'دولة إسرائيل ضد اليهود'.. كتاب خطير 'يُشرِّح' الكيان العنصري (1)
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/23 الساعة 01:34
إذا كان ثمة أهمية للحديث عن الانطباعات المثيرة حدود الصدمة, التي خلّفتها قراءتي لمُقتطفات واسعة من كتاب صدر حديثاً في باريس (باللغة الفرنسية تمت ترجمته مؤخراً إلى الإنجليزية), والموسوم "دولة إسرائيل ضد اليهود" لمؤلفه/سيلفان سيبل, الذي شغل منصب رئيس تحرير صحيفة لوموند/الفرنسية واسعة الانتشار والتأثير, فضلاً عن وظيفة سابقة كمدير تحرير للمجلة الأسبوعية/كورييه إنترناسيونال, ناهيك عن كونه مراسلاً لـ"لوموند" في إسرائيل غطى خلالها السنوات الأولى من الانتفاضة الفلسطينية/الثانية (انتفاضة الأقصى أيلول 2000), كما عمِل مراسلاً للصحيفة نفسها في الولايات المتحدة خلال الفترة (2007 - 2013).
أقول خرجتُ بانطباعات مُتباينة, تذهب في معظمها نحو الغضب, حيال "الجهل" الذي يبسِط ظلاله على المشهديْن الفلسطيني والعربي, وإزاء ما "غدت" عليه الدولة الصهيونية/العنصرية الاستعمارية, خاصة ضآلة بل ضحالة ما يتردّد ويُنشر في وسائل الإعلام العربية والفلسطينية من "معلومات وآراء". أضف إليها منشورات وأبحاث ما تُوصف مراكز البحث والدراسات. تندرج معظمها في إطار شعاراتي/تعبوي لا يعكس حقيقة ما يحدث في إسرائيل وتحديداً موقف نخبتها العسكرية الحاكمة (ليس ثمَّة ساسة في إسرائيل، بل هم "عسكر" في الأساس). إنخرطوا بعد تقاعدهم في العمل السياسي تجسيداً للمقولة الصحيحة أنّ (إسرائيل مجرد "جيش" له دولة وليس العكس), خاصة ودائماً أنّ الإعلام العربي وتحديداً الفلسطيني الذي هو بشكل أو بآخر على تماس مجتمع الاحتلال, يُبدي إعلامه قصوراً منهجياً فاضحاً في اكتشاف/وكشف ما يجري داخل الدولة العنصرية والأيديولوجيا التي تسير على هديها نخبها الحاكمة, والدور المركزي الذي لعبته وتلعبه الحركة الصهيونية في "تسيير" إسرائيل، فضلاً عن التحوّلات التي شهدتها خصوصاً بعد عدوان حزيران 1967.
بداية لا غضاضة في التأشير على أنّ الكاتب "يهودي" الديانة، حتى لا يخرجَنّ أحد علينا قائلا إنّ كتباً عديدة وليس كثيرة صدرت في الدول الغربية وتبددت آثار ما جاء فيها بفضل عامل الوقت، إلّا أنّ الكتب التي ينشرها ساسة وكتّاب ومفكرون يهود, تختلف عن تلك التي يكتبها "الغوييم" (غير اليهود) بصرف النظر عن مدى عُلُوِ كعبهم, على النحو الذي جسّدته وتجسّده مؤلفات البروفيسور اليهودي الشجاع "إيلان بابيه", صاحب الكتاب الأشهر "التطهير العِرقي في فلسطين", الذي أثار وما يزال يثير ضجة في الأوساط السياسية والأكاديمية الإسرائيلية كما في الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية، ولنأخذ على سبيل المثال ما كتبه بن درور يميني في يديعوت أحرونوت في ذكرى النكبة الفلسطينية, تحت عنوان "التهديد بإبادة إسرائيل أدّى إلى النكبة" جاء فيه: نحن لا نحتاج إلى روايات، نحن نحتاج إلى القصة التاريخية الحقيقية، الإسرائيلي الذي طوّر أكثر مِن أيّ شخص الرواية الفلسطينية هو البروفيسور إيلان بابيه، عظيم الدعائيين المُناهض لإسرائيل.. العاملين اليوم".
هنا يكمن اهتمام الحركة الصهيونية بما يكتبه "اليهود" المعارضون للفكرة الصهيونية, والكاشفون حجم الظلم والجرائم التي ارتُكِبت بحق الشعب الفلسطيني, حيث استطاع تيار "ما بعد الصهيونية" وبخاصة المؤرخون الجُدد كشفه بعد رفع السِريّة (ولو ليس كاملاً) عن الوثائق الإسرائيلية, المتعلقة بالفترة التي سبقت النكبة وإعلان قيام دولة العدو على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه.
عودة إلى الكتاب:
يشرح المؤلف في مقدمة كتابه الأسباب التي دعته إلى تأليفه، مُتذكراً أحاديثه مع والده الصهيوني/الطاعن في السن. من بين تلك الأحاديث التي دارت عام 1990 (بعد سقوط جدار براين).. "ها أنت ترى بأنّنا ربِحنا أخيراً" قال له والده، وكان يقصد (الوالد) بـ"نحن" الصهيونية والصهاينة. إذ كان هناك (يشرح المؤلف ثلاثة خيارات أمام والده عندما كان شاباً لكي يتحرر من معاداة السامية.. وهي البوندية (أيديولوجية عُمالية قامت على أساسها الحركة النقابية البولندية) والشيوعية والثالثة الصهيونية: اختار الوالد الأخيرة وها هو يتيَقّن -يُواصل المؤلف- من حسن اختياره، البولندية لم تُعمّر طويلاً، وها هي الشيوعية تنهار، أتذكّر بأنّي صَمَتُّ ولم أعلّق بشيء، فقد كان بيننا فجوة لا يمكن تجاوزها اسمها الصهيونية. مُستطرِدا: قادتني حياتي في إسرائيل إلى إدراك عُمق الهوّة بين الصهيونية "النظرية" والصهيونية "الحقيقية", التي تتمسّك بالعنصرية الإثنِية وبطرد الفلسطينيين من أرضهم.. هذه وغيرها جعلتني أبتعد عنها سريعاً.
للحديث صِلة.
أقول خرجتُ بانطباعات مُتباينة, تذهب في معظمها نحو الغضب, حيال "الجهل" الذي يبسِط ظلاله على المشهديْن الفلسطيني والعربي, وإزاء ما "غدت" عليه الدولة الصهيونية/العنصرية الاستعمارية, خاصة ضآلة بل ضحالة ما يتردّد ويُنشر في وسائل الإعلام العربية والفلسطينية من "معلومات وآراء". أضف إليها منشورات وأبحاث ما تُوصف مراكز البحث والدراسات. تندرج معظمها في إطار شعاراتي/تعبوي لا يعكس حقيقة ما يحدث في إسرائيل وتحديداً موقف نخبتها العسكرية الحاكمة (ليس ثمَّة ساسة في إسرائيل، بل هم "عسكر" في الأساس). إنخرطوا بعد تقاعدهم في العمل السياسي تجسيداً للمقولة الصحيحة أنّ (إسرائيل مجرد "جيش" له دولة وليس العكس), خاصة ودائماً أنّ الإعلام العربي وتحديداً الفلسطيني الذي هو بشكل أو بآخر على تماس مجتمع الاحتلال, يُبدي إعلامه قصوراً منهجياً فاضحاً في اكتشاف/وكشف ما يجري داخل الدولة العنصرية والأيديولوجيا التي تسير على هديها نخبها الحاكمة, والدور المركزي الذي لعبته وتلعبه الحركة الصهيونية في "تسيير" إسرائيل، فضلاً عن التحوّلات التي شهدتها خصوصاً بعد عدوان حزيران 1967.
بداية لا غضاضة في التأشير على أنّ الكاتب "يهودي" الديانة، حتى لا يخرجَنّ أحد علينا قائلا إنّ كتباً عديدة وليس كثيرة صدرت في الدول الغربية وتبددت آثار ما جاء فيها بفضل عامل الوقت، إلّا أنّ الكتب التي ينشرها ساسة وكتّاب ومفكرون يهود, تختلف عن تلك التي يكتبها "الغوييم" (غير اليهود) بصرف النظر عن مدى عُلُوِ كعبهم, على النحو الذي جسّدته وتجسّده مؤلفات البروفيسور اليهودي الشجاع "إيلان بابيه", صاحب الكتاب الأشهر "التطهير العِرقي في فلسطين", الذي أثار وما يزال يثير ضجة في الأوساط السياسية والأكاديمية الإسرائيلية كما في الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية، ولنأخذ على سبيل المثال ما كتبه بن درور يميني في يديعوت أحرونوت في ذكرى النكبة الفلسطينية, تحت عنوان "التهديد بإبادة إسرائيل أدّى إلى النكبة" جاء فيه: نحن لا نحتاج إلى روايات، نحن نحتاج إلى القصة التاريخية الحقيقية، الإسرائيلي الذي طوّر أكثر مِن أيّ شخص الرواية الفلسطينية هو البروفيسور إيلان بابيه، عظيم الدعائيين المُناهض لإسرائيل.. العاملين اليوم".
هنا يكمن اهتمام الحركة الصهيونية بما يكتبه "اليهود" المعارضون للفكرة الصهيونية, والكاشفون حجم الظلم والجرائم التي ارتُكِبت بحق الشعب الفلسطيني, حيث استطاع تيار "ما بعد الصهيونية" وبخاصة المؤرخون الجُدد كشفه بعد رفع السِريّة (ولو ليس كاملاً) عن الوثائق الإسرائيلية, المتعلقة بالفترة التي سبقت النكبة وإعلان قيام دولة العدو على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه.
عودة إلى الكتاب:
يشرح المؤلف في مقدمة كتابه الأسباب التي دعته إلى تأليفه، مُتذكراً أحاديثه مع والده الصهيوني/الطاعن في السن. من بين تلك الأحاديث التي دارت عام 1990 (بعد سقوط جدار براين).. "ها أنت ترى بأنّنا ربِحنا أخيراً" قال له والده، وكان يقصد (الوالد) بـ"نحن" الصهيونية والصهاينة. إذ كان هناك (يشرح المؤلف ثلاثة خيارات أمام والده عندما كان شاباً لكي يتحرر من معاداة السامية.. وهي البوندية (أيديولوجية عُمالية قامت على أساسها الحركة النقابية البولندية) والشيوعية والثالثة الصهيونية: اختار الوالد الأخيرة وها هو يتيَقّن -يُواصل المؤلف- من حسن اختياره، البولندية لم تُعمّر طويلاً، وها هي الشيوعية تنهار، أتذكّر بأنّي صَمَتُّ ولم أعلّق بشيء، فقد كان بيننا فجوة لا يمكن تجاوزها اسمها الصهيونية. مُستطرِدا: قادتني حياتي في إسرائيل إلى إدراك عُمق الهوّة بين الصهيونية "النظرية" والصهيونية "الحقيقية", التي تتمسّك بالعنصرية الإثنِية وبطرد الفلسطينيين من أرضهم.. هذه وغيرها جعلتني أبتعد عنها سريعاً.
للحديث صِلة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/23 الساعة 01:34