ورقة تقدير: المواقف الإسرائيلية الراهنة تمثّل تهديدا خطيرا للاردن

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/22 الساعة 20:06

* استقواء سياسي اسرائيلي على الاردن.. وإعلامية عبر اللغة الخشنة

* ضرورة قراءة التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة في السياسات الاسرائيلية او في الدور الأمريكي

* عودة "الخيار الأردني" اسرائيليا والتلويح به

* ليس نتنياهو العقبة فقط

* انزياح اسرائيل المستمر منذ ربع قرن نحو اليمين الديني والقومي يجعل الأردن بين اليمين واليمين المتطرف

* إسرائيل كلها ترفض الانخراط في أية مفاوضات

* برغم التباعد السياسي تشهد الساحة تقاربا اقتصاديا وأمنيا بين الطرفين

* المطلوب حوار وطني عقلاني، وإصلاح سياسي حقيقي وتوسيع دائرة صنع القرار لتحصين الجبهة الداخلية.

مدار الساعة - تكشف المستجدات والأحداث الأخيرة منذ أحداث المسجد الأقصى - في شهر

رمضان الماضي وقبلها المواقف الإسرائيلية الواضحة تجاه القدس والمقدسات، ولاحقًا مع دلالات اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة- عن تحول إسرائيلي جوهري في النظرة إلى الأردن وأمنه.

هي محاولات استقواء سياسية كانت أم إعلامية عبر اللغة الخشنة، وهذا الاستقواء مرتبط بما يحدث بالبيئة العربية المحيطة وبالحالة الداخلية الأردنية، ما يستدعي ضرورة قراءة التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة في السياسات الاسرائيلية او في الدور الأمريكي ومحاولة قولبة الأمور بما يخدم الأردن ويعيد صياغة دوره في المنطقة، وهذا يستدعي ضرورة إعادة النظر في النظريات التي عششت في ذهن نخبة من المسؤولين الأردنيين ردحًا طويلا من الزمن في قضية التعامل مع إسرائيل، ويستدعي ايضا فتح الحوار على مصراعيه أمام كافة القوى الفلسطينية وعدم حصر الحوار مع السلطة في رام الله، والتعامل بجدية مع بعض الأحداث في الداخل الفلسطيني من

منطلق مصلحة الأمن الوطني الأردني.

كانت تلك خلاصات وتوصيات نجمت عن الجلسة التي عقدها معهد السياسة والمجتمع بتاريخ 15 آيار 2022 في قاعة الأستاذ عدنان أبو عودة في معهد السياسة والمجتمع والتي ضمت مجموعة من الباحثين والخبراء وتحدث فيها وزير الخارجية الأسبق والسياسي الأردني، د. مروان المعشر، وتناولت انعكاسات الأحداث الأخيرة في فلسطين على العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، وحاولت أن تجيب على العديد من التساؤلات المتعلقة بدور الأردن الحالي والخيارات المطروحة والمتاحة في المرحلة القادمة بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي المستمر الذي لا يتماشى مع ما كان يسعى إليه الأردن خلال توقيعه لمعاهدة السلام مع الجانب الإسرائيلي سنة 1994، في خضم التحولات التي يشهدها الإقليم والعالم.

الفرضية الأساسية: علاقات الوسيلة وليس الهدف

انطلقت الجلسة من فرضية أساسية مفادها أن العلاقة الأردنية - الإسرائيلية هي وسيلة وليست هدفا، والهدف من المعاهدة التي وقعتها عمان مع تل أبيب - من وجهة نظر أردنية- من الأساس كانت منع قيام حل على حساب الدولة الأردنية، والمساهمة في

إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.

إلا أن المستجدات والتطورات على الساحة منذ سنوات ثم التطورات الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى توضح عدم نية الجانب الإسرائيلي الانسحاب من الأراضي المحتلة ولا إقامة الدولة الفلسطينية.

ليس نتنياهو العقبة فقط

اما الاخطر من ذلك فهو أن هذا الموقف لا يقتصر على "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أو على "نفتالي بينيت" رئيس الوزراء الحالي فحسب، بل على كل الأطراف الإسرائيلية.

الدولة الفلسطينية ليست أولوية لدى المجتمع الإسرائيلي اليهودي، ومن يتحدث بالدولة الفلسطينية اليوم في الداخل الإسرائيلي لا يمتلك وزنا حقيقيا في المعادلة السياسية.

اما ما يعزز من هذه النظرية فهو الوضع الديموغرافي الذي فرضته إسرائيل والذي يجعل من إقامة الدولة المستقلة عن إسرائيل امرا غير ممكن.

بحسب الأرقام هنالك 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبالتالي لا توجد إمكانية ديموغرافية لتحقيق الفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

دوليا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدو جادة في إيجاد حل سياسي، فبعد نهاية حقبة دونالد ترمب الرئاسية التي أرادت منح إسرائيل 30% من الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية هشة، فإن أقصى ما يطمح إليه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن اليوم هو تهدئة طويلة الأمد وحفظ الظروف التي من شأنها قد تسمح بإقامة الدولة الفلسطينية، مما يطرح تساؤلات حول إمكانّية تحقيق ذلك في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة والوضع القائم الذي يتضمن تزايدا في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. لذلك رأى مشاركون بإن المواقف غير المقترنة بأفعال -وهذا ينطبق على الموقف العربي أي ًضا- سيمنح إسرائيل مزي ًدا من الوقت كي توهم المجتمع الدولي أنها مع المفاوضات بينما هي تخلق واق ًعا جدي ًدا على الأرض لجعل حل إقامة الدولة

الفلسطينية غير قابل للتطبيق.

ورغم حالة التفاؤل التي سادت الأوساط السياسية بعد رحيل نتنياهو ورهان الأردن على تسوية الأمور مع الجانب الإسرائيلي بعد تسنم نفتالي بينيت منصب رئيس الوزراء إلا أن الموقف الإسرائيلي اليوم يحدث انقلا ًبا على الدور الأردني ولا يوليه أية أهمية لا في الوصاية على المقدسات ولا حتى في غيرها من القضايا وهذا ما يؤكده بينيت في تصريحاته الأخيرة حول عدم وجود طرف خارجي معنى بمجريات الأحداث الأخيرة التي شهدتها القدس وساحات المسجد الأقصى.

ورأى مشاركون في الجلسة، بأن انزياح اسرائيل المستمر منذ ربع قرن نحو اليمين الديني والقومي يجعل الأردن بين اليمين واليمين المتطرف، وبالتالي لا يحقق أي فرصة بأن يكون هنالك شريك إسرائيلي ليس فقط في حل الدولتين بل في الملفات الأخرى أيضل، كما أن الأطراف الرئيسية في إسرائيل اليوم ترفض الانخراط في أية مفاوضات، بالتالي فإن فرصة اتخاذ إسرائيل كشريك تكاد تكون معدومة.

وعلى الرغم من هذا الانقلاب الإسرائيلي وحالة التباعد السياسي التي تسود العلاقة الأردنية – الإسرائيلية فإنه وبالتوازي مع هذا التباعد السياسي تشهد الساحة تقاربا اقتصاديا وأمنيا بين الطرفين، آخرها وضع السلع الاستراتيجية التي يحتاجها الأردن في سلة إسرائيل في قطاعي المياه والطاقة، ما يضع شكو كا حول قدرة الأردن على المواصلة في هذه المعادلة بالتزامن مع حالة الاضطراب المقلقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية.

عودة "الخيار الأردني" اسرائيليا والتلويح به

رأى مشاركون في الجلسة أن خيار الإسر ائيليين بما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية هو إقامتها خارج الأراضي المسيطر عليها، حتى لا تكون هنالك أغلبية ديموغرافية فلسطينية في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وبالتالي فإن الحل الذي لا يكون على التراب الفلسطيني سيكون على حساب الأردن، ما يستدعي أن تكون هنالك خيارات أردنية لا تكتفي بأن تكون سريعة فورية بل خيارات وخطط بديلة وعلى المديين المتوسط والبعيد، خاصة وأن التهديد الذي يتعرض إليه الأردن هو تهديد وجودي استراتيجي وليس آنيا أو ظرفيا، بالتزامن مع عدم إيلاء الجانب الإسرائيلي أية أهمية للدور الأردني في فلسطين، بل ذهب بعض المشاركين إلى القول بأن الوصاية الهاشمية على المقدسات تواجه تحديات جوهر ية وبنيوية بعد الاقتحامات الاسر ائيلية المستمرة وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تتجاهل بصريح العبارة هذا الدور.

ولفت المشاركون إلى ضرورة تغيير وتجديد النظريات التي عششت في ذهن سياسيين داخل الأردن على رأسها النظريات التي ترى بأن أمن الأردن واستقراره هو من أمن إسرائيل أو مصلحتها، فقد سقطت هذه النظرية –بحسب مشاركين- بعد أن استطاعت إسرائيل إدارة الفوضى على حدودها كما في لبنان وسوريا، وبالتالي لن تشعر

تل أبيب في حال حدوث فوضى في الأردن بأي خطر يداهمها كما في السابق.

وتكمن أزمة الخيارات الأردنية في العلاقة مع إسرائيل باختزالها إما بإلغاء المعاهدة أو القبول بالواقع الحالي المفروض وسط الاضطرابات التي يعيشها العالم والاقليم، إلا أن مشاركين رأوا إمكانية وأهمية اجتراح مسارات أخرى، كإلغاء الاتفاقيات والمشاريع المشتركة والتخفيف من نمط العلاقات الاقتصادية واليومية، والتلويح بخيار حل الدولة الواحدة أمام التعنت الإسرائيلي، وعدم الضغط باتجاه التهدئة مع اندلاع كل أزمة، والتحالف مع الشبكات والمنظمات الدولية التي ترفض الاجراءات الإسرائيلية والتي تنعتها بنظام الفصل العنصري الذي شكل رأيا دوليا والاعتداءات الإنسانية الأخرى التي يمثل في مجمله رأيا دوليل عالميا يقف على الجهة المضادة من الموقف الإسرائيلي، اضافة إلى توسيع الحوار مع الأطراف الفلسطينية وعدم حصرها في رام الله؛ وعدم الاكتفاء بالوعود الأمريكية التي لا تستطيع أن تقدم ضمانات حقيقية للأردن.

ويرى المشاركون أن الكلف التي قد تترتب على الخطوات التصعيدية الأردنية لا تواز ي خطر التهديد الوجودي وخطر سلب الأردن دوره وثقله المحور ي السياسي والاستراتيجي في الإقليم، إلا أن ذلك يحتاج إلى مجموعة من الإجراءات على رأسها حوار وطني عقلاني، وإصلاح سياسي حقيقي وتوسيع دائرة صنع القرار لأن ذلك من شأنه تحصين الجبهة الداخلية.

أين يكمن التهديد؟

بحسب الأرقام والإحصاءات الإسرائيلية فإن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يشكلون أغلبية الس ّكان و هنالك ما نسبته 7.4 مليون نسمة داخل الخط الأخضر والضفة الغربية وفي القدس وغزة، يقابله 6.8 مليون إسرائيلي و نحو 300 – 400 ألف إسرائيلي ليسوا يهو ًدا أو عرب. لذلك فإن إسرائيل تستشعر بوجود خطر ديموغرافي وقد تفكر بالتخلص من هذا التكاثر السكاني، وقد يكون الحل الأكثر منطقية بالنسبة لها عبر تهجير الفلسطينيين، أو حصرهم في مناطق )أ( و )ب( وإقامة حكم فيدرالي قد يضمهم إلى الأردن، كما يفكر اليوم تيار نافذ في الجانب الإسرائيلي، وهو الخيار المنطقي المترتب على التحولات والمواقف الإسرائيلية الواضحة.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/22 الساعة 20:06