رسالة الملك وما بعدها
متى بدأت قصة ولاية العهد؟ ظهرت في زمن معاوية بن أبي سفيان عندما أسند لابنه يزيد الخلافة من بعده، ومن ذلك الزمن البعيد بدأت الحاجة لوليّ عهد يحمل عن القائد جزءاً من حِمل المُلك، حتى بدأت الإمبراطوريات الغربية والممالك العربية في الزمن المتأخر في ذلك تأطير ذلك النهج، إذ كانت ولاية العهد أحياناً تُسند للابن أو الشقيق ولكن في الشق الثاني ظهرت الخلافات والنزاعات تاريخيا بين الإخوة ولكن الدستور الحديث أعطى ولاية العهد للابن الأكبر من صلب الملك ظهرا عن ظهر دون أي منافسة إلا الحدود الضيقة كانقطاع النسّل.
اليوم وفي سياق الرسالة الملكية التي باح بها الملك عبدالله الثاني للشعب، قد نرى أن القضية تعني كل مواطن أردني هدفه الحفاظ على الاستقرار الدستوري من جهة والاستقرار الأمني السياسي من جهة ثانية، وليقرأ الجميع تفاصيل الدستور الأردني على الأقل دستور عام 1952 وتعديلاته التي تنص بوضوح على تراتبية انتقال الحكم من ظهر الملك، فالعائلة الهاشمية هي عائلة مالكة ليست حاكمة مطلقة ويمثلها الملك الذي يستند الى الدستور، وهذه المقدمة تعطينا إضاءة لما انتهى إليه الأمر مع جلالة الملك ليقدم للشعب مرافعة مفصلة حول ما جرى خلال عام في قضية الفتنة ومجريات أحداث نسبت للأمير حمزة أوضحتها الرسالة الملكية.
وحتى نقطع الشك باليقين، نرى أن الملك الحسين رحمه الله كان قادراً ومميزاً على اختيار من يريد من الأبناء أو الأخوة لولاية العرش، ولكنه في النهاية استند للدستور وقرر أن من يرّث العرش هو ابنه الأكبر الأمير عبدالله ولياً للعهد، ولو أراد غير ذلك لاستند إلى فقرة من الدستور تعطيه الحق باختيار خليفة له من بقية الأسرة المحكومة بالنص الدستوري، وحتى ولاية العهد كمنصب، أعتقد أنه فخرّي أكثر من أنه ثابت دستوريا، لم يشر له الدستور على أنه رافعة لتنصيب ولي العهد ملكا بشكل جزافي، وهذا ما عرفناه في التاريخ البعيد والقريب، فقد اختار الحسين شقيقه الأمير محمد ولياً للعهد، ثم اختار ابنه البكر الأمير عبدالله آنذاك ولياً للعهد في العام 1963، ثم في مرحلة القلاقل حولنا في حقبة الستينيات، اختار الأمير الحسن ولياً للعهد، إلى أن قرر العودة للدستور وتعديلاته مجدداً ليكون عبدالله الثاني وليا للعهد تمهيدا للمُلك.
كل ما سبق كلام يعرفه العديد من المختصين بالتاريخ السياسي، ولكن اليوم نرى أن هناك من يصب الزيت على النار، فالقضية مهما كانت هامّة لنا فهي شأن داخلي في محيط الأسرة التي لم يخرج على استقرارها أحد من قبل، وأي تحريض أو تجاذبات تعطي للقضية أكبر من شأنها، لن تكون إلا نفخاً في النار، فجلالة الملك بعد عام من التحمّل فرى الدُمّل وأسال خراجها، وكل من يستغرب الحدث فله أن يرى في مجتمعنا خصام الأخوة على أقل خلاف، بل على منافسة للوصول الى مجلس نواب أو رئاسة بلدية أو عضو فيها تنشب الخلافات الدامية وقطيعة تذهب لسنوات، وفي التاريخ هناك سوابق لعائلات مالكة أو حاكمة حولنا نهجت نحو المنع أو الحجز على أفراد منهم لخروجه عن تقاليد العائلة ولنا في العائلة البريطانية مثال حتى اليوم.
أما في قراءة لرسالة الملك العلنية والتي قدمها للشعب ووصف نفسه بالأخ لهم، تظهر المعاناة التي لا تخرج إلا بانسداد الأفق وسقوط جميع الحلول على ما يبدو، وفي الرسالة مضامين تدحض الكثير من الإشاعات حول المغرضين الذين ينكرون دون علم بل ويصرّون على أنها عنزة ولو طارت، فيكفي أن الملك وصف برسالته المُحكمة باسم عوض الله على أنه خائن للأمانة، وقد سبق للملك أن قالها صراحة بأن أكثر ما يؤلمه ويغيضه أن يكذب عليه أحد أو ينافق أو يخون الأمانة، ومع ذلك فإن هناك من يرى أن القضّية كيدية، ويطلقون سهاما مرتدة على كينونة النظام واستباحة الشأن الذي حاول الملك تجاوزه، ولكن دون فائدة.
وما يتعلق بالأمير حمزة فإن الملك قد يكون آخر من قرر اللجوء للإرادة الملكية لكبح جماح كرة النار، ومع ذلك فهو ترك فسحة للتعاطي مع أخيه الأصغر ليتوقف عن تصرفاته التي ذكرتها الرسالة، ومنها الحادثة الأخيرة التي نشبت يوم العيد ونحن اطلعنا عليها بشكل غير رسمي، ولا ينقصنا أضرار فوق كل الضرر الذي يخلفه بعض المسؤولين في الإدارات أو المتصيدين لغاياتهم لتأجيج الشارع والزّج بالشعب في تجاذبات لا داعٍ لها، وكل هذا يستوجب التمسك بالدستور والقانون وغير ذلك فهو فوضوي قد لا يبشر بخير.
الملك اليوم يواجه تحديات عدة، ولعل أهمها التعامل مع تداعيات القضية الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بالقدس وحماية الفلسطينيين، بل إنه قدم تصوراً للرئيس الأميركي جو بايدن لوقف الاعتداءات الصهيونية على المواطنين والحرم القدسي، وطالب بأن يعود الحرم القدسي مصلى للمسلمين فقط، ونقل سلطة الأمن لأوقاف القدس وسحب قوات الشرطة الإسرائيلية من الحرم، في المقابل هناك خطر محدق عبر الحدود الأردنية الشمالية التي تتعرض لخروقات أمنّية بعد الانسحاب الروسي من الأراضي السورية وهذا يعني أن وكلاء إيران والعصابات الإجرامية ستستشري وتهدد الاستقرار الحدودي.