" الإسرائيلية، إن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف، قرر السماح لمسيرة الأعلام المقرر تنظيمها في 29 مايو/أيار الجاري، بالمرور عبر باب العامود، بمدينة القدس الشرقية المحتلة.
وتتم الاقتحامات من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، بحراسة ومرافقة الشرطة الإسرائيلية.
وحاول بعض المستوطنين أداء طقوس دينية خلال اقتحاماتهم.
وقال شهود عيان لوكالة الأناضول، إن الشرطة الإسرائيلية منعت مستوطنين من أداء طقوس دينية يهودية.
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة، مساء الأحد، أن فصائل المقاومة نقلت رسائل عاجلة للوسطاء تحذّر فيها من مغبة التصعيد الإسرائيلي المتواصل بعد السماح للمستوطنين من قبل محكمة تابعة للاحتلال، بالقيام بصلوات وطقوس تلمودية خلال اقتحامهم للمسجد الأقصى.
وقالت المصادر لصحيفة "القدس"، إن المقاومة أكدت في رسائلها، أنها مستعدة للدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية مهما كلفها ذلك من ثمن، وأنه لا يمكن بكل الأحوال الصمت إزاء هذه التطورات، التي تأتي بعد أيام من السماح بمخطط ما يسمى "مسيرة الأعلام" الاستفزازية، التي سمح بأن تمر من البلدة القديمة خاصةً باب العامود، ودعت الوسطاء إلى التحرك الجدي لمنع أي تصعيد قد يؤدي إلى اشتعال الأوضاع.