هل تتمسّك تركيا بـِ'الفيتو'.. لمنع توسّع الـ'ناتو'؟
على نحو لافت بدأت انقرة سلسلة تراجعات بعد تشدّد مُعلن, عكسته تصريحات الرئيس اردوغان ووزير خارجيته, رفعا فيها سقف معارضتهما انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو. في خطوة دراماتيكية وخطيرة للبلدين الاسكندنافيّين, اعتبرتها دوائر سياسية وخصوصا عسكرية/استراتيجية مثابة "انقلاب عسكري" لصالح الولايات المتحدة. خاصة ان البلدين شكّل "حيادهما" منذ عقود طويلة ما يُشبه "الظاهرة", في قارّة شهِدت حربين عالميتين ما جنّبهما تداعيات الحروب الساخنة, كذلك خصوصاً الحرب الباردة التي أعقبت الحرب الكونية الثانية.
التراجع التركي المتدحرج تبدّى في خفوت لهجة التصريحات تجاه عضوية فنلندا وتركزها لاحقاً حول السويد، إذ لم تعد تستخدم مفردة نُعارض/وفيتو بل وكما صرّح السفير التركي في السويد ان بلاده "تتحفّظ" على عضوية السويد, كاشفاً النقاب عن وجود قنوات اتصال بين البلدين لمناقشة "تحفظّات" تركيا على عدم قبول ستوكهولم في الناتو, كونها ما تزال تدعم الإرهاب المتمثل في حزب العمال الكردستاني/PKK وربيبته السورية/قوات حماية الشعب الكردية/YPG. في حين وصّفت وزيرة الخارجية السويدية آنا ليند اتهامات أنقرة بالمضللة، لافتة الى ان بلادها هي البلد الثاني بعد تركيا التي صنّفت حزب العمال الكردستاني/PKK ارهابياً في عهد رئيس الحكومة الأسبق "أولف بالمة"...
صحيح ان الرئيس اردوغان ما يزال يطلق التصريحات النارية التي تتهم دولاً أوروبية عديدة بدعم "الإرهاب" الكردستاني... مثل ألمانيا/هولندا/فرنسا, بل لم يستثنِ الولايات المتحدة التي ما تزال تدعم/وتحتضن سوريا الديمقراطية. ما يُثير المزيد من التساؤلات حول "السّر" الذي يستبطنه "قصف" كهذا, رغم تصريحات أكثر من مسؤول أميركي بأن واشنطن تعكف على بث رسائل تطمين لأنقرة لتبديد "مخاوفها" إزاء هذه المسألة.
هنا تكتسب التسريبات الأميركية/كما الأوروبية أهمية اضافية حول طبيعة وحجم "الصفقة" التي تسعى أنقرة لعقدها مع الدول الغربية/الناتو, للتخلّي عن معارضتها انضمام السويد التي تركز عليها اتهاماتها, فيما لا يتجاهل مسؤولوها فنلندا؟
كذلك ما ذكرته أوساط تركية عن "سلسلة/10" مطالب واشتراطات تريد أنقرة تلبيتها, وبخاصّة موافقة واشنطن على إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري "كلّه", وهو مطلب تركي قديم لم يتحمّس له أوباما ثم لاحقاً ترمب, زد على ذلك مطالب أنقرة تسليم ما تصفهم "ارهابيين" كرد واتباع فتح الله غولن/وحركته "حِزمِتْ/الخِدمة, فضلاً عن رفع حظر توريد السلاح الأوروبي/السويدي تحديداً ناهيك عن مطالب أخرى إدراكاً من اردوغان أن "الفرصة الذهبية" التي شكلها طلب السويد وفنلندا الانضمام للناتو لأنقرة, لن تتكرّر في ظل تراجع الاهتمام الأوروبي/الأميركي بـ"دور" تركي فاعل في الأزمة الأوكرانية، رغم ترحيبهما الحذِر بعد نجاح الدبلوماسية التركية في جمع وزيري الخارجية الروسي/والأوكراني, على هامش منتدى انطاليا الدبلوماسي آذار الماضي.
تتذرّع أنقرة بـ "الخطأ" الذي ارتكبته تركيا عندما لم تعترض على انضمام عدوّتها التقليدية/اليونان الى حلف الناتو بعد عام/1980 إذ كانت انسحبت منه بعد الغزو التركي لقبرص/974، وكيف انقلبت الأخيرة على تعهداتها، حيث ما تزال قواتها منذ نصف قرن تحول دون توحيد الجزيرة, خاصة ان القسم اليوناني/من قبرص, عضو في الاتحاد الأوروبي الذي تفشل انقرة حتى الآن في نيل بطاقة عضويته. وهو ما أشار اليه أردوغان بشكل علني وبلهجة حاسمة عندما قال: إن بلاده لن تُكرّر خطأها مرتين... في المرة الأولى – أضاف – وافق إنقلابِيّو /2 أيلول 1980 (يقصِد الإنقلاب العسكري الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين) في ذلك العام, على انضمام اليونان الى "الأطلسي/الناتو", ولم يشترِطوا في المقابل انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي".
العبارة واضحة والثمن المطلوب تُركِيّاً من أوروبا هو فتح ملفات قبولها, التي تم اغلاقها/تجميدها منذ العام 2016(وهو العام الذي شهِد فشل "محاولة الانقلاب" وفق ما أعلنه اردوغان), بعد اتهام بروكسل/الاتحاد الأوروبي, انقرة بانتهاك حقوق الإنسان وانتهاك السياسات التركية لمعايير كوبنهاجن المُؤهِلة للانضمام الى هذا الاتحاد.
في السطر الأخير المؤشرات والمُعطيات المتوافرة وتلك التي تستبطنها التصريحات التركية فضلاً عن الأميركية والسويدية, تشي بأن "الفيتو" التركي "لن" يتم استخدامه, وأن انقرة ستتراجع عن موقفها المُعلن مقابل "صفقة" قد لا تكون مع السويد فقط, بل خصوصاً مع واشنطن التي قد تبدي نوعاً من التجاوب ازاء "بعض" المطالب التركية لكن ليس كله, وربما تكون على حساب الأراضي السورية دون تخلّي واشنطن عن "حلفائها"/كرد سوريا, في الوقت الذي سيُبقي فيه الاتحاد الأوروبي باب عضوية تركيا فيه.. مُغلقاً.